شفق نيوز/ حذر "المركز العربي في واشنطن" للأبحاث من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه "تهديدات واضحة وفورية" من أزمة التغير المناخي، معتبرا ان العراق يلعب دورا مركزيا في ظاهرة العواصف الرملية الاقليمية، وان من بين عناصر المواجهة الممكنة، إعادة إحياء بساتين النخيل العراقية.
وبداية اعتبر التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ ان مدن القرن الـ21 التي تتلألأ في منطقة الخليج، والتي تقدم كنموذج للبيئة الحضرية بناطحات السحاب المشيدة من الاسمنت والصلب والزجاج في شمس الصحراء، والمحمية للوقاية من ازعاج الحرارة في الخارج، قد تضررت صورتها بشكل كبير، وأصبحت استدامتها محل شكوك، بسبب ظاهرة العواصف الرملية والترابية.
ولفت التقرير إلى أن مثل هذه العواصف تحوّل المدن الى اللون البني الداكن وتقلل امكانية الرؤية بشكل كبير، في حين تتجمع جزيئات الرمل في اجهزة تكييف الهواء ومحركات السيارات، وتؤدي احيانا كثيرة الى تعطل الرحلات التجارية ورحلات الشحن، مما يعرقل سير الحياة اليومية.
وتابع التقرير؛ أنه على الرغم من كل الاضطرابات التي تسببها هذه الظاهرة القاهرة، فإن الكثير لا يزال غير مفهوم حول العواصف الرملية، بما في ذلك كيفية التخفيف من آثارها، ولم يتم منحها الاهتمام الكافي علميا أو سياسيا، ولهذا، يحذر التقرير من انه بالنظر الانتشار المتزايد للعواصف الرملية في انحاء الشرق الاوسط وشمال افريقيا، فان المطلوب هو معالجة تأثيراتها على الصحة والمجتمع والاقتصاد، ويجب ان يتم طرح سياسات للتخفيف من آثارها.
واوضح التقرير؛ ان العواصف الرملية تحدث بشكل عام اساسا خلال فصلي الربيع والصيف في بلاد الشام والخليج وتتبع ستة مسارات للعواصف في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن أكثرها شهرة هي رياح الشمال التي تهب عبر سوريا والعراق ودول الخليج، ورياح الخماسين في شمال أفريقيا، والتي تهب من الجنوب أو الجنوب الشرقي خلال الشتاء واوائل الربيع، حيث تنقل ذرات الرمال من الصحراء باتجاه البحر المتوسط.
وبعدما أشار التقرير إلى أن الأسباب الدقيقة للعواصف الرملية ما زالت غير مؤكدة، إلا أنه لفت إلى أنه من شبه المؤكد أنها أسبابها تعود إلى مجموعة متشابكة من العوامل الطبيعية والبشرية المتداخلة، مضيفا أنه في ظل أسبابها غير المعروفة، فان كثيرين رفعوا ايديهم استسلاما معتبرين ان هذه العواصف ظاهرة طبيعية ومن غير الممكن السيطرة عليها من جانب سياسة الحكومة أو تدخلها.
وينقل التقرير عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (اي بي سي سي) قولها ان ان تكرار العواصف الترابية وحدتها، قد ازدادت خلال العقود الماضية بسبب استنزاف استخدام الأراضي والتغيرات في الغطاء الأرضي.
كما نقل التقرير عن "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" قولها إن العواصف الرملية تثير مخاطر صحية كبيرة، خاصة على الشباب وكبار السن، وهي تسبب تهيج الجلد والعين واضطرابات في الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب القصبات الهوائية والالتهاب الرئوي. كما أنه من المحتمل أن الجزيئات الدقيقة إلى مجاري الدم وتكون مسؤولة أحيانا عن اضطرابات القلب والأوعية الدموية.
والى جانب ذلك، فإنه يمكن للجسيمات المحمولة بالعواصف أن تنقل الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والفيروسات، مما يجعل من العواصف الرملية، عاملا مساهما في ظهور الأوبئة في منطقة الساحل الافريقي.
وبالاضافة الى المخاطر الصحية، تتسبب العواصف الرملية بوقوع تكاليف اقتصادية كبيرة، حيث يقدر البنك الدولي أن هذه العواصف تكبد منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا اكثر من 150 مليار دولار سنويا، بما في ذلك الأضرار التي تلحق بالمباني السكنية والتجارية والخسائر في المحاصيل الزراعية، وتقطع الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وتعطل البنية التحتية لوسائل النقل.
التكيف في العراق والخليج
وحذر التقرير من أن "العراق يلعب دورا مركزيا في النظام الإقليمي للعواصف ونقل الجسيمات"، موضحا أن السهول الفيضية لدجلة والفرات تمثل مصدرا أساسيا للرواسب. وتابع أنه خلال السنوات الماضية، تفاقمت هشاشة التربة بسبب تراجع معدل تساقط الأمطار بنسبة 50٪ وزيادة معدلات التبخر.
ولهذا، أوضح التقرير أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، صنف العراق على انه من الدول الأكثر تعرضا للتغيير المناخي والتصحر. كما ذكّر بأن وزارة البيئة العراقية، اوضحت ان العراق على مدى العقدين الماضيين شهد زيادة في عدد الأيام من العواصف الرملية، من 243 إلى 272 يوما في السنة.
والى جانب ذلك، فإنه فيما كانت العواصف الرملية في العراق، تحدث خلال مواسم معينة، فانها الان تحدث بشكل متزايد خلال السنة.
ونقل التقرير عن الباحث فاروجان سيساكيان قوله إن العواصف الرملية في العراق تتفاقم بسبب "الممارسات الزراعية غير المناسبة، وبسبب سوء ادارة الموارد المائية، والتغيير المناخي".
واشار ايضا الى ان هناك عمليات بناء السدود في تركيا وايران وسوريا، والذي تسبب بدوره في انخفاض تدفق المياه في نهري دجلة والفرات، بينما أدى جفاف مستنقعات بلاد ما بين النهرين في الخمسينيات من القرن الماضي، الى اضعاف الغطاء النباتي وادى الى التصحر.
وكان للحرب الإيرانية العراقية، وحرب الخليج، والغزو الأميركي، وصعود تنظيم داعش، تأثيراتها ايضا، اذ انها جعلت العراق، حكوميا واقتصاديا، عرضة للصدمات الخارجية ويفتقر الى الشبكات المدنية والسياسية اللازمة للتعامل مع التحديات المعقدة للعواصف الرملية والتغيير المناخي.
ومن اجل مواجهة ذلك، يقترح التقرير بناء الاحزمة الخضراء حول التجمعات الحضرية، والتي من شأنها المساعدة في تحقيق استقرار التربة وهو ما سيخفف بالتالي من تحركات الرمال والغبار.
بالنسبة الى العراق تحديدا، قال التقرير ان "هذا الجهد يمكن ان يتضمن إعادة تأهيل بساتين النخيل التاريخية، والتي تراجع حجمها وصيانتها بشكل كبير بسبب سياسات حزب البعث في التسعينيات، وغزو العام 2003".
ولفت التقرير الأمريكي إلى أنه خلال العام 2006، كان قد جرى اقتراح تطبيق خطة تستهدف زراعة أشجار الاوكالبتوس والزيتون ونخيل التمر لتكون بمثابة هلال أخضر وقائي حول مدينة كربلاء، إلا أنه بعد مرور 16 سنة، لم يتم زرع سوء جانب ضئيل من الهلال المقترح، في حين أن هذا الجزء يعاني تعاني من سوء الري والصيانة.
وبحسب التقرير، فان هذه المبادرة، وقعت ضحية لضعف الارادة السياسية بين سواء في السلطات المحلية أو سلطات الدولة بالاضافة الى الفساد المتفشي.
واعتبر التقرير؛ أن هناك بعض المؤشرات على أن الحكومة العراقية تتطلع من أجل وضع تدابير الصمود لمكافحة العواصف الرملية، مضيفا انه سيكون من المثير تحديد ما اذا كان بامكان العراق ان يبرهن بنجاح على أنه يمكن القيام بالتحولات المناخية للتكيف مع والمساعدة في تعزيز إعادة الإعمار بعد الصراع.
وحث التقرير الحكومة العراقية ان تضع التخفيف والتكيف مع العواصف الرملية في صلب سياستها البيئية، والأخذ بالاعتبار كيفية تأثير هذه السياسة على كل الأمور من التنمية الزراعية الى ادارة المياه والتخطيط الحضري.
ولفت التقرير إلى أنه بينما أن السعودية قامت باستثمار عدة مليارات من الدولارات من اجل اقامة أحزمة خضراء للحماية من الظواهر المناخية، فإن العراق لا تتوفر له مثل هذه الأموال، ويعاني ايضا من النزاعات، مضيفا أن النزاعات والصراعات بسبب ندرة المياه اخذة في الازدياد، ولهذا فإن التحديات تبدو مستعصية على الحل.
وذكّر التقرير بمبادرة العام 2021 التي أعلنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من اجل السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الخضراء لزراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء المنطقة، وهو ما يشكل أكبر مشروع تشجير في العالم.
والى جانب ذلك، أشار التقرير إلى أن الإمارات استثمرت في التكنولوجيا الجديدة، بما في ذلك نظام الرصد الاستباقي للعواصف الرملية، وذلك بهدف مساعدة الدولة على إعداد نفسها بشكل أفضل لمواجهة العواصف.
وخلص التقرير إلى أن كل هذا يظهر الفجوة الكبيرة بين قدرات العراق ودول الخليج الغنية بالنفط على التعامل مع هذه القضية.
وبرغم ذلك، يخلص التقرير بالتأكيد على أن العواصف الرملية هي ظاهرة عابرة للاوطان، ولهذا فان سياسات التكيف والتخفيف يجب أن تتضمن التعاون الإقليمي.
وختم التقرير بالإشارة إلى أن مؤتمري الأمم المتحدة لتغير المناخ في عامي 2022 و 2023، هما بمثابة فرصة من اجل ادخال قضية تغير المناخ على جدول الأعمال في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، والتي "تواجه تهديدات واضحة وفورية لتغير المناخ".
ترجمة: وكالة شفق نيوز