النظام الاتحادي في العراق وأشاکالیة التطبيق

النظام الاتحادي في العراق وأشاکالیة التطبيق

دیار طیب برواري

2023-02-21T17:06:26+00:00

يبدو للمتابع للحالة الدستوریة العراقیة و خاصة بعد عدة قرارات للمحکمة الاتحادیة التي تناولت تفسیرا لبعض مواد الدستور و أخص منه القرار القاضي بعدم قانونية إرسال مبالغ الی حکومة إقلیم کردستان العراق إستنادا الی قانون موازنة الدولة لسنة 2021 و الذي دام حوالي تسعة أشهر في أروقة المحکمة، و هو امر أثار موجة من المواجه السیاسیة في الاعلام و البیانات بین سلطات الاقلیم و الجهات السیاسیة في العراق،

والذي کان متماشیا مع قرار سابق في عدم دستوریة بیع الاقلیم للنفط بدون الحکومة الاتحادیة في بغداد. أن هذا الامر الذي أثر علی رأي الشارع العراقي و هو ما ادرکناه بشکل واضح، کون معظم الجمهور و الشارع العراقي أصبح سیاسیا و منحازا الی جهة ضد أخری و یتم التأثیر علیه کورقة في مهب الریح من خلال موجات إعلامیة موجهة و إقصائیة و غیر وطنیة. بعیدا عن کل هذا الاحتقان الاعلامي إلا أنه لیس موضعنا رغم کونه أحد مخرجات العملیة السیاسیة المعاقة في إدارة البلد بعد التحرر من النظام الدکتاتوري و محاولة بناء دولة جدیدة.

من الجدیر بالذکر الإشارة الی قوة ورقي الدستور العراقي مقارنة بالدول المجاورة و تزامنه مع متطلبات مختلف أطیاف الشعب العراقي الذي خرج من کنف ظلم لنظام مرکزي دکتاتوري.

یعتقد معظم المتابعین أن الدستور لو تم العمل علی تطبیقه بشکل فعال لکان العراق نموذجا لشعب سعید و بلد نامي في کل المنطقة، خاصة أنه هو الوحید الذي یمتلك نظام إتحادي للدول المجاورة. إن الفکرة الاساسیة في الدستور العراقي هو عدم حصر السلطة بید شخص واحد أو حزب واحد. مع مراعاة متطلبات المحافظات و إقلیم کردستان ، الذي کان حالة خاصة بعد سنة 1991 و لغایة 2003، کما هو معروف إن الفکر الاتحادي هو إساس بناء أقوی الدول في العالم خاصة الدول ذات التعدد العرقي و الطائفي ( الهند ، المانیا، البرازیل، الامارات العربیة المتحدة...الخ). بالرغم من النقد الکثیر الذي یتم توجیهه الی الدستور من قبل أحزاب السلطة التي فشلت في إدارة العراق بعد 2003 ،الا أن ما یدعوا الی التفائل أن النقد یطال أحیانا مواد قلیلة فیه و ذلك حسب فکر و ايديولوجية الشخص أو التنظیم السیاسي الناقد. یظهر ذلك بشکل براق و یزین الواجهات الاعلامیة و منصاتە للتواصل الاجتماعي، عند الجبهة سیاسیة أو الحزب سیاسي الذي یتمتع بنوع من الغرور نتیجة الاصوات التي حصل علیها في الانتخابات و لضمان بقائه في موقعه. حیث یقوم برمي المشاکل التي لا یستطیع الاتیان بتریاق لها علی شماعة الجهات الاخری و بدأ بالدستورالذي یتم وصفه بأنه لا یعطي السلطة المطلقة له من أجل التمتع بإدارة قویة لادارة البلد و فرض السیادة ! .

من الواضح بان معظم القوی السیاسیة في العراق متأثرة بشکل متدرج و نسبي بما کان یمارسه النظام البعثي من أسالیب في إدارة الدولة، و أصبح یعتقد بأن هذا هو الشکل الوحید للسیطرة علی البلد و شعبه المغلوب علی أمره. مع أن معظم القوی السیاسیة العراقیة من أقصی الشمال الی إدنی الجنوب کانت مشارکة في کتابة الدستور و عملت علی تمریره و إقناع جمهورە في التصویت علیه. لا ننسی بإن معظم السنة لم یشارك بشکل صحیح في کل هذه العملیة. أقول بالرغم من کل ذلك فإن تلك القوی السیاسیة التي تولت إدارة الدولة العراقیة، في الفترات السابقة، أبقت کیان الدولة کما کان و لم یحدث الدستور التغییر المطلوب في مؤسسات الدولة و لا في قوانین الادارة و بالتأکید هذا الكلام یشمل کل من الحکومة الاتحادیة و حکومة الاقلیم و حتی المحافظات. فعلی سبیل المثال لا الحص، لازالت الحکومة الاتحادیة تطلق علی نفسها حکومة (مرکزیة) و کذلك یستخدم الاقلیم و المحافظات نفس المصطلح عند مخاطبة الحکومة الاتحادیة أحیانا. إن إستعمال مصطح الحکومة المرکزیة إن دل علی شيء فانه یؤکد بان فلسفة العراق الاتحادي الجدید لم تدخل فکر الساسة و الاحزاب بعد. و لم تکن هناك رؤیة حقیقیة واضحة لدی معظمها و هذا جلي للعیان من خلال التفاهمات السیاسیة و المناهج الحکومية، التي خلت من تطبیق هذه الفلسفة . إن شماعة الاعذار کانت و ستبقی حاضرة للساسة من أجل تعلیق فشلهم علیه في إدارة ملف الخدمات و الامن و الاستقرا و التنمیة الی الدستور الذي قید أیدیهم في ضبط البلد ! حسب الادعاء الدي یوهمون الشعب به. إن الخاسر الاکبر في کل هذه المعادلة هو المواطن العراقي الذي یرید العیش بکرامة و أن یشعر بان هذا بلده و إن الحکومة فیه تسعی الی خدمته و إرضائه بشکل صحیح.

کل القیادات السیاسیة تذکر بإن النظام الاتحادي في العراق لازال غیر مکتمل و معاق، کون السلطة التشریعیة فیه یفترض أن تکون ثنائیة ( مجلس النواب و مجلس الاتحاد) لکن لا نجد إرادة في تشکیل مجلس الاتحاد لدی معظم القوی السیاسیة النافذة، الامر الذي یمنع المحافظات و الاقلیم من المساحة و القدرة للمشارکة الحقیقیة و الفعالة في عملیة التشریع. إن هذا الامر بالتحدید یجعل التشریع في بعض الاحیان مخالفا للدستور کما شاهدناه في تشریع بعض القوانین ابان فترة المظاهرات سنة 2019. کما إن اللامرکزیة الاداریة التي توعد بها الاحزاب السیاسیة جمهورها في المحافظات ینثر في مهب الریح بعد إعلان نتائج الانتخابات. حتی الخطوات الناجحة في عـملیة تحویل الصلاحیات من الوزارات الی المحافظات یتم بترها و التقلیل من شأنها و محاولة إفشالها بشکل أو باخر. الامر الذي ینتج عنه تراجع في المحافظات من ناحیة الاستفادة من الکفاءات الاداریة و بناء المنظومة المناسبة لادارة المحافظة وفق مصلحة أهلها، و حسب ما تیسر لها من واردات داخلیة أو إتحادیة. یمکن الاشارة الی تعطیل مجلس المحافظات من قبل مجلس النواب کمثال علی حجب و منع ظهور الارادة للدفاع عن المحافظات و إبقائها أسیرة الی الوزارات و المؤسسات الحکومیة في العاصمة.

بالرغم من أن الدستور قد حصرت سلطات الحکومة الاتحادیة بتسع مجالات في المادة (110) و السلطات المشترکة بین الحکومة الاتحادیة و حکومات في الاقالیم و المحافظات في المواد ( 112، 113)،کما بینت السلطات بین الاتحادیة و حکومة الاقلیم في المادة (114)، کما حددت سلطات الاقلیم في المادة (121)، کما حدد الدستور صلاحیات المحافظات بالمواد (112 و 123) أقتطف منها الفقرة خامسا من المادة (122) و التي تنص علی ؛(لا یخصع مجلس المحافظة لسیطرة إية وزإرة أو أية جهة غیر مرتبطة بوزإرة و له مالیة مستقلة). الا أن التنفیذ للدستور و إن حصل فهو سيء لدرجة تصل الی إفساده و حجب المنجزات التي وردت فيه. بالرغم من أن الفاعل و المؤثر الحقیقي في تنفیذ مواد و فقرات الدستور هي الحکومة الاتحادیة ( الامانة العامة لمجلس الوزراء)، الا أن ذلك لا یبرر لحکومة الاقلیم و الادارات في المحافظات الدور السلبي و الرضی بالتهمیش في عدم الاصرار علی التنفیذ الایجابي و الفعال لمواد الدستور التي تخدم أبناء الشعب. بعد أن قاربنا من العشرین سنة من نفاذ الدستور لا نعرف کم نحتاج من الزمن لندرك أن معظم الجهات السیاسیة لا ترغب في إنجاح تطبیق هذا الدستور تمنع عن العراق فرصة تصدر دول المنطقة في نظامها السیاسي.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon