شفق نيوز/ دعا "المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية"، الى اعادة التفكير بتموضع السياسة الخارجية لفرنسا بناء على التغيرات السياسية والامنية والاقتصادية التي جرت في العراق والمنطقة عموما، بما يتوافق مع مصالح باريس وشركائها، في محاولة لرسم مشهد الموقف الاستراتيجي لفرنسا في الشرق الاوسط.
وبعدما لفت المعهد الفرنسي في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، الى ان "التفكير الاستراتيجي الفرنسي في الشرق الأوسط في طريق مسدود"، اشار الى ان التهديد الارهابي في المنطقة قد انتهى تقريبا، وهو ما يجب ان يدفع باريس الى إعادة التفكير في استراتيجيتها.
جاء ذلك في اطار مقابلة مع الباحثة في المعهد الفرنسي هيلويز فايت المتخصصة بالشؤون العسكرية في الشرق الاوسط، والتي قالت ردا على سؤال عما تفعله فرنسا في الشرق الاوسط، لمناسبة مؤتمر "بغداد-2"، بينما كل الانظار متجهة نحو اوكرانيا، إن "وجود فرنسا في الشرق الاوسط حاليا يتمحور حول هدفين: محاربة الارهاب وحماية وصولها الى الطاقة والى البحر، من البحر الابيض المتوسط الى البحر الاحمر وعلى طول الطريق الى الخليج العربي، بوابة المحيط الهندي".
وقالت هيلويز، إنه "من اجل تحقيق هذه الاهداف، فان فرنسا تحتفظ فرنسا بنحو الفي عسكري في الشرق الاوسط، مما يجعلها ثاني اكبر منطقة انتشار لها بعد افريقيا، مشيرة الى ان التواجد العسكري الفرنسي يتمركز في ثلاثة محاور الاولى "عملية شمال" والتي منذ العام 2014 ، قامت في إطارها بتجميع 600 عنصر عسكري موزعين بين العراق وسوريا والاردن ولبنان بالاضافة الى 650 جنديا ضمن قوات اليونيفيل التابعة للامم المتحدة في لبنان، والقوة العسكرية المتمركزة في ابو ظبي، التي تستخدمها فرنسا كمنصة لوجستية.
واضاف ان هذه القوات الفرنسية تمثل "جوهر الموقف الفرنسي في المنطقة".
والى جانب الوجود العسكري، لفتت الخبيرة الفرنسية الى ان "لدى باريس سفارات في كل دول الشرق الاوسط باستثناء سوريا واليمن حيث اغلقت بعثاتها الدبلوماسية فيهما عامي 2012 و 2015". وحول تضاؤل التهديد الارهابي في المنطقة العراقية - السورية وما اذا كانت الموارد العسكرية التي تنشرها فرنسا كافية، قالت الخبيرة الفرنسية، إنه "تم بالفعل القضاء على التهديد الارهابي"، مضيفة انه برغم ان داعش اعلن في العام 2021 مسؤوليتها عن اكثر من 1100 هجوم في العراق، "الا ان هذا الرقم يتناقص عاما بعد عام، وتكاد داعش تصبح غير قادرة على تنسيق هجمات واسعة النطاق".
الا ان التنظيم بحسب هيلويز، ما يزال "يشكل تهديدا اجتماعيا وسياسيا في العراق وسوريا، لكن هذه ليست من المشاكل التي بإمكان عملية شمال ولا القوات الخاصة الفرنسية، ان تحلها".
وقالت هيلويز، إن "المسؤولين العراقيين والكورد واللبنانيين يعترفون بحاجتهم الى تدريب محدد للغاية، والحصول على معدات لمهام محددة وعلى المساعدة السياسية لحماية دولتهم او اداراتهم المحلية، اكثر من الاموال او الموارد البشرية".
وتابعت قائلة، إنه "في الوقت الراهن هناك "نوع من الجمود في التفكير الاستراتيجي الفرنسي في الشرق الاوسط منذ ذروة التهديد الارهابي في العام 2015".
وردا على سؤال حول العراق وسوريا، حذرت هيلويز من ان بعض شركاء فرنسا لا يترددون في التلاعب بالتهديد الذي يشكله داعش، موضحة انهم سيتحدثون عن زيادة خطر التنظيم عندما يحتاجون الى مساعدة اجنبية، او سيقولون ان خطرها يتراجع عندما يبدأ السكان في تحدي وجودهم".
واعتبرت ان "الاموال التي يتم ضخها في قوات الامن والاسلحة المقدمة، تثير خطر تعزيز ما افترضت الحرب ضد الارهاب بانها تعارضه، بما في ذلك تفتيت التماسك الاجتماعي".
ووافقت هيلويز على فكرة ان عملية "العزم الصلب" التي تقودها الولايات المتحدة منذ العام 2014، وعملية "شمال" الفرنسية المرتبطة بها، قد بدلت من نهجها منذ العام 2020، مذكرة بانه فيما بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني الذي كان يهندس حركة ميليشيات متعددة في العراق وسوريا، جرى تصويت في البرلمان العراقي على اقتراح يدعو الى انسحاب القوات الاجنبية، مضيفة ان سلسلة الهجمات على القواعد الغربية في يناير/كانون الثاني واذار/مارس العام 2020، بالاضافة الى وباء كورونا، تسببت في تسريع هذا الانسحاب.
واوضحت ان "التحالف الدولي الذي تنتمي اليه فرنسا، غير في ربيع العام 2021، تنظيمه وبدأ المرحلة الاخيرة المعروفة باسم "المرحلة الرابعة" اي "الاستقرار"، حيث انه بشكل رسمي لم يعد هناك جنود غربيون في العراق، والقوة الموجودة للتحالف الان هي لمهمات التدريب والدعم والاستشارة الى جانب مهمات اخرى الى جانب مهمة حلف الناتو".
وبحسب هيلويز، فان لخروج القوات الامريكية من افغانستان في صيف العام 2021 كان تأثيره محدودا حتى الان، مضيفة ان القوات الامريكية عادت الى مستواها الذي كان قائما في العام 2015 ، وذلك بوجود 36 الف جندي بعد الذروة المسجلة في العام 2017 والتي كانت اكثر من 46 الف عسكري، موضحة ان هذا يشكل تغييرا في الحجم، وانه في حين تراجعت الاعداد في العراق، الا انها ارتفعت في المملكة السعودية.
وحول احتمال تعرض فرنسا الى الارهاب، قالت هيلويز ان التهديد الارهابي كان موجودا قبل "عملية شمال" الفرنسية وسيظل موجودا دائما، وان باريس ستظل بحاجة الى عمليات محددة للقوات الخاصة، حيث لا يزال يتواجد مقاتلون اجانب فرنسيون ضمن داعش واخرون في معسكرات وسجون في سوريا والعراق.
واضافت ان هذا الخطر هو جزء من تهديد يجب التعامل معه من خلال نهج شامل وعالمي لمكافحة التمرد.
وحول العلاقة مع الامارات، قالت الخبيرة الفرنسية انه بعد اندلاع الحرب في اوكرانيا، كانت الامارات من بين الدول التي امتنعت عن التصويت على عقوبات ضد روسيا في الامم المتحدة، كما انها اختارت شركة الاتصالات الصينية "هواوي" لتطوير العديد من بنيتها التحتية، وحصلت الصين ايضا على امتياز في ميناء ابو ظبي في العام 2018 لمحطة حاويات، وهو ما تسبب في اثارة توترات حادة مع واشنطن والغاء عقد لتوريد طائرات مقاتلة من طراز "اف-35".
وبالاضافة الى ذلك، لفتت هيلويز الى ان الامارات اختارت تطوير العلاقات مع سوريا من خلال استقبال رئيسها بشار الاسد في مارس/اذار الماضي حيث تستثمر ابو ظبي بكثافة في اعادة الاعمار في سوريا، وهو ما يتعارض مع الموقف الغربي.
وحول احتمال ان يتسبب تصعيد العمليات العسكرية التركية في سوريا ضد الكورد الى التأثير على علاقات فرنسا، قالت هيليوز ان "سياسة تركيا في الشرق الاوسط لم تكن طوال فترة طويلة متوافقة تماما مع المصالح الفرنسية، باستثناء مكافحة الارهاب ، حيث تسجن انقرة الجهاديين الفرنسيين العائدين من سوريا".
الا انها اضافت ان فرنسا بحاجة الى ان تطرح بعض الاسئلة على نفسها بالنظر الى اشتداد العمليات العسكرية التركية الاخيرة، مذكرة بان انقرة عضو في حلف الاطلسي وهي حليف رسمي، الا ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يستهدف بشكل مباشر القوات الكوردية التي تحميها وتدربها فرنسا، وليس هناك احد على ما يبدو بامكانه عرقلته.
وختمت الباحثة الفرنسية في "المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية"، انه كما يحدث بالنسبة الى الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الذي لم يعد يثير اهتمام احد، فان سوريا ايضا اصبحت ايضا صراعا مجمدا، مذكرة بانه صراع مستمر منذ اكثر من 10 سنوات، وهو يبدو كمختبر للتوترات الاقليمية وحتى الدولية.
وتابعت قائلة ان الحرب في اوكرانيا قد يكون لها تداعيات على ميزان القوى في سوريا في حال اضطرت موسكو الى سحب قواتها هناك من اجل نقلها الى اوكرانيا.
وخلصت هيلويز الى القول ان هناك أخطارا متزايدة من احتمال حدوث فراغ امني، محذرة من انه فيما يتقلص النفوذ الفرنسي والاوروبي ازاء القضايا الاقليمية مثل برنامج ايران النووي، فانه سيكون من "الضروري اعادة التفكير في استراتيجيتنا والتصرف بناء على ذلك".