شفق نيوز/ تؤكد لجنة الزراعة والمياه والاهوار في البرلمان العراقي، أن الخزين المائي قد تجاوز 20 مليار متر مكعب، مشيرة إلى أن هذه الكمية تعتبر "جيدة" لموسم الصيف الحالي، ومع ذلك، أوضحت اللجنة أن هذه الكميات محدودة، مما يستدعي استخدامها بالطريقة الأمثل.
ويرى متخصصون أن كمية الخزين المائي هذه "قليلة" لأن البلاد بحاجة إلى 48 إلى 50 مليار متر مكعب لتنفيذ عملية زراعية كاملة وإنعاش الأهوار وتلبية باقي الاستهلاكات مع زيادة الموارد البشرية، محذرين من أن الأهوار أمامها ثلاثة أشهر قاتلة من التبخر الهائل لكميات المياه، ما يعني خسارة المزيد من الأراضي المغمورة فيها.
و"يصنف العراق بالمركز 23 عالمياً بالإجهاد المائي (أي أن الاستهلاك أكثر من الإيرادات)، في وقت لم يتوصل العراق مع دول المشاركة المائية لإطلاق حصصه المائية حتى الآن"، وفق الخبير في مجال المياه، تحسين الموسوي، ويضيف: "كان من المتوقع في الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يستثمرها العراق خاصة وأن هناك نقاط قوة تتمثل بالميزان التجاري والجانب الأمني الذي تبحث عنه تركيا في ملف حزب العمال الكوردستاني وكذلك في موضوع التنمية".
موقف المياه مع تركيا وإيران "محبط"
ويتابع الموسوي حديثه لوكالة شفق نيوز، "لكن تم تذييل ملف المياه في قائمة الحوارات، كما كان البيان الختامي محبطاً فلم يحقق إطلاق اتفاقية عام 2019، بل كانت مجرد تصريحات من مجلس الوزراء العراقي باتفاق الجانبين على تشكيل لجان، وهذا يصب في مصلحة الجانب التركي، وكذلك الحال مع الجانب الإيراني، لذلك لم يطرأ تحسن على الملف الخارجي".
ويكمل الموسوي، "لم يأتِ الحل من عملية التفاوض مع دول الجوار رغم أن العراق مر بأربعة مواسم جافة وتم الوصول إلى استخدام الجزء الميت، لكن الحل جاء من السماء، وكانت إيرادات هذا العام ليست بتلك الدرجة الكبيرة التي يتصورها البعض، بل أن الأرقام التي سجلتها وزارة الموارد المائية لا تتعدى 21 مليار متر مكعب، وهذا خزين قليل، لأن الاستهلاك والري الكلاسيكي مع زيادة الموارد البشرية يتطلب 48 إلى 50 مليار متر مكعب، هذا في حال الرغبة بعملية زراعية كاملة وإنعاش الأهوار وباقي الاستهلاكات، إضافة إلى عملية التبخر العالية".
ويوضح، أن "العراق يفقد 5 إلى 8 مليارات متر مكعب في عملية التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف، كما أن الطبيعة أدخلت العراق ضمن أكثر خمس دول تأثراً بالتطرف المناخي، وهذا عبء إضافي على العراق في مسألة المياه".
أهوار العراق تبحث عن حلول دولية
وعن وضع الأهوار، يقول الخبير في مجال المياه، إن "احتياجات الأهوار من المياه - التي تبلغ مساحتها بحدود 20 ألف كم مربع - 20 مليار متر مكعب للوصول إلى الوضع المثالي، لكن في الوضع الطبيعي أو المتوسط تحتاج 7 إلى 8 مليار متر مكعب، وهذه تذهب أيضاً كضائعات نتيجة نسبة التبخر العالية في الأهوار، ورغم أن الوضع الحالي في الأهوار أفضل من السنوات الأربع الماضية لكن النسبة الحالية غير كافية، والأيام المقبلة ستكون أكثر قسوة على الأهوار في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وهذا يعود إلى عدم التوصل لاتفاقيات المشاركة المائية مع دول الجوار".
وينوّه الموسوي، إلى أنه "بعد دخول الأهوار العراقية ضمن قائمة التراث العالمي كمحمية عالمية، هناك قانون دولي يجيز على دول المجرى المائي أن تؤمن الحصص المائية لها، لكن يلاحظ أن الملف الخارجي متعثر دائماً ولم نصل إلى مستوى المفاوضات التي تفضي إلى نتائج مع الجانبين التركي والإيراني، بل كانت عبارة عن محادثات فقط، كما أن ملف المياه لم يأخذ الأولوية عند الحكومة، أما الحلول الحكومية فهي آنية لكن الحكومة تراها استراتيجية، ما يشكل خطراً على مستقبل العراق".
"الأهوار أمام ثلاثة أشهر قاتلة"
"لا زالت أزمة المياه قائمة، وأن معطيات السنة الماضية تشير إلى أن المياه كانت شحيحة حتى آذار 2024، فقد وصلت المناسيب والخزين في سدود العراق الرئيسية الثلاثة الموصل وحديثة ودوكان وبحيرة الثرثار إلى أوطأ كمياتها تاريخياً، فلم تتجاوز 7 مليارات متر مكعب، بعد أن وصلت عام 2019 إلى 65 مليار متر مكعب، وهي ذروة الخزين المائي في السدود العراقية منذ عام 2003"، بحسب الناشط البيئي، جاسم الأسدي.
ويضيف الأسدي لوكالة شفق نيوز، "كما أن الأهوار العراقية ما تزال تواجه الجفاف منذ عام 2021 حتى نهاية شباط 2024، وكان جفافاً حاداً ومركباً (أي عدم وجود أمطار، ودرجات حرارة عالية، وعدم وجود مياه كافية قادمة من خارج الحدود من نهري دجلة والفرات والجانب الشرقي الإيراني)".
وينوّه، "لكن الأمطار الأخيرة وفرت خزيناً محدوداً في السدود العراقية وفي بحيرة الثرثار، حيث تم في فترة سابقة تجهيز بحيرة الثرثار بـ 2500 متر مكعب في الثانية من دجلة، وارتفع إلى حدود ما فوق الخزين الميت في بحيرة الثرثار، لكن لا يزال الوضع قاسياً خاصة في الفرات الذي يعتمد عليه كل من الأهوار الوسطى وهور الحمار الغربي والمناطق الزراعية ابتداءً من الرمادي والحلة وكربلاء والنجف وجزء كبير من الديوانية والسماوة والأراضي الزراعية الأساسية في ذي قار".
ويتابع، "ومع ذلك ارتفعت قامة الفرات في 15 نيسان 2024 إلى 1.60 متر، بعد أن كان 28 سنتيما في 12 كانون الأول 2023، ومع ارتفاع درجات الحرارة وقلة الاطلاقات المائية القادمة من ذنائب النواظم الذيلية في كمرت بني سعيد رجع إلى الفرات مرة أخرى في الجبايش وانخفض إلى 81 سنتيما".
تبخر قاتل وخسائر يومية تهدد الاقتصاد المحلي
ويوضح الناشط البيئي، أنه "ومع كل يوم يتم خسارة بحدود نصف سنتم من منسوب الهور وكذلك من منسوب الفرات، وبالنتيجة أمامنا ثلاثة أشهر قاتلة من التبخر الهائل لكميات المياه في الأهوار، وهذا يعني خسارة المزيد من الأراضي المغمورة في الأهوار، وهذه الخسارة تتمثل أيضاً بخسارة اقتصادية لمربي الجاموس وصيادي الأسماك وصانعي المضائف والحشائش الخضراء".
ويرى الأسدي، أن "الاتفاق الذي تم مع الأتراك كان مبهماً، فلا يتحدث عن كمية مياه محددة في دجلة على سبيل المثال، بل عن كمية مياه عادلة، وهذا كلام إنشائي، لأن مفهوم العدالة مختلفة بين الطرفين في كل القضايا، لذلك لا يمكن الركون إليها ومراقبتها، وهو ما يؤكد الحاجة إلى بروتوكول أشبه بعام 1987 مع الجانب التركي والسوري على نهر الفرات، ولو أن تركيا لم توفِ بالتزاماتها في هذا البروتوكول على نهر دجلة، في وقت لا زالت السياسة المائية والزراعية العراقية غير متكاملة".
"خزين جيد لكنه محدود"
من جهتها، تقول نائب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، زوزان كوجر، إن "الخزين الاستراتيجي للمياه في السدود أو في الخزانات المائية أو البحيرات جيد لهذا الموسم، حيث إن الخزين تجاوز 20 مليار متر مكعب، وكان هذا نتيجة الهطول الجيد للأمطار مع ذوبان الثلوج والسيول التي كانت مورداً جيداً للخزين المائي في العراق".
وتبيّن كوجر لوكالة شفق نيوز، أن "الخزين المائي كان لا يتجاوز 5 مليار متر مكعب في العام الماضي، وكان يشكل خطراً حقيقياً على العراق من ناحية تلبية الاحتياجات الفعلية للمياه، سواء للقطاع الزراعي أو الاحتياجات الأخرى، وحتى لتوفير مياه الشرب، ولكن في هذا الموسم وضع المياه بشكل عام جيد، لأنه حصل ارتفاع في مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، لكن مع زيادة الطلب للمياه خاصة في موسم الصيف وارتفاع درجات الحرارة، يجب استخدام المياه بشكل محدود، لأنها كميات محددة، رغم أنها تكفي لموسم الصيف الحالي".
وتؤكد، أن "وزارة الموارد المائية تولت مهمة توزيع المياه بشكل عادل لكل المحافظات وتأمين المياه للأهوار، وكان هناك أولوية لتوفير مياه الشرب ومن ثم تلبية احتياجات القطاعات الأخرى سواء للزراعة أو للثروة الحيوانية أو للثروة السمكية وغيرها، لتفادي المشاكل التي حصلت في المواسم السابقة من جفاف وتصحر".
وتشدد كوجر على ضرورة "توعية الفلاح والمزارع بأن كميات المياه وإن كانت جيدة لهذه السنة لكن عليه استخدام الطرق الحديثة في الزراعة والري للاستخدام الأمثل للمياه، وعدم استخدامها وهدرها بشكل عشوائي، وكذلك التعاون مع المؤسسات المعنية منها وزارتي الموارد المائية والزراعة، حيث إن القطاع الزراعي يستهلك مياهاً كبيرة تصل نسبتها إلى 70 بالمائة".
وتتابع، "لذلك هناك حاجة إلى استغلال كل الإمكانيات المتاحة للحفاظ على الثروة المائية من الهدر واستخدامها بشكل أمثل من خلال التوعية واستخدام الطرق الحديثة في الري والزراعة، فضلاً عن وضع خطط استراتيجية من خلال بناء السدود لصيد مياه الأمطار والسيول والفيضانات".
وتشير كوجر في ختام حديثها إلى أن "الجهد الحكومي لإدارة ملف المياه كان مسؤولاً وجدياً لتجاوز العوائق التي تواجه هذا القطاع من توفير المياه والحفاظ على الثروة المائية، وكانت هناك تخصيصات تصل إلى 300 مليون دولار لشراء المرشات إلى جانب مشاريع لتحلية المياه".