شفق نيوز/ هرباً من الحرب والتهجير والوضع الأمني والمعيشي المتردي، تلجأ بعض النساء السوريات لقبول الزواج أو العمل في العراق رغبة بالاستقرار أو محاولة العثور على وظيفة أملاً في مستقبل أفضل، لكن "سماسرة" في سوريا والعراق استغلوا هذه الظروف بعمليات خداع كبيرة لهؤلاء النسوة، وفق ما قاله متابعون لشؤون اللاجئين السوريين في العراق. 

وينشغل الرأي العام العراقي منذ فترة بقضية زواج العراقيين من سوريات، تحت ذريعة أن الزواج من المرأة العراقية مكلف نتيجة المهر العالي الذي تطلبه الشابة العراقية أو عائلتها وهو 30 مليون دينار عراقي، (23 ألف دولار) كرقم متوسط، بينما الزواج من فتاة سورية يكلف ما بين 500 - 3000 دولار فقط.

وتقول الشابة السورية مي (23 عاماً) من محافظة حلب، إن "بلادنا سوريا مرت عليها فترة حروب وأزمات اقتصادية ما أدى إلى تردي الوضع المعيشي وقلة فرص العمل، لذلك سافرت اثنتين من شقيقاتي الأربع إلى العراق لايجاد وظيفة، حيث هناك  فرص عمل كثيرة وخاصة في أربيل وبغداد".

وتضيف "مي" وهي الأخت الكبرى لشقيقاتها، لوكالة شفق نيوز، أن "شقيقاتي بعد فترة من عملهن تزوجن من عراقيين وكان مهر الأولى التي تبلغ 18 عاماً 1500 دولار، والثانية التي تبلغ 19 عاماً 1400 دولار، ورغم أنهن مستقرات مادياً حالياً لكنهن يعانين من ضغوط نفسية ومشاكل أسرية بين فترة وأخرى".  

وكان السفير السوري لدى العراق، صطام جدعان الدندح، أعلن في تصريح صحفي، مطلع العام الحالي، تسجيل قرابة 5 آلاف عقد زواج لسوريات من أزواج عراقيين خلال العام المنصرم 2023. 

ويقدر عدد اللاجئين السوريين في العراق بنحو 260 ألف لاجئ، غالبيتهم في إقليم كوردستان، وذلك حسب أحدث إحصائية رسمية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ويحل العراق في المرتبة الرابعة بعد تركيا ولبنان والأردن من حيث أعداد اللاجئين السوريين، بعد اضطراب الأوضاع في سوريا عام 2011.

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من ديارهم منذ 2011. وما يزال نحو 6.8 ملايين نازح سوري في الداخل، إذ يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر.

وفي هذا السياق، يقول سفير السلام العالمي لحقوق الإنسان، رشيد علي جان، إن "ظاهرة الزواج العراقيين من سوريات تعود إلى قرابة 8 سنوات نتيجة الظروف التي تمر بها سوريا التي أنتجتها حرب 2011، حيث إن الوضع الأمني منهار والوضع المعيشي مزري، وراتب الموظف حوالي 15 دولار في الشهر، وهي لا تكفي لسد مصاريف يوم واحد".

ويضيف جان لوكالة شفق نيوز، "لذلك لجأ بعض الأشخاص العراقيين إلى استغلال وضع السوريين نتيجة هذه الظروف، وحالياً هناك 3500 امرأة سورية في العراق مفقودة وغير معروف مكان وجودها وذويها لا يعلمون عنها شيئاً".

ويشرح، أن "هؤلاء النسوة جئن إلى العراق إما عن طريق مكاتب عقود عمل للعمل في العراق، أو قسم منهن جئن على أساس عقود زواج عن طريق سماسرة في سوريا والعراق بوساطة نساء يقمن بهذه المهمة على أنها تريد خطبة فتاة لشاب عراقي".

ويوضح، أن "بعض السماسرة يرون الفتاة صور لشباب عراقيين ويتم عقد قرآن الفتاة السورية بناءً على صورة الشاب، لكن عندما تأتي إلى العراق تتفاجأ الفتاة السورية بأن الزوج كبير في العمر وليس كما في الصورة، أو يتفاجأن بأن عقود العمل وهمية وليس لها أي أساس، فكانت عملية خداع كبيرة تتم بحق السوريات".

يذكر أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، كشفت في آذار الماضي عن وجود نحو 300 ألف عامل سوري غير شرعي في البلاد.

وبالعودة إلى جان، فقد أكد، أنه "نتيجة للظروف أعلاه، قد تضطر بعض السوريات اللجوء إلى بيوت الدعارة والمساج لأنهم سبق وأن وقعن على عقود، وأحياناً يتم إجبارهن التوقيع على ورقة بيضاء، ويتم تسجيل مبالغ طائلة للتأمينات تصل إلى 10 آلاف دولار، وفي حال عدم دفع الفتاة هذا المبلغ يتم تهديدها بتقديمها للمحاكم بتهمة النصب والاحتيال".  

وعن عمليات الزواج، يبيّن جان، أن "المهر يقدم إلى ذوي الفتاة وهو يتراوح ما بين 500 إلى 3 آلاف دولار، وهي أشبه بعملية شراء بسبب أن الكثير من الفتيات أصبحن بلا أب أو إخوة أو معيل نتيجة الحرب، لذلك يتم استغلال ظروفهن".

ويختم جان حديثه بالقول، إن "هناك الكثير من النساء السوريات يعلمن في بغداد في أعمال لا يردن العمل بها رغماً عنهن، ويتعرضن للتعذيب والضرب فضلاً عن الإهانة، لذلك وضعهن مأساوي".

وعن نسب نجاح زواج العراقيين من سوريات، ترى الناشطة سارة جاسم، أن "الزواج قد يكون إيجابيا و زيجات ناجحة إذا كان تعامل الشخص مع زوجته جيد، لكن هناك شكاوى ترد من هذه الزيجات وهي إما وقتية وتنتهي، أو قد تتطور ويتم أخذ الطفل من الزوجة وترمى المرأة في الشارع".

وتشير جاسم خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، إلى أن "البعض للأسف بدأ يسوق عبر مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة مبتذلة لهذه الزواجات، وكأن السوريات في سوق نخاسة، وجرى تداول الموضوع بطريقة سخرية لا أحد يقبلها على بنات بلده بالمتاجرة والاستهزاء بهذه الطريقة".

وتوضح، أن "أغلب هذه الزواجات تكون الفتاة السورية زوجة ثانية، لذلك قد تكون سبباً في الطلاق بدل من حل مشكلة العنوسة، وعندما تكتشف الزوجة الأولى هذا الزواج تكون أمام مفترق طرق، أما تطلب الطلاق أو ترمي الزوجة الثانية في الشارع، لذلك هناك استغلال لهذه الزيجات".  

وفيما يخص قانونية هذه الزواجات، يقول المحامي وليد الشبيبي، إن "قانون الأحوال الشخصية يسري على العراقيين ومن يتزوجون من غير العراقيات، أي ما ينطبق على العراقية ينطبق على السورية، ولا يوجد إشكال تصديقه في العراق أو في سوريا، لكن كل عقد يصدق خارج العراق مستكمل لشروطه الشرعية والقانونية يجب أن يصدق في محكمة داخل العراق، على أن لا يكون زواجاً مدنياً (أي مخالف للشريعة الإسلامية)، فإذا تم عقد زواج العراقي من السورية في دمشق، عليه تصديقه في محكمة استئناف بالعراق".

ويضيف الشبيبي لوكالة شفق نيوز، "أما زواج القاصرات، ففي العراق يعتبر مخالفة، أي لا يجوز، ولكن لأن المسألة شرعية وتصبح واقع حال، فالقاضي لا يستطيع الرفض بل يصادق عليه، رغم أن القانون صريح ويعاقب من يعقد خارج المحكمة، لذلك القاصر دون سن 15 عاماً من غير الممكن عقد القرآن عليها دون حضور ولي أمرها، ويجب أن تستمع المحكمة لموافقة ولي الأمر على هذه الزيجة، أما الأقل من 15 عاماً فهم يتزوجون خارج المحكمة مثل رجل دين أو سيد، وفي حال قدم إلى المحكمة فإنه يحال إلى محكمة التحقيق ويحكم عليه بالحبس أو الغرامة، لكن بعد عام 2003 أصبحت تجاه العقوبة نحو الغرامة في جميعها". 

وعن المهور، يوضح الشبيبي، أنه "لا يوجد إشكال أن يعقد على فتاة بمبلغ مالي، سواء كان ألف أو مليار دينار، أو يعقد عليها بشيء عيني، كأن يكون نسخة من المصحف الشريف، لكن ما يحصل في المحاكم عند حصول خلاف ويحصل التفريق ويجد القاضي أن المهر من العينات كنسخة من القرآن، فإن القاضي يتجه إلى مهر المثل، أي يحيل المرأة إلى خبير ليقدر المهر على حسب قريناتها من حيث العمر والشكل والوضع الاجتماعي من الثراء والشهادة وغيرها، ومن ثم يصار إلى مهر المثل".