شفق نيوز- بغداد

بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، على النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب للدورة السادسة، دخل المشهد السياسي العراقي مرحلة جديدة وحساسة، تمثل الانتقال الرسمي من مرحلة العملية الانتخابية إلى مرحلة تشكيل السلطات الدستورية الثلاث التشريعية والتنفيذية ورئاسة الجمهورية.

ويؤكد مراقبون أن تصديق المحكمة الاتحادية، أمس الأحد، لا يعد إجراءً شكلياً أو بروتوكولياً فحسب، بل هو الشرط الدستوري الحاسم الذي يجعل نتائج الانتخابات نافذة وملزمة، ويعلن عملياً جاهزية انطلاق دورة برلمانية جديدة بكل ما تحمله من استحقاقات سياسية وصراعات محتملة وآمال بإدارة مختلفة عن الدورات السابقة التي وسمها التأخير والانسداد.

الشرعية الدستورية

ويؤكد القانوني نوفل الحياني، أن مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج النهائية للانتخابات تمثل الشرعية الدستورية الكاملة لتلك النتائج، استناداً إلى نص المادة (93/سابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.

ويشرح الحياني في حديث لوكالة شفق نيوز أن مجلس النواب لا يعد قائماً دستورياً ولا تدخل الدورة البرلمانية حيز النفاذ إلا من تاريخ هذا التصديق، مشدداً على أن أي إجراء برلماني يسبق المصادقة يعد منعدم الأثر الدستوري بقوة الدستور، بوصفه القانون الأعلى والأسمى في البلاد.

وبحسب الحياني، فإن الخطوة التالية مباشرة بعد التصديق هي دعوة رئيس الجمهورية لأعضاء مجلس النواب للانعقاد في جلستهم الأولى، وفقاً لأحكام المادة (54) من الدستور.

وفي حال عدم قيام رئيس الجمهورية بهذه الدعوة، فإن المجلس ينعقد حكماً في اليوم السادس عشر من تاريخ المصادقة، وتكون الجلسة برئاسة أكبر الأعضاء سناً.

وتشكل الجلسة الأولى لمجلس النواب حجر الأساس في بناء السلطات الدستورية، إذ يقتصر جدول أعمالها، دستورياً، على أداء اليمين الدستورية وانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه.

ويشير الحياني إلى أن إكمال هذه الخطوة يعني اكتمال تشكيل السلطة التشريعية، والانتقال بعدها إلى الاستحقاق الثاني المتمثل في انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ انعقاد الجلسة الأولى، وفقاً لأحكام المادة (70) من الدستور.

المدد القانونية

من جهته، يوضح الخبير القانوني عباس العقابي، أن الدستور العراقي رسم خارطة زمنية واضحة لتشكيل السلطات، تبدأ من المادة (54) التي ألزمت رئيس الجمهورية الحالي بدعوة البرلمان الجديد للانعقاد خلال 15 يوماً من تاريخ المصادقة.

ويؤكد العقابي لوكالة شفق نيوز أن الجلسة الأولى، التي تعقد بدعوة من رئيس الجمهورية، تشهد انتخاب رئيس البرلمان والنائب الأول والنائب الثاني، وبعد ذلك يفتح باب الترشيح لانتخاب رئيس الجمهورية، حيث يكون مجلس النواب ملزماً بانتخابه خلال 30 يوماً من تاريخ الجلسة الأولى، وبأغلبية الثلثين (أي 220 نائباً) من مجموع 329.

ويضيف العقابي أن انتخاب رئيس الجمهورية يفتح الباب أمام المرحلة الأهم، وهي تكليف رئيس مجلس الوزراء، إذ يقوم رئيس الجمهورية خلال 15 يوماً بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل الحكومة.

أما المرشح المكلف، فلديه مهلة 30 يوماً لتقديم الكابينة الوزارية والمنهاج الوزاري إلى مجلس النواب لنيل الثقة بالأغلبية المطلقة، (النصف زائداً واحداً) أي 165 نائباً فأكثر.

ويخلص العقابي إلى أن مجموع هذه المدد يشكل سقفاً زمنياً أقصاه 90 يوماً، وهي – من الناحية النظرية – قابلة للتقليص وغير قابلة للزيادة، لأن النص الدستوري حددها بشكل صريح.

الدستور والواقع

ورغم وضوح هذه التوقيتات، إلا أن التجربة السياسية العراقية منذ 2003 تكشف فجوة كبيرة بين النص الدستوري والتطبيق العملي، فقد تحولت مسألة تأخير تشكيل الحكومات وانتخاب الرئاسات إلى ظاهرة متكررة، بفعل الخلافات السياسية والتوازنات الطائفية والعرقية.

فبعد انتخابات آذار/ مارس 2010، استغرق تشكيل الحكومة نحو سبعة أشهر و18 يوماً، بسبب الخلاف على الكتلة الأكبر وأحقية ترشيح رئيس الوزراء.

وفي عام 2020، كُلف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة عقب استقالة عادل عبد المهدي، لكنه اعتذر لاحقاً عن المهمة، في مثال واضح على أن التعطيل قد يحدث حتى بعد التكليف الرسمي.

أما بعد انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021، فقد دخل العراق في واحدة من أطول فترات الفراغ السياسي، حيث استمر تأخير تشكيل الحكومة لأكثر من تسعة أشهر، ولم تحسم إلا في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بتشكيل حكومة محمد شياع السوداني.

الرئاسات الثلاث

لذلك يرى رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، أن تصديق المحكمة الاتحادية واعتماد أعضاء البرلمان للدورة السادسة يمثل خطوة مفصلية، لكنه لا يعني نهاية التعقيدات.

ويوضح فيصل لوكالة شفق نيوز أن رئيس الجمهورية، وفق الدستور، سيدعو البرلمان للانعقاد خلال 15 يوماً لاختيار رئيس السن وإدارة الجلسة الأولى، ثم انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه، وبذلك تتشكل السلطة التشريعية.

بعدها ينتقل البرلمان إلى المرحلة الثانية، وهي انتخاب رئيس الجمهورية، وهي مرحلة غالباً ما تكون الأكثر تعقيداً، خصوصاً في ظل الخلافات داخل البيت الكوردي.

وبحسب فيصل، فإن رئاسة الجمهورية، ووفق الأعراف السياسية السابقة، تذهب إلى الاتحاد الوطني الكوردستاني، لكن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يرى أن من حقه المنافسة على المنصب.

وفي حال ذهاب الطرفين إلى ترشيح شخصين، أحدهما من الاتحاد والآخر من الديمقراطي، فإن الحسم سيكون عبر التصويت في مجلس النواب، غير أن شرط نصاب الثلثين يفتح الباب أمام ما يُعرف بـ"الثلث المعطل"، ما قد يؤدي إلى إطالة أمد جلسات انتخاب الرئيس، كما حدث في دورة 2021.

ويشير فيصل إلى أن انتخاب رئيس الجمهورية لن يكتمل سياسياً إلا بعد التوافق داخل الإطار التنسيقي (الذي يجمع القوى السياسية الشيعية الحاكمة في البلاد) على شخصية رئيس الوزراء، في ظل نظام المحاصصة السياسية والطائفية.

وبعد تكليف المرشح، تبدأ مرحلة توزيع الحقائب الوزارية وفق نظام النقاط والثقل النيابي للأحزاب، وهي مرحلة لا تقل تعقيداً عن سابقاتها، وغالباً ما تشهد اعتراضات ومفاوضات شاقة قبل منح الثقة.

الاختيار السني

وعلى صعيد المكون السني، يؤكد نواف الغريري القيادي في حزب السيادة برئاسة خميس الخنجر، أن تشكيل الحكومة محكوم بتوقيتات دستورية لا يجوز تجاوزها، داعياً جميع الكتل والنواب إلى الالتزام بها لتشكيل الحكومة بأسرع وقت.

ويكشف الغريري لوكالة شفق نيوز، أن اختيار رئيس البرلمان "قد حُسم داخل المكون السني ليكون محمد الحلبوسي"، غير أن هذا الطرح لا يخلو من اعتراضات.

فيما لا يزال النائب السابق باسم خشان يلوح بإمكانية استبعاد رئيس حزب "تقدم"، محمد الحلبوسي، مستنداً إلى قرار سابق للمحكمة الاتحادية بإقالته من رئاسة البرلمان، واتهامات تتعلق بتزوير أوراق رسمية، يصفها بأنها "جريمة مخلة بالشرف".

في المقابل، تشهد الساحة السنية حراكاً مكثفاً داخل المجلس السياسي الوطني (الذي يضم القوى السنية الفائزة بالانتخابات)، والذي عقد اجتماعاً موسعاً في العاصمة بغداد، مساء أمس الأحد، لمناقشة أسماء المرشحين لرئاسة البرلمان.

وبحسب مصادر مختلفة في المجلس تحدثت لوكالة شق نيوز فإن عدد المرشحين لرئاسة البرلمان تقلص من ستة إلى ثلاثة، مع حديث عن "شبه إجماع" على مثنى السامرائي، إلى جانب استمرار طرح اسم الحلبوسي وثابت العباسي.

الإطار التنسيقي

بالتوازي، عقد قادة الإطار التنسيقي اجتماعهم، الاثنين الماضي، وشهد نقاشاً مهماً حول اختيار مرشح رئاسة الوزراء، ووفقاً لمصادر وكالة شفق نيوز، فقد تم الاتفاق على مواعيد محددة لحسم الاستحقاقات، مع تداول ثلاثة أسماء بارزة من بينها رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي إضافة إلى شخصية ثالثة "مفاجئة".

وكان الإطار التنسيقي قد حدد في وقت سابق الشروط والمعايير الواجب توفرها في المرشحين لشغل منصب رئيس الحكومة الجديدة، أبرزها أن لا يكون زعيماً لكتلة سياسية، ثم عاد وخففها مما فتح الباب أمام أغلب قوى الإطار لتقديم مرشحيها للمنصب، بحسب ما أبلغ مصدر سياسي وكالة شفق نيوز في وقت سابق.

ويؤكد عمران الكركوشي عضو ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي أن الانتهاء من انتخاب الرئاسات الثلاث وفق توقيتها الدستورية يعتمد بشكل رئيس على التوافقات السياسية بين الكتل المختلفة.

ويشير الكركوشي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أنه من المتوقع أن تسير هذه الدورة على نحو منظم ودون تجاوز للمدد القانونية المحددة، خلافاً لما حصل في الدورات السابقة التي شهدت تأخيرات طويلة بسبب الخلافات السياسية.

الالتزام الكوردي

من جانبه، يرى القيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني وفاء محمد كريم أن المدد الدستورية لم تُحترم في الدورات السابقة، خصوصاً في انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة.

ويشير كريم خلال حديثه لوكالة شق نيوز إلى أن الاتفاق بين الحزبين الكورديين (الاتحاد والديمقراطي) على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية قد يسرع العملية، أما الذهاب بمرشحين اثنين فسيعني الدخول في تحالفات مع قوى أخرى وإطالة أمد الاستحقاق.

ووفقاً للتوازن السياسي الذي نشأ بعد عام 2003، أصبح توزيع المناصب السيادية في العراق متأثراً بالمحاصصة الطائفية والسياسية؛ حيث يتفق العرف السياسي على أن منصب رئيس الوزراء يكون من حصة المكون الشيعي، فيما يُخصص منصب رئاسة الجمهورية للمكون الكوردي، بينما يتبوأ المكون السني رئاسة مجلس النواب.