شفق نيوز/ يؤدي الزواج خارج المحاكم إلى ضياع حقوق المرأة التي تبقى في هوية الأحوال المدنية باكراً رغم مضي سنوات على زواجها، وكذلك على الأطفال الذين يعانون من عدم قدرتهم على الالتحاق بالمدارس لعدم وجود بيان ولادة لهم، في ظاهرة آخذة بالانتشار بالعراق.
ويلجأ الشباب والشابات الذين تتكون لديهم علاقات خارجية ولا يرغبون بمعرفة أهاليهم بها، إلى رجل الدين لعقد لهم عقد زواج شرعي، ويبقى هذا الزواج طي الكتمان، وكذلك الحال في الزوجة الثانية للرجل لتجنب إشهار زواجه وإخبار الأهل لما يترتب على زواجه الثاني في الغالب من مشاكل مع زوجته الأولى.
ويُعرّف الخبير القانوني، علي التميمي، الزواج لغة يعني الاقتران، وقد عرّف الفقهاء الزواج بتعريفات عدة منها (عقد يفيد حل استمتاع كل من الرجل والمرأة بالآخر على الوجه المشروع).
وفي قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1995، ذكر أحكام الزواج ضمن المواد (الثالثة ـ الحادية عشرة) في الباب الأول من القانون، والتي تضمن الحقوق الزوجية وليس فيها ما يخالف حكم الشريعة، بل أكدت على الحقوق الزوجية لكلا الزوجين، وفق ما يقوله التميمي لوكالة شفق نيوز.
وكل الحقوق الزوجية ضمن الشريعة والقانون لا تعود بالضرر على المرأة، بل إنها اثبات لحقوق المجتمع عموماً والمرأة خصوصاً، أما الزواج خارج المحكمة أي أمام رجل الدين فهذا الزواج - بحسب التميمي - يجحف حقوقها الشرعية، لكن رغم ذلك استهانت الكثير من النساء به في البدء وجعلته طبيعياً ومتوارثاً، ما أدى إلى وقوعهن ضحايا لهذا الزواج.
"ثلاث صفعات"
ويسرد التميمي قصة حالة من الحالات التي حصل معها الزواج خارج المحكمة، وهي قصة (ه .ع) التي تحدثت عن آثار تأخير زواجها في المحكمة قائلة: عندما تزوجت كان عمري لا يتجاوز 15 سنة، وكانت المحكمة - في حينها - لا تسمح بعقد الفتاة في هذا العمر إلا بعد أن تبلغ السن القانوني (18 سنة).
لهذا تزوجتُ بعقد السيد فقط، وبعد مرور سنة على زواجي أنجبتُ طفلاً ولم نستطع أنا وزوجي إصدار بيان الولادة له، لأني كنت في جنسية الأحوال المدنية لا أزال باكراً.
لكن جاءتني الصفعة الثانية وهي فقدان زوجي، وكان ابني في وقتها قد بلغ 3 سنوات، وبدأت بالبحث عن زوجي لمدة 3 سنوات من خلال مراجعة الجهات المعنية والدوائر، لكن دون جدوى، وحاولت إثبات وفاة زوجي للحصول على تعويض للأضرار التي لحقت بي نتيجة فقدانه لكن القانون لم ينصفني.
حيث إن القانون ينص على أن يتجاوز المفقود مدة 4 سنوات حتى يمكن إثبات وفاته، وأصبح عمر ابني 6 سنوات وهو السن القانوني للالتحاق بالمدرسة، في وقت كانت حالتي المادية في تدهور مستمر، وكل هذا وأنا لا أزال في هوية الأحوال الشخصية باكراً وليس لابني بيان ولادة.
وقررتُ بعدها إيجاد عملاً لنفسي بعد أن ضاقت بي الدنيا بتنظيف بعض المنازل مقابل أجر زهيد، لتأتي بعدها الصفعة الثالثة، وهي أن عائلة زوجي قد اثبتوا وفاة ابنهم (زوجي المفقود) لمرور 4 سنوات على فقدانه، وقد أقاموا له القسّام الشرعي دون ذكر اسمي أو اسم ابني، والسبب يعود لأني لم أتزوج زواجاً قانونياً لأثبت حقوقي وحقوق ابني الشرعية.
ويشير الخبير القانوني، علي التميمي تعقيباً على هذه القصة التي سردها، إلى أن "ما مرّت به هذه المرأة والكثير من النساء يعود لأسباب مختلفة ومتعددة أحياناً منها ثقافة المجتمع، وما يخلفه ذلك من آثار سلبية قانونية وصعوبة إثبات حقوقها وأطفالها على عكس لو كان الزواج مثبتاً في المحكمة".
العقد الشرعي
من جهته، يقول الخبير القانوني، أحمد العبادي، إن "عقد الزواج الخارجي ينقسم إلى قسمين، الأول: عقد ابتدائي عند الخطوبة، وجرت العادة عند الخطوبة بأن يأتي رجل دين ويعقد عقداً شفوياً أو تحريرياً ويكون هذا العقد بين الزوجين (العقد الشرعي)، ثم يتم بعد ذلك إما تصديق العقد، وهذه حالة قليلة ونادرة، بأن يذهب الزوجان إلى المحكمة ويعقدان عقداً قانونياً بمحكمة الأحوال الشخصية".
ويوضح العبادي لوكالة شفق نيوز، أن "هذا العقد لا إشكال فيه من الناحية القانونية، لأنه يسمى عُرفاً (العقد الشرعي)، والهدف منه بأن تصبح العلاقة ما بين الرجل والمرأة علاقة شرعية، وبعدها يتوجهون إلى محكمة الأحوال الشخصية لإبرام عقد الزواج، هذا من جانب".
من جانب آخر، أن "الفقرة الخامسة من المادة العاشرة من قانون الأحوال الشخصية، حددت عقوبة الحبس لا تقل عن 6 أشهر أو الغرامة بالنسبة للرجل الذي يعقد عقداً خارج المحكمة (عقد رجل دين)، والمحكمة مُلزمة بتصديق عقد الزواج، إذ يصدق أمام المحكمة كعقد زواج وتوجه العقوبة للزوج"، وفق العبادي.
ويضيف، "وهناك حالات أخرى، وهي أن يتم الزواج وينتج عنه أطفال ومن ثم الطلاق وكل ذلك خارج المحكمة، أي يتزوج بورقة شرعية (من رجل الدين) ويدخل بالزوجة وينجبون أطفالاً ومن ثم يحصل الطلاق، وكل هذا عبر رجل الدين، وفي هذه الحالة تضطر الزوجة إلى تصديق عقد الزواج والطلاق لتتمكن من تسجيل الأطفال".
"الكثير من الأطفال في الوقت الراهن، لا يستطيعون الالتحاق بالمدرسة لأنهم لا يملكون هوية الأحوال الشخصية التي لا تصدر إلا بعد تصديق عقد الزواج الخارجي، حتى يشعِرون مديرية الجنسية بأن فلانة زوجة فلان، والطفل الفلاني هو ابن فلان وفلانة"، يقول العبادي.
ويتابع، "كما هناك مسألة المتزوجون من امرأة ثانية، فالكثير من الرجال يلجأون إلى إبرام عقد زواج للزوجة الثانية دون إشهار هذا الزواج، إذ يتجه إلى العقد الخارجي الذي هو عقد الزواج لدى رجل الدين، وهذا يلجأ إليه في سبيل تجنب معرفة زوجته الأولى وأهله بهذه الزواج، لذلك تكون هذه الزواجات سرية، وتنتهي معظمها في المحاكم أيضاً، خاصة عند حصول خلاف بين الزوجة الثانية وزوجها، إذ تذهب لتصديق الزواج، وإذا كان هناك طلاق فيتم تصديقه، وتنشأ النفقة إذا كان هناك أولاد".
ويعزو الخبير القانوني كثرت الزواجات خارج المحكمة إلى أما الزواج الثاني للرجل، أو أن بعض النساء هن يرغبن بهذا النوع من الزواج، ربما لتجنب إخبار أهلها، لذلك تبرم عقد زواج رجل دين وتصبح العلاقة شرعية مع زوجها وتكون هذه الزواجات سرية.
ويؤكد العبادي، أن "هناك الكثير من الحالات التي تحدث بين طلاب الجامعات أو بعض الدوائر وكذلك عند الشباب والشابات الذين تتكون لديهم علاقات خارجية، ولا يرغبون بمعرفة أهاليهم بها، لذلك يتزوجون عند رجل الدين، ويبقى الزواج طي الكتمان، ولا يصدقونه لتجنب الإشهار، لكن هذا الزواج يترتب عليه عقوبة قانونية".
ويرى، أن "العقوبة ينبغي أن تكون على الطرفين لا أن تقتصر على الزوج فقط، فالزوجة هي كاملة الأهلّية ومن المفترض عند موافقتها على عقد الزواج الخارجي دون تصديقه أو دون الحضور أمام قاضي الأحوال الشخصية، فهي أيضاً تكون مسؤولة، لذلك ينبغي أن تُفرض العقوبة على الزوج والزوجة أيضاً".
زواج المرأة بلا وليّ أمرها
بدوره، يوضح رجل الدين، أحمد الحسيني، أن "السادة والمشايخ لا يزوجون امرأة إلا بعلم ولي أمرها (أبوها أو جدها من أبوها)، وإذا كان أبوها وجدها متوفيان وكانت المرأة رشيدة فهي تكون وليّة نفسها، ولا ولاية للآخرين عليها، لذلك الشرع يُجيز لها ذلك لكن مع مراعاة العُرف".
ويضيف الحسيني لوكالة شفق نيوز، "وينبغي الإشهار من يحضر هذا العقد من أقرباء الرجل والمرأة، فليس من حق رجل الدين العقد لمرأة ورجل مجرد أنهما يريدان أن يتزوجا".
أما وجود وثيقة للزواج لاثبات حقوق المرأة، يبيّن الحسيني، أن "المشايخ التابعين للوقف السني يعطون مثل هكذا وثيقة، لكن الحوزة هي غير تابعة للوقف الشيعي، لذلك ليس لديهم وثيقة بهذه الخصوص".
وينوّه الحسيني في ختام حديثه إلى أن "الزواج عند مذهب أهل البيت لا يشترط فيه الشهود لكن في الطلاق يشترط".
القانون يحمي الحقوق
من جانبها، تؤكد الباحثة الاجتماعية، شهلاء حافظ، أن "الزواج خارج المحاكم يسبب مشاكل كثيرة للمرأة، فقد تضيع حقوقها فيما تستغرق إجراءات المحاكم ربما عدة سنوات".
وتشدد حافظ خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، على أهمية أن يكون الزواج داخل المحاكم "فالقانون يحمي الحقوق"، وعلى النساء عدم القبول بهكذا زواج دون إشهار ويكون مصدقاً في المحاكم.