شفق نيوز/ قالت مجلة "فورين بوليسي" إن تسمية جو بايدن للقوات الأمريكية في العراق كقوات غير قتالية، لن تمنع الفصائل المدعومة من إيران من استهدافها، وجادلت بأن الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية خطيرة.
ولفتت إلى أنه في الأسبوع الماضي في البيت الأبيض، أخبر الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن القوات القتالية الأمريكية ستنسحب من العراق بحلول نهاية العام، ولكن القوات الأمريكية التي تخدم في أدوار غير قتالية، مثل التدريب وتقديم المشورة وتقديم المعلومات الاستخبارية لقوات الأمن العراقية ستبقى.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تبدو كبيرة للوهلة الأولى، إلا أن الحقيقة هي أن الغالبية العظمى من الـ 2500 جندي أمريكي في العراق كانوا يخدمون في أدوار غير قتالية منذ أكثر من عام.
ووفقا للمجلة، كان إعلان عما يسمى بالانسحاب يتمحور في الحقيقة حول تغير المسميات وليس السياسة، وكان يهدف إلى مساعدة الكاظمي على استرضاء العناصر التي تعارض الوجود الأمريكي في العراق، خاصة الفصائل الشيعية القوية المدعومة من إيران وأنصارها من بين العراقيين، الذين سيصوتون في الانتخابات الوطنية في أكتوبر/ تشرين الأول.
وفي حين كان إعلان بايدن لفتة حسنة النية، فإن هذه الحيلة لم تنطلِ على الجميع، ففي بيانين تم إصدارهما قبل وبعد اجتماع بايدن والكاظمي بفترة وجيزة، أعلنت "تنسيقية المقاومة"، التي تضم أكثر الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق، أنها لن تنخدع بحيلة إعادة التسمية.
ووصفت الإعلان بأنه "احتيال" و "تلاعب" يهدف إلى "إطالة أمد الهيمنة الأمريكية"، مؤكدة أنها لن تقبل جنديا أمريكيا واحدا على الأراضي العراقية تحت أي ذريعة، سواء كان مقاتلا أو غير مقاتل، وإذا لم يرحلوا، هددت الفصائل بفعل "كل شيء من أجل تطهير الأرض المقدسة من رجس المحتلين".
وجادلت المجلة بأن بايدن يحتاج لأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، فمنذ أن تولى منصبه قبل 6 أشهر، كان هناك تصعيد كبير للهجمات ضد الأمريكيين في العراق، حيث استهدفت الفصائل العراقية القوات الأمريكية في العراق وعبر الحدود في سوريا أكثر من 30 مرة منذ تولي بايدن السلطة، بما في ذلك ما لا يقل عن 12 هجوما في يوليو وحده.
ولم تكن الزيادة في العدد ووتيرة الهجمات فقط، بل أصبحت الهجمات أكثر تعقيدا، حيث باتت الفصائل تستخدم الآن طائرات مسيرة متطورة ودقيقة وفرتها إيران، وكانت قادرة على التهرب من الدفاعات الأمريكية.
واستهدف أول هجوم من نوعه في أبريل ما كان من المفترض أن يكون حظيرة طائرات سرية لوكالة المخابرات المركزية في كوردستان العراق، ما يؤكد التغيير التدريجي في مستوى التهديد الذي تواجهه الآن القوات الأمريكية.
وقالت المجلة: "لحسن الحظ، كان عدد الضحايا منخفضا، ولم يسقط قتلى من الأمريكيين، ولكن من المنطقي الاعتقاد بأنه مع تصاعد خطورة الأسلحة المستخدمة وتعقيدها، قد تهدف إيران وفصائلها الوكيلة بشكل متزايد إلى قتل الأمريكيين، وليس مضايقتهم فقط".
وتابعت: "من الواضح أن الإيرانيين كانوا يختبرون بايدن، ويبدو أنهم ازدادوا جرأة بعد رؤية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ومدى حرص بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، فهم يعلمون أنه يريد بشدة تهدئة التوترات في الشرق الأوسط حتى يتمكن من التركيز على أجندته المحلية ومواجهة الصين".
ورأت فورين بوليسي أنه "من وجهة نظر إيران، يبدو بايدن كمشترٍ مفرط الحماسة يدخل السوق، ولذلك ليس هناك ما يمنعها من السعي من أجل الحصول على تنازلات أكبر في المفاوضات النووية مع الاستمرار في التقدم نحو تطوير أسلحة نووية، ولماذا لا تزيد الهجمات على المواقع الأمريكية في العراق لمعرفة ما إذا كان يمكن الضغط على بايدن لإجباره على الهرب؟".
ومع ذلك يبدو أن إدارة بايدن بدأت تدرك أن الإيرانيين ينظرون إليها على أنها فريسة سهلة. ويذكر أن بايدن سياسي مخضرم في لعبة السياسة الخارجية بما يكفي ليعرف مدى خطورة ذلك.
وفي محاولة لتغيير نظرة إيران إلى إدارته، أذن بايدن مرتين بضربات انتقامية ضد مواقع الفصائل على الحدود العراقية السورية، ولكن هذه الهجمات لم تكن ناجحة في هدفها الرئيسي، وبعد الضربة الثانية، رد وكلاء إيران بشن أكبر هجوم على القوات الأمريكية منذ أن أطلقت إيران نفسها وابلا من الصواريخ الباليستية عليها في أعقاب اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد في يناير/كانون الأول 2020.
ويبدو أن قوة الردع الفعالة ضد إيران لن تكون رخيصة، فعندما ترد أقوى دولة في العالم على عشرات الهجمات القاتلة المحتملة على جنودها بضربتين صغيرتين في الصحراء، يوضح ذلك أن الولايات المتحدة تتجنب عمدا أي مواجهة حقيقية، وهذا يخبر إيران أن لديها هيمنة تصعيدية على المسرح العراقي وأنه إذا استمر وكلاؤها في الضغط، فمن المرجح أن يتراجع بايدن في النهاية بدلاً من القتال.
وبدلاً من تفسير الضربات الانتقامية لبايدن على أنها رسالة تحذيرية من الأسوأ القادم إذا لم تتوقف إيران، فمن المرجح أن إيران ووكلاءها خلصوا إلى أنه يخادع ويوشك على الانسحاب تماما، حيث يبدو أن رد بايدن على الهجمات كان هجوما استفزازيا، وهو الأمر الأسوأ من الفشل.
وخلصت المجلة إلى أنه "إذا كان بايدن يعتقد أن حيلته الدبلوماسية مع الكاظمي كان لديها فرصة في خداع إيران ودفعها إلى الانسحاب، فيجب عليه أن يستعد للصدمة".
فمن المرجح، وفق المجلة، أن تأتي هذه الخطوة بنتائج عكسية، فقد أدركت إيران ووكلاؤها أن الولايات المتحدة قلصت قواتها في العراق، وكما يوضح رد فعل الفصائل على إعلان بايدن، فمن المرجح أن يكون النصف الثاني من عام 2021 أكثر خطورة على أفراد القوات الأمريكيين في العراق من الأول.