شفق نيوز/ تعاني النساء في العراق، من انتهاكات عديدة لحقوقهن على مستويات متعددة، وفي ظل التهميش السياسي وعدم حصولهن على مناصب سيادية، وقلة التمثيل الوزاري، تمتد هذه الانتهاكات على صعيد العمل والحياة الاجتماعية وصولاً إلى العنف المستخدم ضدهن.
عالمياً
بحسب تقرير للبنك الدولي صدر في 4 مارس/آذار 2024 كشف أن الفجوة العالمية بين الجنسين في مكان العمل أوسع بكثير مما كان يعتقد سابقاً، إذ تحصل المراة على أقل من ثلثي حقوق الرجل. ولا يوجد بلد يتيح تكافؤ الفرص للنساء-ولا حتى في الاقتصادات الأغنى.
ويضيف التقرير أن المرأة تتمتع بنسبة 64% فقط من الحماية القانونية التي يتمتع بها الرجل، وعلى سبيل المثال سن 98 اقتصاداً تشريعات تفرض المساواة في الأجر للمرأة عن العمل، ومع ذلك، لم يعتمد سوى 35 اقتصاداً -أي أقل من اقتصاد واحد من بين كل 5 اقتصادات - تدابير بشأن شفافية الأجور أو آليات إنفاذ لمعالجة الفجوة في الأجور.
ويقول رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي إندر ميت غيل إن "القوانين والممارسات التمييزية في جميع أنحاء العالم تمنع المرأة من العمل أو إقامة أنشطة أعمال على قدم المساواة مع الرجل، ويمكن أن يؤدي سد هذه الفجوة إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي العالمي بأكثر من 20%، وهذا يضاعف بشكل أساسي معدل النمو العالمي على مدى السنوات العشر القادمة".
ووفق التقرير فإن 151 اقتصاداً لديه قوانين تحظر التحرش الجنسي في أماكن العمل، الا أن 39 اقتصاداً فقط لديها قوانين تحظر التحرش الجنسي في الأماكن العامة.
تهميش سياسي
عراقياً، يشكل الخوف من التهميش السياسي أبرز مخاوف النساء العراقيات، إثر انخفاض نسبة مشاركتهن في الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 بشكل تدريجي، رغم أن الدستور العراقي ينص على تخصيص 25% من المناصب الوزارية والمقاعد البرلمانية للنساء.
وتعاني النساء المشاركات بالعملية السياسية في العراق من تسلط العقلية الذكورية عليهن، ورغم عدم وجود قانون يمنع تولي النساء مناصب الرئاسات الثلاث وكذلك رئاسة مجالس المحافظات، إلا أنهن لم يتسنمن هكذا مناصب حتى الآن، بإستثناء إقليم كوردستان، حيث تقلدت النساء منصب رئاسة البرلمان لدورتين.
وضمت الحكومة العراقية الانتقالية الأولى التي شكلت عام 2004 واستمرت لمدة عام برئاسة أياد علاوي 6 وزيرات، لكن هذا العدد انخفض في الحكومة الانتقالية الثانية برئاسة إبراهيم الجعفري، التي استمرت عاما واحدا أيضا الى 5 وزيرات، ليتراجع هذا العدد خلال فترات تولي رئاسات الوزراء المتعاقبة بعد ذلك ليصل أخيراً في فترة وزارة السوداني الحالية الى 3 وزيرات، لتكون نسبة "توزير" النساء في الحكومة الحالية لا تزيد على 13%.
واحتضنت الدورة البرلمانية الاولى عام 2005، 70 نائبة، وارتفع هذا العدد في الدورة الثانية عام 2010، الى 83 نائبة، وفي الثالثة عام 2014، 83 نائبة، وفي الرابعة عام 2018 الى 84 نائبة، وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في تشرين الأول 2021، تمكنت النساء من تخطى نسبة الكوتا وضمان 97 مقعداً، 57 منهن فزن دون اللجوء للكوتا، من أصل 329 نائبا العدد الكلي لمقاعد مجلس النواب العراقي.
كما حصدت النساء 76 مقعداً في مجالس المحافظات العراقية، وذلك من بين 1600 امراة مرشحة من مجموع نحو 6 آلاف مرشح، تنافسوا للفوز بمقاعد في المجالس.
وفضلاً عن تثبيت نظام الكوتا، منح الدستور العراقي في المادة 20 النساء أسوةً بالرجال حق المشاركة في الشؤون العامة والحقوق السياسية كالتصويت، والترشح.
يأتي ما تقدم، على الرغم من أن العراق سجل تعيين أول قاضية في الشرق الاوسط، وهي الكوردية الفيلية زكية اسماعيل حقي، بالإضافة إلى أول وزير في المنطقة وهي نزيهة الدليمي.
مجتمع ذكوري، ونساء لا يتقبلن الأخريات
وفي هذا السياق، تقول عضو في مجلس محافظة عراقية، طلب عدم الإشارة إلى اسمها، إن "المجتمع العراقي ذكوري، يفضل دائماً الرجل، وتوزيع المناصب يخضع للمحاصصة والصراعات السياسية، كما أن الأحزاب الإسلامية ترفض قيادة المرأة لهم".
وتضيف لوكالة شفق نيوز "في ظل الظروف الحالية والصراعات السياسية، لا تفكر المرأة وأنا منهن بتولي رئاسة مجلس محافظة، لأن الموضوع أكبر من تصدر المرأة لهكذا مناصب، وحتى لو عرض عليهن أو عليّ هذا المنصب، فلن أقبل به في مثل هكذا ظروف".
ووفق دراسة سابقة أجراها معهد ميري، فإن من بين كل 10 عراقيين هناك 7 يعتقدون أن الرجال أفضل لقيادة دفة السياسة من النساء وان أيدوا في ذات الوقت تولي المرأة موقع رئاسة الوزراء.
كما أوضح التقرير الصادر عن معهد ميري أن النساء تحصل على أصوات أقل من الرجال عموما في الانتخابات، فمقابل كل تسعة رجال يحصلون على أكثر من 15 ألف صوت هناك امرأة واحدة تحصل على قدر مماثل من الأصوات، بينما نجد النساء يتكدسن في قائمة الحد الأدنى من الأصوات، فمقابل كل ثلاثة رجال يحصلون على أقل من خمسة آلاف صوت هناك سبع نساء يحصلن على قدر مماثل من الأصوات.
وبهذا الصدد ترى الأستاذة الجامعية الدكتورة أزهار صبيح في حديث لوكالة شفق نيوز إن "موضوع تهميش المرأة والنظرة الدونية لها لا يختلف عليه اثنين ويدخل ضمن بنية المجتمع وثقافته، ويمتد من نطاق الأفراد الى فضاء المؤسسات، ففي أغلب هذه المؤسسات، وليس دائماً، تكرس هذه النظرة، ما عدا ان يكون المسؤول متعاطياً مع المرأة ككيان مستقل وليس تابعاً ويتعامل معها على انها كائن قائم بذاته وليس هامشياً".
وتضيف "ألمس هذه النظرة في لغة التعامل وهي ليست موجودة عند الرجال فقط، وإنما لدى النساء أيضاً، فحين تريد مسؤولة معينة مدح موظفة لديها تقول لها انتِ بـ(100) رجل، وكأن المرأة لن يكون لها قيمة إلا بما يعادل الرجال المئة وبالتالي يكون الرجل هو المعيار والنموذج ويكون مثالاً لذلك، كي تصبح المرأة بهذا المستوى هي (السوبر الخارق)".
وتبين الأستاذة الجامعية أن "المرأة ليست مثالية دائماً والرجل أيضاً وانما هم أشخاص يتباينون في القدرات والكفاءات والعطاء، والتصنيف على أساس النوع والجنس كذكر وانثى فهذه نظرة تبسيطية ومتخلفة وليس فيها شيء من العلم والمنطق والفهم الإنساني لطبيعة البشر".
سوق العمل
وتشكل النساء بحسب إحصاءات رسمية نسبة تقارب 49% من إجمالي السكان، إلا أن فرصهن في سوق العمل مازالت ضئيلة.
ووفق تقرير للبنك الدولي صدر، في 10 آذار 2024، فان العراق "يشهد واحداً من أدنى معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة بنسبة (11%) بين بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، ولا يمثل هذا الرقم، بحسب التقرير، "تفاوتا بين المرأة والرجل فحسب؛ بل إنه يمثل أيضًا فرصة ضائعة لتحفيز التنمية الاقتصادية.
ويضيف التقرير أن "الزيادة المتوقعة بمقدار 5 نقاط مئوية في مشاركة الإناث في القوى العاملة بالعراق بحلول عام 2025، بما يتماشى مع أهداف السياسات الحكومية، من شأنها أن تعزز من إجمالي الناتج المحلي بما يقدر بنحو 1.6 نقطة مئوية، مما يؤدي إلى دفع عجلة الانتعاش الاقتصادي، وكذلك خفض معدلات الفقر."
لكن محاولات النساء في المشاركة بمختلف مجالات العمل، منها الشاقة، لإنهاء هيمنة الذكور عليه لم تكن كافية، فبينما ترتفع نسبة مشاركة المرأة في الوظائف الحكومية تنخفض تلك النسبة بشكل لافت في سوق العمل والقطاع الخاص، بحسب دراسة سابقة أعدها الجهاز المركزي للإحصاء، حيث كانت النسبة حوالي 78% في الجانب الحكومي مقارنة بباقي القطاعات، التي لم تشكل سوى 21% في القطاع الخاص.
وهذا التواجد في مختلف مجالات العمل، لم يشفع للمرأة في الوصول لاعتلاء المناصب والحصول على ما يوازي تواجدها وكفاءتها في تسلم المناصب الرفيعة والإدارية في المؤسسات الحكومية، كما ترى بعض الناشطات في المجال المدني والمدافعات عن حقوق المرأة.
التهميش الاجتماعي
وتقول الأستاذة الجامعية رنا علي الشجيري إن "المرأة العراقية هي السباقة دائماً في الشرق الأوسط وكان لها وجود فعلي منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي في حين كانت نظيراتها مهمشة أو وجودها معدوم في الدول العربية الأخرى، لكن ما حصل بعد عام 2003 أن هناك أزمات متعاقبة مثل دخول (داعش) وغيرها مرت على العراق ودفعت المرأة العراقية كنصف المجتمع ثمنها غالياً"، لكن، مع ذلك أؤكد أن وجودها لا زال واضحاً ومؤثراً في المجتمع".
وتضيف أن "هناك نساءً تدعي تمثيل المرأة، وعمدن إلى التجارة واستغلال المطالبات بحقوقها، ولم يكن ذلك من أجل خدمة المرأة، وإنما من أجل الحصول على مناصب ومكاسب معينة للأسف، لكن، حالياً أجد أن نسبة تولي النساء المناصب العامة أقل من نظيرها الرجل".
ويعزز مسح سابق أجراه الجهاز المركزي للإحصاء بوزارة التخطيط مفهوم "العنف الرمزي" الذي يمكن وصفه: بأنه شكل من أشكال السلطة التي تمارس على المرأة بتواطؤ منها، وينزع إلى توليد حالة من الإذعان والخضوع عند النساء من خلال فرضه نظام الأفكار والمعتقدات ومحاولة ترسيخها في أذهان الذين يتعرضون لهذا النوع من العنف.
وأظهر المسح أن نسبة الرجال الذين يعتقدون بحق الرجل في منع المرأة من العمل 46.6٪، ومنعها من المشاركة في الانتخابات 40.4٪، وبشكل أقل وطأة منعها من حقها في إكمال تعليمها 36.5٪، فيما يظهر هذا المفهوم جليا في اعتراف النساء المشاركات في المسح بحق الرجل في ممارسة التسلط عليها إذ ترى 82%من النساء العراقيات أن منع المرأة من السفر أو الذهاب إلى المركز الصحي حق مكفول للرجل، أما السلوكيات الدالة على الغيرة والرغبة في تملك المرأة، ومراقبة سلوكها، فلا تعترض عليها 63.4٪ من النساء ولا تعرّفها على أنها عنف.
وأعطت62٪ من النساء للرجل الحق في منع زوجته من المشاركة في الانتخابات، في حين أعطى40٪ من الرجال الحق للرجل، وتعكس مثل هذه الأمثلة وجود قبول طوعي لتسلط الرجل وهيمنته.
العنف ضد النساء
وفي تقرير لوكالة الأمم المتحدة للهجرة صدر، في 25 تشرين الثاني 2023، أوضح أن نحو مليون امرأة وفتاة في العراق معرضات لخطر شكل من أشكال العنف، إذ أفادت حوالي 26% من النساء العراقيات أنهن تعرضن بالفعل للعنف على يد الشريك.
وأصدرت الحكومة عدة قرارات وتشريعات بهذا الشأن، أبرزها إعلان «خطة مناهضة العنف ضد المرأة» عام 2013، وفي عام 2018، أطلقت الحكومة «الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة».
وتنص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل أحدهما أو أعتدى عليهما أو على أحدهما اعتداء أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة. ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده أحكام الظروف المشددة".
كما أن المرصد العراقي لحقوق الإنسان أوضح، في 8 آذار 2023، إن المرأة العراقية تعيش واقعاً فيه الكثير من المشكلات، تشريعية، ومجتمعية، وأسرية، حتى على مستوى المشاركة السياسية والمساواة في فرص العمل والوظائف والأجور، فضلاً عن النظرة التمييزية والتنمر الذي تواجهه الكثير من النساء على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما لازالت فئات مجتمعية عديدة تعتبر المرأة "عاراً" وتحرمها من التعليم والعمل وممارسة حياتها الطبيعية بحجة (العادات والتقاليد).
ويضيف المرصد ارتكبت خلال الأشهر الأخيرة مجموعة جرائم بحق النساء، أغلبها كانت بحجة "الشرف" وهو المصطلح الذي يبرر الجريمة التي ترتكب ضد المرأة ويشجع الجناة على تحصين أنفسهم من المحاسبة.
في 5 شباط 2023 أصدرت الأمم المتحدة بياناً صحافياً بشأن الجرائم المرتكبة ضد النساء في العراق، وحث مسؤولون أمميون مجلس النواب العراقي على تعزيز الإطار المؤسسي بما في ذلك إلغاء المادتين 41 و409 من قانون العقوبات العراقي. ودعوا إلى سن قانون يجرم بوضوح العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان إلى جانب تحسين الخدمات للناجين والمعرضين للخطر.
وتنص المادة 41 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في الفقرة الثانية على: "أن تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً، يعتبر حقاً يُمكن استعماله".
وبحسب التقرير العالمي لمنظمة هيومن رايتس ووتش 2024 فان على مدى السنوات الـ20 الماضية، ازدادت معدلات زواج الأطفال في العراق بثبات وتوصلت بحوث المنظمة إلى أن الزيجات غير المسجلة كانت فعليا ثغرة لزواج الأطفال.
حرية التنقل والسفر مع الاطفال
وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر، في 18 تموز 2023، فإن النساء في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه قيوداً متفاوتة تمنعهن من التنقل بحرية في بلدهن ومن السفر إلى الخارج دون إذن من ولي أمرهن، إذ قد تواجه النساء عملياً التمييز عند محاولتهن استئجار شقق إذا كن غير متزوجات أو بدون إذن ولي الأمر الرجل، كما هو الحال في الجزائر، ومصر، والعراق، والكويت، وقطر، والسعودية وفي فلسطين، كما تمنع الفنادق في دول مثل مصر والعراق والكويت والمغرب وقطر واليمن، إما بسبب سياسة الدولة أو في الممارسة العملية، بعض النساء من استئجار غرف فندقية دون ولي أمر.
كما لا تسمح 14 دولة في المنطقة للنساء بالحصول على جوازات سفر لأطفالهن على قدم المساواة مع الرجال، بالإضافة إلى ذلك، تطلب إيران، والعراق، والأردن، وعُمان، وفلسطين، وقطر، وسوريا، والإمارات واليمن، رسميا أو عمليا، من النساء الحصول على إذن من والد الأطفال للسفر إلى الخارج مع أطفالهن، بينما لا يوجد شرط مماثل يفرض على الرجال.