الشيخ والغجرية

الشيخ والغجرية

امير الداغستاني

2021-03-14T17:41:34+00:00

قصة قصيرة :

شيخ وإمام مسجد، احب غجرية عاهرة كانت تسكن في نفس القرية التي يسكنها، تكونت العلاقة بينهما بعد تردد الغجرية لمنزل الشيخ بحجة الاستفسار عن بعض الامور الدينية، بيد ان هدفها كان اغواءه وايقاعه في حبها، حتى تؤكد لأهل القرية بان شيخهم التقي الذي يجلوه ويحترموه، ليس الا رجل حاله حال باقي الرجال الذين يتمنون مرافقتها، مع مرور الايام تمكن الشيخ من هدايتها وفي نفس الوقت أحبتهُ واحبها، لتبدأ قصة حب غريبة بينهما، رفضها اهله واهل قريته الذين صُدموا بما فعل قدوتهم وشيخهم، ليعلنوا عن مقاطعته وعدم الحضور للمسجد والصلاة خلفه.

قرر الشيخ ان يتزوج الغجرية من شدة حبه وتعلقه بها، وتحقق ذلك وتزوجا بعد ان عاهدته على التوبة والسير بطريق الهداية والإخلاص له طول العمر، لكن اهل القرية لم يتقبلوا الوضع رغم ان اغلبهم كانوا يحبون ويعشقون الغجرية، وكانوا يحرصون على حضور جلسات سمر كانت تحييها كل ليلة في مكان ما على اطراف قريتهم، لم يتركوا الشيخ وزوجته بحالهما وقرروا معاقبتهما وحرقهما داخل المنزل الذي كانا يسكنا فيه على اعتبار ماقام به الشيخ عار على اهل القرية ولابد من القصاص منه ومن زوجته الغجرية، في ليلةٍ ظلماء اضرم اهل القرية النيران في منزل الشيخ، واخذت ألسنة اللهب تنتشر في أرجائه، احس الشيخ وزوجته وأفاقا من نومهما مرعوبين بعد تاثرهما بارتفاع درجة الحرارة والنيران التي بدأت تأكل محتويات المنزل وكادت تحرقهما، خرجا مسرعين من بين الناس محاولين الفرار  والتخلص من بطشهم، لكن المتشددين من أعيان القرية اوعزوا بضربهما ورجمهما حتى الموت، انهال الناس عليهما ضرباً بالحجر والعصي لكنهما تمكنا من الفرار باعجوبة بمساعدة بعض المتعاطفين معهما.

الشيخ شعر بالم في ظهره بعد ان أصبحا خارج القرية وتاكد بانه اصيب اصابة بالغة في عموده الفقري ليسقط بعدها مغشياً على الارض لا يقوى على الحراك، بدأت زوجته التي كانت هي ايضا مضرجة بالدماء بعدما نالت من الضرب ما نالته ، تصرخ صرخات استغاثة لانقاذ زوجها، سمع الصراخ بالصدفة احد المارة الذي كان يمتطي دابته، سارع للوصول لهما،  ورأى مارأه ليحمل الشيخ ويضعه على دابته ويوصله لاقرب مستشفى بغية اسعافه وتلقيه العلاج اللازم.

وعلى الفور تم احالته عن طريق الطبيب الخافر الى مستشفى مركز المدينة التخصصي، وبصعوبة نُقل بسيارة اجرة ليصل الى المستشفى المعنية، وبعد الكشف عليه تبين ان الاصابة بالغة وفي احدى الفقرات المسؤولة على حركة الساقين ليؤكد الطبيب ان الشيخ سيقضي حياته المتبقية مقعداً.

بعد مرور ايام على علاجه واستقرار حالته ووضعه الصحي خرجا من المستشفى وسكنا في حي فقير بالمدينة.

مرت اشهر عاشا خلالها في وضع مادي ونفسي صعب جدا، الزوجة ظلت مخلصة لا تتركه بعد الاصابة بل كانت تساعده وتعتني به كما تعتني الام بطفلها، لكن حزناً عميقاً وشعوراً لايوصف كان يراود الشيخ بعد معرفة وضعه، ولاسيما انه سيبقى طول عمره على هذا الحال الصعب،  انعكس ذلك التفكير والحزن والقلق والشعور بالضعف على وضعه النفسي الذي تدهور بالكامل، ليتحول من شخص وديع صبور طيب، الى شخص حاقد متوتر كاره لكل من حوله، اصبح لا يحب الاختلاط بأحد، كثير الصراخ، عنيد، تهجمي، شرس، قليل الصبر، تحولت حياته الى جحيم.

كانت زوجته تصبر وتتحمله تصرفاته وتحاول عدم إشعاره بوضعه وإرضائه بشتى الوسائل والطرق لكن دون جدوى.

كان اهل الحي يساعدوه ويقدمون له ولزوجته بعض الاحتياجات البسيطة التي لاتكفيهما، حاولت زوجته العمل في اماكن مختلفة كعاملة في محلات ومنظفة في بيوت لتحصل على قوتها اليومي بشرف بعد ان نفذ كل مالديهم من مال، لكن الوارد المادي كان قليلاً لايكفي لسد الاحتياجات وايجار البيت والنفقات الاخرى، فضلا عن انها كانت تتعرض للتحرش من قبل الرجال بسبب جمالها ولكنتها الغجرية، بالمقابل كان الشيخ لاينقطع عن الصراخ والشجار وكان كثير الشك والغيرة يؤنبها ويزجرها ويمنعها من الخروج ويضيق عليها حياتها، في لحظة، وبعد تردي الحال بشكل لايطاق، قررت الزوجة العودة لعملها السابق، ووجدت ابواب الملاهي والمراقص مفتوحة لها على مصراعيها لانها كانت جميلة وبارعة في الرقص ولديها خبرة في هذا المجال، صُعقَ الشيخ لاقدام زوجته للعودة الى حياتها السابقة، جن جنونه ورفض ذلك بعصبية، صرخ وتوعد بمعاقبتها ان لم تعدل عن قرارها، لكنها حسمت امرها واتفقت مع متعهد وصاحب احدى الملاهي على كل شيء.

باشرت في عملها دون الالتفات لمعارضة زوجها لانها ملت الوضع الذي هما عليه، وانها أُجبرت على ذلك، مرت الايام وصارت تتركه ساعات طويلة يبقى فيها وحده، حزين على حاله، صار يموت في اليوم مئة مرة حزناً والماً وهو يرى زوجته الجميلة التي احبها وضحى بسمعته وهيبته وترك كل شيء لأجلها، تعود لعملها السابق وترتمي باحضان الرجال وتشرب انواع الخمور، كان في كل ليلة يجلس يفكر بوضعه ويناجي ربه: الٰهي ما الذي يحدث لي، الى اين وصلت والى متى سابقى على هذا الحال، هل انا في حلم أم في علم، ربي ارحمني لقد نفد صبري وماعدت اتحمل حالي.

قرر في احد الليالي وبعد تفكير عميق، ان ينتحر  لينهي حياته التي أصبحت لا تطاق، في يوم عادت زوجته وقت الفجر وهي تتسكع مخمورة ككل يوم، فتحت الباب، وجدت زوجها جثة هامدة غارقا بدمه، بعد ان قطع وريده بشفرة حادة نزف لساعات فارق بعدها الحياة، صرخت صرخة مدوية وبكت حزناً والماً على موت زوجها وحبيبها، لامت نفسها واحست بذنب كبير لتسببها في انتحاره.

مات شيخ القرية بعيداً غريباً عن اهله ومحبيه، وحُمل على الأكتاف ليدفن في احد مقابر الله الواسعة ليخسر الدنيا والاخرة.

 

 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon