شفق نيوز- السليمانية/ أربيل/ أنقرة

يؤكد سياسيون ومراقبون كورد، أن عملية إلقاء سلاح حزب العمال الكوردستاني واللجوء للحوار والسلام المجتمعي، تمثل خطوة إيجابية لمصلحة دول المنطقة وخاصة لاستقرار العراق وإقليم كوردستان، مشددين على ضرورة أن يقابل "حسن النية" من حزب العمال، إجراءات تركية وتنفيذ بنود الاتفاق لتحقيق السلام بعد أربعة عقود من النزاع المسلح.

وأقدم عشرات المقاتلين من حزب العمال الكوردستاني ومن كلا الجنسين النساء والرجال، قبل ظهر يوم الجمعة، على إضرام النيران بأسلحتهم في كهف "جاسنة" بين قضاء دوكان ومدينة السليمانية، كخطوة أولية نحو نزع سلاح الحزب، وإنهاء العمليات العسكرية، والتوجه نحو العمل السياسي في تركيا.

ويتخذ حزب العمال الكوردستان، من جبال قنديل معقلاً له، وهي منطقة جبلية تقع في إقليم كوردستان العراق، عند الحدود مع تركيا وإيران، وتشتهر بتضاريسها الوعرة وكثافة غاباتها، مما يجعلها منطقة صعبة الوصول ولطالما كانت توفر ملاذاً آمناً لمقاتلي الحزب.

خطوة إيجابية

في هذا الصدد، اعتبر النائب في البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، شيروان الدوبرداني، أن "ما حصل اليوم يمثل خطوة إيجابية لمصلحة الدول وخصوصاً للعراق وإقليم كوردستان لتحقيق الاستقرار من خلال نزع السلاح والذهاب نحو الحوار والسلام المجتمعي".

وأكد الدوبرداني، لوكالة شفق نيوز، أن "الزعيم مسعود بارزاني كان منذ اليوم الأول مع حل القضية الكوردية عبر السلام والحوار، إن كان في العراق أو تركيا أو سوريا أو إيران أو أي منطقة بالعالم".

وعن مصير قادة وعناصر حزب العمال بعد تسليم السلاح، قال الدوبرداني، إن "هؤلاء سوف ينخرطون في العملية السياسية بتركيا، لأن أغلبهم ينتمون إليها، أما العراقيين منهم فقد انتموا إلى الحشد الشعبي في قضاء سنجار، وقسم منهم في السليمانية وقنديل، وهناك حلول لوضعهم ضمن برنامج نزع السلاح".

وتابع: "على الدول أن تبدي اهتماماً كبيراً لهذه الخطوة الكبيرة من قبل حزب العمال الكوردستاني للذهاب إلى السلام واعطاء حقوق الشعب الكوردي في عموم المنطقة وخاصة في تركيا والعراق وسوريا وإيران".

حذر متبادل

من جهته، لاحظ الباحث التركي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إسلام أوزكان، أن "كلا الطرفين يتصرفان في الوقت الحالي بحساسية وحذر كبيرين لضمان عدم تعثر عملية السلام، ويبذلون قصارى جهدهم لتجنب تكرار الأخطاء التي حدثت في الماضي".

وذكر أوزكان، لوكالة شفق نيوز، أن "الدولة التركية تولي أهمية كبيرة لعملية السلام بسبب آرائها حول التطورات في موازين القوى الإقليمية، إذ تدرك تركيا أن الولايات المتحدة وإسرائيل أصبحتا أكثر نشاطاً وتأثيراً في المنطقة، بينما تفقد القوى المناهضة للولايات المتحدة قوتها".

وبالتالي ترى تركيا، بحسب أوزكان، أن "هناك احتمالاً أن تقع مجتمعات من خلفيات عرقية مختلفة تحت تأثير الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يدفع أنقرة إلى الاعتقاد بضرورة اتخاذ تدابير وقائية".

من ناحية أخرى، رأى أوزكان، أن "حزب العمال الكوردستاني كان يسعى إلى مثل هذا الهدف منذ القبض على زعيمه في عام 1999. عند النظر إلى الديناميكيات الداخلية للحزب، يتبين أن المنظمة كانت تناقش منذ فترة طويلة أن النضال المسلح أصبح يفقد معناه تدريجياً، سواء بسبب التطورات التكنولوجية في المجال العسكري أو بسبب تزايد قوة دول المنطقة".

لذلك، ما لم تحدث أي عقبات، توقع أوزكان، أن "حزب العمال الكوردستاني مصمم تماماً على نزع السلاح، وهذا يتماشى مع التساؤلات والمحاسبة الداخلية التي أجراها الحزب منذ فترة طويلة".

أما مصير مقاتلي حزب العمال الكوردستاني، فقال الباحث التركي: "لا يوجد وضع نهائي واضح بشأن مصيرهم، لكن يُشار إلى أن هذه المواضيع نوقشت خلال زيارة رئيس الاستخبارات إبراهيم كالين إلى العراق".

ورجح أن "بعضهم قد يعود إلى تركيا ويسلموا أنفسهم ويستفيدوا من العفو، بينما يتوجه آخرون، وخاصة من القيادات العليا، إلى أوروبا. ومن المتوقع أن يستفيد الأشخاص الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء من العفو".

"استعراض إعلامي"

بدوره، أوضح السياسي الكوردي، عبد السلام برواري، أن "الكثير من عناصر حزب العمال بدأ الكفاح المسلح خارج تركيا وليس عليه أي قضية من قبلها، كما من الصعب عودة قادة الحزب السياسيين إلى تركيا".

لكن مع ذلك، بين برواري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "الجميع يأمل بنجاح هذه العملية التي بدأت في تركيا، ومن المؤمل أن تكون هذه العملية التي جرت اليوم بداية لعملية إلقاء السلاح التي تتضمن ضرورة قيام الحكومة التركية بإصدار قوانين وتعليمات بمصير المقاتلين".

ورأى برواري، أن "ما جرى اليوم، هو ليس حتى بداية لما يمكن تسميته بعملية إلقاء السلاح، لأن عملية تسليم السلاح في مثل هكذا حالات، عادة ما تكون الخطوة الأخيرة بعد مفاوضات طويلة والاتفاق على معاهدة سلام وإنهاء الخلافات، عندها تبدأ عملية إلقاء السلاح".

وخلص إلى القول: "أما مجرد قيام عشرات المسلحين باتلاف سلاحهم بحضور وسائل الإعلام، فهذا أقرب إلى استعراض إعلامي أكثر مما هو تعبير عن عملية إلقاء السلاح نفسها".

حُسن نية

إلى ذلك، اعتبر الخبير الأمني، مخلد الدرب، أن "ما حصل اليوم هو جزء من عملية حسن النوايا من قبل حزب العمال الكوردستاني، لكن حتى هذه اللحظة هناك ضبابية في الاتفاق، كما أن ما حصل اليوم كان عبارة عن تسليم فصيل مسلح لسلاحه الخفيف، والذي لا يعد أصل سلاح الحزب المعروف".

وأخبر الدرب، وكالة شفق نيوز، بأن "هذه حسن النية من حزب العمال يراد لها أن يقابلها بما تم الاتفاق عليه من الجانب التركي، وهو تغيير بعض فقرات الدستور واعطاء الكورد حقوقهم التي حرموا منها سابقاً".

وأكد أن "في حال تم تنفيذ كامل بنود الاتفاق، فهذا سيصب في مصلحة العراق، إذ أن حزب العمال يتواجد في أماكن عراقية وخاصة في جبل سنجار الذي يعد نقطة استراتيجية مهمة للعراق، لذلك على الأجهزة الأمنية العراقية فرض سيادتها وسيطرتها على تلك المناطق".

"الدولة القومية"

يذكر أن زعيم حزب العمال الكوردستاني، عبدالله أوجلان، أعلن، أول أمس الأربعاء، أن استراتيجية حرب التحرير القومية قد انتهت، وحزب العمال الكوردستاني قد تخلى عن تشكيل الدولة القومية للكورد.

وأوضح أوجلان، في رسالة عبر تسجيل فيديو من داخل السجن في تركيا، أن تركيا قد اعترفت بالكورد والأهداف الرئيسية التي كنا نسعى لها قد تحققت، مستطرداً أنه لم يطلب في أي وقت من الأوقات إطلاق سراحه.

وأضاف، أن "التخلي عن السلاح انتصار تاريخي، ومعه بدأت مرحلة ممارسة القانون والسياسة"، لافتاً إلى أن "السياسة والسلام المجتمعي أمر مهم مقابل حمل السلاح".

وأعلن حزب العمال في 12 أيار/ مايو الماضي حلّ نفسه وإلقاء السلاح، منهياً بذلك أكثر من أربعة عقود من التمرّد ضد الدولة التركية خلّف أكثر من 40 ألف قتيل.

وجاء ذلك تلبية لدعوة أطلقها مؤسس الحزب وزعيمه التاريخي عبد الله أوجلان في شباط/ فبراير الماضي من سجنه في جزيرة إيمرالي قبالة اسطنبول، حثّ فيها مقاتليه على إلقاء السلاح وحلّ الحزب.

وكان أوجلان الذي يقبع في سجن تركي منذ عام 1999 ويقضي عقوبة السجن المؤبد مدى الحياة، قد أبلغ حزبه عبر نواب أتراك من "حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية" المؤيد للكورد كانوا قد زاروه في سجنه، أمره لجميع المجموعات المسلحة بإلقاء السلاح وحل الحزب.