شفق نيوز/ بعد سقوط النظام السوري برئاسة بشار الأسد، واستلام حكومة الإنقاذ للمرحلة الانتقالية، تسود مشاعر التفاؤل بين السوريين، لكنه تفاؤل حذر خاصة فيما يتعلق بمستقبل المرأة في "سوريا الجديدة".

وتنبع المخاوف من هيئة تحرير الشام - برئاسة أحمد الشرع المعروف بـ"أبو محمد الجولاني" - التي وصلت إلى السلطة في دمشق بعد هجوم خاطف استمر 12 يوماً، وقبل فك الارتباط عن تنظيم القاعدة، كانت هذه الهيئة تُعرف بجبهة النصرة وتتبع فكراً متطرفاً، وهي لا تزال تصنف إرهابية من قبل عدد من دول العالم.

ويخشى سوريون من توجه السلطة الجديدة في سوريا إلى إقامة نظام حكم ديني واستبعاد المرأة من العمل السياسي، رغم سعي هيئة تحرير الشام إلى طمأنة الجميع واعتماد خطاب أكثر اعتدالاً.

 

تطور ملحوظ

وعن هذه المخاوف، رأى المحلل السياسي السوري، ربيع شعار، أن "هناك حملة إعلامية لتخويف الشعب السوري ودول الجوار والعالم من السلطة الجديدة في سوريا، لكن من خلال متابعة أعمال هيئة تحرير الشام يلاحظ وجود تغيير كبير في سلوكهم".

وأوضح شعار لوكالة شفق نيوز، أن "هيئة تحرير الشام اليوم هي أكثر واقعية وتحترم حرية الشعب السوري، وأن السلطة الجديدة مع تعليم المرأة، بدليل وجود ما نسبته 60 بالمائة من النساء في جامعة إدلب، كما هناك مشاركة للمرأة في السلطة، أما مسألة الحجاب فهم يرون أن هذا شأن خاص بحرية المرأة".

وأكد أن "النظرة إلى المرأة تطورت عند هيئة تحرير الشام، وهذا ما يلاحظ في طريقة تعاملهم معها وإدخالها في الحياة الاجتماعية والسياسية".

وعزز هذا الطرح، ما أعلنته إدارة الشؤون السياسية التابعة لحكومة تصريف الأعمال السورية، أمس الجمعة، عن تعيين عائشة الدبس مسؤولة عن مكتب شؤون المرأة، لتكون أول سيدة تشغل منصباً رسمياً في الإدارة السورية الجديدة.

وكان مئات من السوريين خرجوا في ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق، أول أمس الخميس، في أول احتجاج بعد رحيل بشار الأسد، رافعين شعارات تُطالب بإقامة دولة مدنية تضم جميع المكونات وبمشاركة النساء، وتدعو إلى مؤتمر وطني عام.

 

مستقبل مجهول

من جهتها، أفادت الناشطة المدنية في جمعية شاوشكا من سوريا، نجلة تمو، بأن "واقع المرأة في سوريا بقومياتها وطوائفها المتعددة ليس متجانساً إلى حد كبير، نظراً للحالة السياسية والاقتصادية واختلاف الخلفيات القومية والدينية (كوردي، عربي، مسيحي، درزي.. ألخ)، لذلك هناك اختلاف كبير من مجتمع إلى آخر في الجغرافيا السورية".

وأشارت تمو، خلال حديثها للوكالة، إلى أن "حالة المرأة السورية في ظل النظام السابق كانت بتحرر شكلي وفق الدستور القديم، دون أن يكون هناك تحرر عملي لها"، مبينة أن "المرأة السورية كانت لديها هوامش اجتماعية إيجابية ساعدت على انخراطها في مجالات التعليم والوظائف الصغيرة، لكنها اصطدمت بعقبات قانونية نابعة من صلب القانون السوري، مثل مسألة المهر وتعدد الزوجات والميراث، لذلك بقيت المرأة على حالها".

وزادت بالقول: "رغم انخراط المرأة خارج نطاق السلطة في أحزاب المعارضة السياسية آنذاك وخاصة الأجنحة اليسارية في المجتمعين العربي والكوردي، لكنها لم تلق نجاحات كافية لتغيير القوانين والدساتير السورية بسبب سيطرت السلطة السياسية والدكتاتورية وسيطرة الذهنية الذكورية على مقاليد الحكم في سوريا، ومواجهة القمع والتنكيل والسجون والاعتقالات من قبل النظام البائد لتلك الأحزاب وبرامجها السياسية المتعلقة بتحرر المرأة".

وعن مستقبل المرأة في سوريا الجديدة، وجدت تمو، أن "هناك حالة ترقب لوضع المرأة بعد سقوط نظام الأسد، ولا يمكن الحكم على نظام جديد إلا بعد صدور الدستور، لكن وفي ظل هذا التنظيم الأيديولوجي السلفي الذي له ارتباطات بتنظيم القاعدة، فمن المستبعد أن تحصل حالة انفراج للمرأة السورية، خاصة بعد تصريح عبيدة أرناؤوط".

وكان المتحدث الرسمي للإدارة السياسة التابعة لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، عبيدة أرناؤوط، قد أثار المخاوف لدى النساء السوريات حول مستقبل المرأة في سوريا، حيث قال إن "كينونة المرأة بطبيعتها البيولوجية والنفسية لا تتناسب مع كل الوظائف في الدولة كوزارة الدفاع مثلاً".

وأضاف أرناؤوط في تصريحات صحفية، الاثنين الماضي، "لا زال مبكراً الحديث عن عملها في مجال القضاء، وسيُترك للمختصين والقانونيين الدستوريين الذين يعملون على إعادة النظر في شكل الدولة الجديدة والمحددات التي ستوضع لعمل المرأة كعنصر مهم ومُكرّم، وضرورة أن تكون المهام المنوطة بها تناسب طبيعتها البيولوجية".

 

المناصب

لكن الناشطة السورية، شمس عنتر، رأت أن "النساء قادرات على شغل أي منصب سياسي كان، لذلك يتم العمل حالياً لكي يكون للنساء مكان في الحكومة المقبلة"، مؤكدة أن "المرأة السورية تطمح للدخول في كل الوزارات وحتى رئاسة الجمهورية التي كانت في الدستور السابق حكراً على الرجال، ولن ترضى النساء أن يبقين في التنميط والإطار القديم باقتصار عملهن في الوظائف الخدمية فقط".

وبينت عنتر، خلال حديثها للوكالة، أن "بغياب نظام بشار الأسد أشرقت شمس الحرية على الشعب السوري بشكل عام والكوردي بشكل خاص وعلى النساء كذلك، لأن الشعب السوري طوال خمسة عقود لم يتلق أي تربية سياسية، بل كانت السياسة مجال محرم، وكان كل من يدخله يتعرض لأنواع مختلفة من الاضطهاد والظلم، وهذا يشمل النساء أيضاً، لذلك كان الأهالي يتخوفون من دخول الإناث إلى الأحزاب السياسية".

"لكن اليوم وبعد إزالة النظام السابق، تتحرك المنظمات النسائية والنسوية بحرية، وتطالب أن يكون لها دور في كتابة دستور سوريا الجديدة، وفق ما تقول عنتر.

 

دور بارز

بدورها، ذكرت الناشطة النسوية من سوريا، منى عبد السلام، أن "المرأة السورية - كما جميع أفراد المجتمع السوري - عانت خلال فترة البعث وحكم عائلة الأسد من العنف والقمع والتهميش والاقصاء والظلم والاضطهاد والتنكيل بمختلف أشكاله".

واستذكرت عبد السلام خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، دور المرأة في الثورة السورية، "كانت المرأة في مقدمة المسيرات والتظاهرات عندما بدأ الحراك السلمي قبل 13 سنة، وكانت تهتف بإسقاط النظام وتطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، كما شاركت بمنظمات المجتمع المدني والتوعية بحقوق الإنسان والمرأة".

"كان للنساء دور كبير في نشر الوعي بين المجتمع، ونتيجة لتلك المشاركات تعرضت الكثير من النساء للاعتقال والتعذيب وحتى القتل"، بحسب عبد السلام، مردفة: "لا يقتصر دور النساء على نشر الوعي، بل حملت النساء الكورديات والعربيات في شمال شرق سوريا السلاح وشاركن جنباً إلى جنب مع الشباب لحماية مناطقهم من داعش وغيره من الجماعات الإرهابية".

وأعربت عبد السلام، عن أملها أن "تكون المرحلة المقبلة فترة بناء لمجتمع سوري متماسك يتمتع بحرية لكل الطوائف والقوميات، ويكون للنساء ومشاركة أكبر في صنع القرار، رغم وجود تخوفات من القائم بالأعمال الحالية الذي لديه بعض التوجهات الإسلامية".