شفق نيوز/ قدمت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، يوم السبت، صورة عن "الخليج الجديد" الذي يتحول بسبب ازمة الطاقة العالمية والعوامل الجيوسياسية، معتبرة انه سيكون أكثر ثراء وقوة، لكنه أكثر اشتعالا.
وبداية ذكرت المجلة البريطانية في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أنه "خلال أسابيع، سيأتي نحو مليون شخص من مشجعي كرة القدم إلى قطر من أجل حضور مباريات كأس العالم، ويسافر العديد منهم ايضا الى مدن مجاورة مثل دبي وابو ظبي، مشيرة الى انهم سيجدون خليجا يتمتع بثروة من الطاقة بقيمة 3.5 تريليون دولار بفضل حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا".
وبالاضافة الى ذلك، فان سياسيي الغرب الذين يواجهون أزمات تكاليف المعيشة يحلون ضيوفا على ملكيات اقتصاد الوقود الاحفوري، حيث اشارت المجلة الى زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز الحالية الى الخليج، بالاضافة الى زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن في يوليو/تموز الماضي الى السعودية التي كان وصفها بأنها دولة منبوذة بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وتبادل تحية القبضة مع حاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان.
وذكر التقرير أن الطفرة الجديدة في النفط والغاز تجري فيما تحدث تحولات أكثر عمقا، حيث تعاد هندسة تدفقات مصادر العالمية في ظل العقوبات الغربية والتغيير المناخي والتشكل الجديد للتحالفات الجيوسياسية في الشرق الاوسط وتكيفها مع العالم المتعدد الأقطاب حيث ان الولايات المتحدة لم تعد تعتبر الضمانة الموثوقة للأمن.
ولهذا، يعتبر التقرير البريطاني انه كنتيجة لذلك هناك مظهر خليجي جديد، سيظل اساسيا لمدة عقود قادمة، مضيفا في الوقت نفسه، أنه من غير الواضح بتاتا، ما إذا كان هذا الوضع الجديد، سيكون مصدرا للاستقرار.
ولفت التقرير الى ان دول الخليج تنتمي الى منطقة الشرق الأوسط التي شهدت "عقدين مروعين"، حيث اندلعت حروب وانتفاضات وقتل مليون شخص وتراجعت حصة المنطقة من الناتج المحلي الإجمالي عالميا من 4٪ في العام 2012 الى 3٪.
والى جانب ذلك، عمدت الولايات المتحدة الى قطع وجودها العسكري في ظل كارثتي العراق وأفغانستان، تاركة حلفائها القدامى، بمن فيهم دول الخليج، وهم خائفين من الفراغ الأمني الذي تقوم إيران ووكلائها بملئه.
ووصف التقرير الدول الخليجية الثلاثة (قطر والسعودية والإمارات) بأنها انظمة استبدادية وتواجه انخفاضا منذ فترة طويلة في الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، بينما تعاني من تراجع معدلات هبوط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة بسبب التغير المناخي.
وبرغم صعوبة هذه الحقائق، اشار التقرير الى قوتين جديدتين تلعبان دورا، الاولى هي التغيرات في أسواق الطاقة حيث ان الاسعار الحالية يمكن أن تقود دول الخليج الست (البحرين والكويت وسلطنة عمان ايضا)، الى تحقيق مكاسب قيمتها 3.5 تريليون دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الغربية على روسيا تساهم في إعادة توجيه كيفية تداول موارد الطاقة حول العالم، حيث انه في ظل تدفق إنتاج روسيا من النفط والغاز نحو الشرق، فإن ما هو متوقع ان يتحول الخليج الى المورد الأكبر لدول الغرب.
وفي ظل إثراء منطقة الخليج من موارد الطاقة، هناك قوة ثانية تتشكل وتتمثل في التحالفات الجديدة للقوى في الشرق الاوسط، مشيرا الى ان إيران شكلت محور نفوذ لها عبر الحزام الشمالي بما في ذلك العراق ولبنان وسوريا.
وفي المقابل، وكرد فعل، حصل تقارب بين معظم دول الخليج ومصر وإسرائيل ودول اخرى، وهو ما انعكس في "اتفاقيات ابراهيم" مع اسرائيل.
واشار التقرير الى ان التكتل المتشكل يرتبك بتطوير انظمة دفاعية مشتركة ضد الطائرات المسيرة والصواريخ الايرانية، ومن خلال الاعتماد على التكنولوجيا الاسرائيلية على الأرجح.
وتابع انه يرتبط ايضا بالرهان على التجارة التي بمقدورها ان تحقق لهذه الدول ثروة اكبر، مشيرا الى ان الاسرائيليين قاموا بأكثر من نصف مليون زيارة الى الامارات، في حين استثمرت دول الخليج 22 مليار دولار في مصر هذا العام.
ولم يستبعد التقرير انضمام السعودية يوما ما الى "اتفاقيات ابراهيم" ، خاصة اذا قامت اسرائيل بضم الفلسطينيين الى فكرة انشاء منطقة تجارية مشتركة.
وإلى جانب ذلك، يأمل هذا التكتل في تعزيز روابطه مع بقية العالم، مشيرا إلى أن الإمارات وقعت في فبراير/شباط الماضي، على اتفاقية تجارية مع الهند، مضيفا ان دبي تسعى لأن تصبح مركزا تجاريا على مستوى العالم، حيث يمكنك التعامل مع اي شخص.
وتابع التقرير ان المؤشرات الواضحة ترجح ان تبقى منطقة الخليج مهمة على مستوى الشؤون العالمية خلال العقود المقبلة، مثلما كانت خلال القرن العشرين، على الرغم من أن بعض الاستراتيجيين الأمريكيين يأملون في تلاشي اهميتها.
واشار الى انه في مجال النفط والغاز، فإن حصة المنطقة من واردات أوروبا قد ترتفع من نحو 10٪ حاليا إلى أكثر من 20٪. الا ان التقرير ختم بالقول إن الشيء الوحيد الذي قد لا يحققه العصر الجديد هو "الاستقرار"، موضحا أن القوى نفسها خلف هذه الفرص، هي التي تتسبب أيضا بالاضطرابات.
وتابع التقرير ايضاحه قائلا إن السعي خلف ترتيب أمني يعتمد بدرجة أقل على الولايات المتحدة، قد يتسبب بنتائج عكسية، مضيفا ان "عدوانية ايران" قد تؤدي الى سباق تسلح اقليمي تغذيه ارباح الطاقة، تمامًا مثلما تسببت الطفرات النفطية في السبعينيات الى انفجار الانفاق العسكري.
واشار الى انه في حال حصلت إيران على سلاح نووي، فإن دولا مثل السعودية وتركيا ستحاول الحصول على قنبلة خاصة بها.
وتابع ان المرحلة الاخيرة من عصر الوقود الأحفوري قد تؤدي الى جر الصين والهند الى التوغل أكثر في عمق المنطقة.
إلا أن التقرير اعتبر ان أكبر مصدر محتمل لعدم الاستقرار يكمن في الداخل، وحث التقرير على خلق ملايين فرص العمل لعدد كبير من الشباب.
وختم بالقول ان "مستبدي الخليج" يعتقدون ان لديهم رؤية طويلة الأمد لادارة هذا التحول، الا انهم عرضة لاحتمالات القمع والمحسوبية والغرور، ولهذا فانه برغم هذا "الخليج الجديد" الآخذ في الظهور، الا ان بعض الامور لا تزال على حالها، وهي ستظل مضطربة، ويجب على العالم ألا يتجاهلها.
ترجمة: وكالة شفق نيوز