ما الذي تغير في مواقف المعترضين على نتائج الانتخابات

ما الذي تغير في مواقف المعترضين على نتائج الانتخابات

صادق الازرقي

2021-11-20T15:46:32+00:00

كان المعترضون على نتائج الانتخابات العراقية هم من أشد المطالبين بعقدها في الموعد المحدد لها في العاشر من شهر تشرين الاول 2021 ، وكانوا يطلون بصورة شبه يومية من على شاشات الفضائيات، وفي مواقع التواصل الاجتماعي داعين الناس إلى المشاركة المكثفة فيها؛ وكثيرا ما كان يحلو لهم الحديث عن مؤامرة خارجية لدفع العراقيين الى مقاطعتها، ولم تخلو عبارات بعضهم من شتم المقاطعين وتخوينهم برغم أن تيار المقاطعة كان قد رسخ أقدامه بقوة منذ انتخابات عام  2018 التي قاطعتها أغلبية السكان.

لقد سبق ان انتقدنا، الاسلوب الرخيص الذي كان بعض المرشحين يديرون بوساطته حملاتهم الانتخابية، فيدعون من ضمن ما يدعون إلى نبذ المقاطعة، وتلك ليست من مسؤوليتهم واختصاصهم طبعا ونبهنا الى ذلك في حينه، إذ أن دور المترشح للانتخابات يجب أن يكون مقصورا على طرح برنامجه الانتخابي ودعوة الناس إلى التصويت له ولشخصه،  ولا علاقة لهم بالمقاطعة من عدمها، إذ أن التدخل في خيارات الناس في الموقف من الانتخابات يلقي ظلال من الشكوك في أهلية المتقدمين للترشيح وهو امر حذر منه كثيرون قبل الانتخابات، و ما ثبت بعد ذلك في نسبة المشاركة في الانتخابات وفي نتائجها، إذ قاطعت الأغلبية الاقتراع بتحد، وحتى الأقلية التي ذهبت إلى الصناديق لم تصوت لمعظم هؤلاء "المتنمرين" على الشعب، وبالنتيجة، لم يحصلوا على الأصوات التي تؤهلهم لتشكيل السلطة التنفيذية اللاحقة او حتى المشاركة فيها، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها بالحديث عن التزوير، متهمين الجميع بخذلانهم؛ ولم يستثنوا حتى ممثلة الامين العام للامم المتحدة في العراق،  التي طالما اثنوا على دورها قبيل الانتخابات وتحدثوا بفخر عن الرقابة الدولية التي تتوفر للاقتراع، فما الذي تغير من وجهة نظر هؤلاء ليوجهوا السهام الى الجميع فيهدد بعضهم بالحرب الاهلية.. ولكن اي حرب اهلية وضد من.. اليس الفائزون عراقيين.. وهل سيهاجمون قوات الجيش العراقي والتشكيلات المسلحة العراقية والحكومة.. ربما كان الهجوم المسلح على رئيس مجلس الوزراء احد صور التهديد الذي تبنوه في البداية ثم تراجعوا عن ذلك لاحقا متهمين جهات دولية بتدبيره، ام ترى انهم يسعون الى امر آخر يعدون له.. واين دعاواهم عن ضرورة صيانة العملية السياسية واحترام الديمقراطية في العراق التي كان يتحدث بها زعماء القوى الخاسرة،  وسبق لبعضهم ان ذهب الى حد الدعوة الى الغاء النظام البرلماني واستبداله بنظام رئاسي وذلك قبل ان تظهر خسارتهم، فاخذوا يتحدثون بعدها عن الحاجة الى حكومة توافق يشترك فيها الجميع بمن فيهم الخاسرون، وطفقوا يبحثون عن مقعد هنا ومقعد هناك بأمل ان تقلب النتيجة، بل ان خاسرين تجرأوا في سابقة خطيرة في العرف الديمقراطي على المطالبة بتوزيع مقاعد الفائزين لإرضاء الخاسرين، وذهب آخرون الى طرح مشروعات تسوية هي في حقيقتها بالضد من النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يستوجب تواجد الفائزين والخاسرين؛ متذرعين بانهم انما يفعلون ذلك حفاظا على السلم الاهلي وتجنب الحرب الاهلية.. فكيف يستقيم ذلك؟ اليسوا هم "السياسيون" الذين يفترض ان يطبقوا المسار الديمقراطي في العراق، الذي طالما تشدقوا بالدفاع عنه على عواهنه.

ويقينا ان نتائج الاعتراضات على نتائج صناديق الاقتراع، لن تضيف شيئا متميزا الى الخاسرين ولن تغير المعادلة الجديدة التي تكونت، وعلى الجميع ان يقر بالنتائج؛ ولا بأس على المعترضين اذا كانوا يريدون خدمة الشعب والبلد كما يقولون، ان يشكلوا المعارضة النيابية المقبلة، إذ سيشكلون مع المستقلين والتشرينيين، اذا لم يدعهم احد الى الاشتراك في الحكومة معارضة قوية، وليفضحوا الحكومة اذا فشلت في تلبية مطالب الناس، وليدعوا الى استقالتها اذا اخفقت، وليذهبوا اذا ارادوا لتشكيل حكومة ظل.. أليست تلك من اساسيات النظام الديمقراطي. 

اما فيما يتعلق بالحكومة المقبلة، فبرأينا انها يجب ان تشكل من القوى الفائزة ولنقل من احزاب لديهم اكثر من 30 مقعدا؛ ومن خلال تطلعنا  في طبيعة تلك الاحزاب نرى انها تمثل الشعب العراقي بصورة أنموذجية (فيما يتعلق بالمذاهب والقوميات) ولا بأس من اضافة بعض الاسماء الاخرى؛ اما محاولة تغيير النتائج بالقوة والتهديد باستعمال السلاح فهذا امر مرفوض ويعيد تأكيد الحاجة الى تخليص المجتمع من المجاميع المسلحة غير النظامية، لأنها تشكل مصدر خطورة كبرى للبلد، وهي احد الاسباب الرئيسة التي ادت الى المقاطعة الكبيرة للانتخابات.

على الحكومة ان تتشكل بتوافق من فائزين كي تكون حكومة قوية تنفذ رغبات الناس في الخدمات وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والامني وتحفظ سيادة البلد وثرواته؛ ولتتشكل مقابلها معارضة وطنية قوية تراقب اداء الحكومة، فتثني عليه اذا نجح في تلبية حاجات الناس وتعاقبها اذا اخفت، ولتطرح مشاريعها هي ايضا تحت قبة البرلمان، بهذا وحده نضع الاسس القويمة للبناء الديمقراطي الحقيقي؛ اما الرجوع الى ما كان يعرف بأسلوب وضع رجل في الحكومة ورجل في المعارضة والسعي لتشكيل حكومة محاصصة بتوافق الجميع، فهو منهج مخادع ولن يؤدي الا الى كوارث كبرى تلحق بالناس، وبخاصة بعد ان اثبتت الحكومات الائتلافية السابقة فشلها المريع في ادارة الملفات التي لم تزل عالقة منذ عقود وفي طليعتها تحقيق رفاه واستقرار السكان والقضاء على الفساد والبطالة والارتقاء بالخدمات، وبناء البلد، والتأسيس لمجتمع متحضر غاب عن انظارنا طيلة الحقبة الماضية.

 

 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon