شفق نيوز/ "أريد أن يكبر أطفالي ويحلموا أن يكونوا ما يريدون، لا أريد أن ينظر إليهم فقط على أنهم أبناء لعناصر داعش".. بهذه الكلمات استرسلت سارة (اسم مستعار لنازحة عراقية) أجبرت على (عقاب جماعي) لها ولأطفالها لمجرد أنها كانت زوجة لأحد عناصر تنظيم داعش في العراق.
سارة، مثال لفئة تشمل نحو 300 ألف نازح عراقي داخل البلاد، يعتقد بأن لديهم درجة معينة من الارتباط بداعش، كأن يكون أحد الأقارب قد التحقوا بالتنظيم، وهم ليس لديهم حاليا منازل ليعودوا إليها، أو يفتقرون إلى وثائق هويتهم المدنية، او لا يمكنهم ممارسة حقوقهم الأساسية.
استمرار ظاهرة نزوح ومعاناة آلاف العائلات العراقية المرتبطة أو المشتبه ارتباطها بتنظيم داعش، واستمرار حياتهم في الظلال في إطار "عقاب جماعي" بحقهم، من دون إعادة دمجهم في مجتمعاتهم العراقية، وتعليم أطفالهم ومساعدتهم اجتماعيا، يهدد استقرار العراق على المستويين القريب والبعيد، وفقا لموقع "وور أون روكس" الأمريكي.
هذه العائلات، وبحسب تقرير للموقع الأمريكي، ترجمته وكالة شفق نيوز، منتشرة في جميع أنحاء العراق، وتواجه مستقبلاً مجهولاً، وإلى جانب الممارسات التمييزية للحكومة والتي تطالهم، فإن "وصمة العار الاجتماعية تمنع أيضا هذه الفئة السكانية من الاندماج في المجتمع العراقي، كما أن الأطفال أيضاً لم يسلموا من هذه العقوبة وجرى نبذهم من مجتمعاتهم بسبب جرائم آبائهم".
وأشار التقرير إلى أن "بعض العائلات التي لها انتماءات مفترضة بداعش، واجهت العنف ما اضطرها إلى الفرار مرة أخرى عندما حاولت العودة إلى ديارهم بداية من العام 2019".
عقاب جماعي
ولفت التقرير، إلى أن "العراق يؤدي دوراً في العقاب الجماعي الذي يتعرض له هؤلاء، حيث يجري إدراج الأشخاص المتهمين أو المشتبه بهم بمساعدة داعش، على لائحة أمنية تسيطر عليها الحكومة، إذ أن من غير الواضح كيف ولماذا يتم إضافة أسماء الأشخاص إلى مثل هذه القائمة".
وأضاف أن "الاستحصال على وثائق الهوية التي تفرضها الدولة سيسهل حل المعضلة التي يواجهها العديد من العراقيين النازحين داخليا"، مشيراً إلى أن "الأطفال والعائلات غير المسجلين يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة".
وتابع التقرير الأمريكي، أن "من دون الوثائق المدنية، لا يكون بمقدور الأطفال الالتحاق بالمدارس العامة وتكون العائلات غير قادرة على الحصول على وظيفة رسمية أو الحصول على إعانات حكومية، كما أن "هذه العائلات تدرك أن حياتهم معلقة من دون هذه الوثائق، ما يجبر كثيرين على خوض مسيرة شاقة في محاولة للحصول عليها".
وطرح التقرير تجربة سارة، وهي أم لطفلين، كانت قد تزوجت من أحد أعضاء داعش الذي اختفى أثناء النزاع، ومن المفترض أنه قتل، لكنها لا تعرف مكان جثمانه وليس بمقدورها الحصول على شهادة وفاة، كما لم يكن لدى أطفالها شهادات ميلاد، وهم لم يكن لهم وجود بنظر الدولة العراقية.
وذكرت سارة، بحسب التقرير: "جثة زوجي مفقودة لذا اضطررت لدفع 1500 دولار للطبيب الشرعي من اجل الحصول على تقرير تشريح مزور (...) كان يتحتم على أهل زوجي المجيء الى المحكمة للشهادة بأن أطفالي من ابنهم، لكن حماتي لم تأت لأنها تخشى المحاكم، وأحاول الحصول على جوازات سفر لأطفالي، لكن أسماءهم ما تزال موجودة في قاعدة البيانات الأمنية، وليس بحوزتي مال متبقي لدفع المزيد من الرشاوى".
واضطرت سارة، في وقت لاحق إلى دفع أكثر من 4 آلاف دولار كرشاوى واستغرق الأمر أكثر من عامين، فقط من أجل أن تتمكن من الحصول على بطاقات هوية لنفسها ولأطفالها، وفقاً للتقرير الأمريكي.
تهميش يزيد خطر
وحذر التقرير من أن العديد من هؤلاء الأطفال الموصومين، يكبرون في الظل، وهم بعيدين عن المدارس وأمامهم إمكانية محدودة للحصول على التعليم، وهو ما قد يكون بمثابة مشكلة كبيرة للعراق في المستقبل القريب، حيث يخشى العاملون في مجال الصحة النفسية من أن التهميش الاجتماعي لهؤلاء الأطفال، إلى جانب حرمانهم مادياً وعيشهم في الفقر وملاجئ مؤقتة، يمكن أن يمهد الظروف لظهور جماعات متطرفة جديدة".
وكما أن ترك هذه المظالم من دون أن تتم معالجتها، قد تؤدي الى اعادة اشعال الصراع والمساعدة في إثارة التوترات المزعزعة للاستقرار، حيث يبدو المجتمع العراقي ممزقا بعد الأهوال التي تسبب بها داعش، وفقاً للتقرير.
وأشار إلى أن "بعض المجتمعات أظهرت تقبلاً لهذه العائلات، فيما تحاول مجتمعات أخرى إبعادها، في حين أن الحكومة العراقية ليس لديها خطة شاملة للتعامل مع إعادة دمج هذه العائلات".
ولفت التقرير الأمريكي، إلى أن "كلما طال امد هذا الوضع، كلما ازداد عدد الأطفال الذين يكبرون في ظل الانعزال، ومن دون أن تتوفر لهم الموارد اللازمة ليصبحوا مواطنين عراقيين".
أحلام دموية
واستعرض التقرير تجربة الطفل أحمد (اسم مستعار) والبالغ من العمر ثماني سنوات، الذي قال "حلمي هو أن أعمل وأشتري سلاحاً لقتل كل الجنود العراقيين، لانهم لن يسمحوا لي أن أدرس ويكررون القول إن والدي داعشي".
ووفقاً للتقرير، لا يوجد في أي مجتمع أن تقع المسؤولية على الأطفال عن جرائم ارتكبها آباؤهم.. ويبدو أن العراق استثناء، ومن دون تعليم، فإن خيال الاطفال سيكون مقتصرا على العنف والقمع الذي تعرضوا له.
الاستراتيجية الحكومية
وتعيش العديد من العائلات، في مناطق فقيرة لأن منازلهم دمرت، كما لا يمكنهم الحصول على تعويض لإعادة البناء، ولهذا فإن من دون توفر مأوى لهم، ما من نهاية مستدامة لنزوح هذه العائلات.
كما أن من دون وجود استراتيجية دمج رسمية ترعاها الحكومة، ومن دون التعويضات، وهي عناصر أساسية لإنهاء نزوح هذه العائلات، فإن ذلك لن يساعد في وضع العراق على مسار التعافي.
وفي ظل عدم قدرة المنظمات العراقية غير الحكومية على تلبية احتياجات هؤلاء السكان، ومن دون دعم الوكالات الدولية، فمن المرجح ألّا يتمكن هؤلاء العراقيون المهجرون داخليا من الوصول إلى الخدمات الأساسية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة.
وخلص التقرير الأمريكي، إلى القول إن "هؤلاء المواطنين يحتاجون إلى نهاية مستدامة لنزوحهم من خلال منزل دائم، ووظائف تحقق لهم الدخل، وبطاقات هوية مدنية، وإمكانية وصول أطفالهم إلى التعليم، ويجب منحهم حقوقهم الأساسية كعراقيين".
وختم التقرير، بتجديد تحذيره للحكومة العراقية والمجتمع الدولي، من أن تجاهل العراقيين من ذوي الانتماءات المفترضة بتنظيم داعش، سيدخل العراق حتما في دائرة أخرى من العنف".