الإصرار على النظام العقيم لإدارة الدولة يعني مزيدا من الخراب

الإصرار على النظام العقيم لإدارة الدولة يعني مزيدا من الخراب

صادق الازرقي

2021-12-19T09:16:14+00:00

نشأ في العراق منذ نيسان عام 2003 نظام هجين لإدارة الدولة المفترضة في جميع مفاصله السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ وفي الحقيقة فان النظام الجديد الذي اعتمد على الولاءات الحزبية في تبوء المنصب وعدم الالتفات الى الكفاءة انشأ وعزز ما يسمى بـ "الدولة العميقة" التي نجمت عن فوضى السنوات التي اعقبت تغيير النظام المباد، ولم يزل يفعل فعله حتى الآن.

لقد تفاخر كثير من سياسي الوضع الجديد في تصريحات اعقبت اسقاط النظام المباد بانهم ودعوا ما اسموها بحقبة النظام الاشتراكي في العراق "في حين ان نظام صدام لم يكن اشتراكيا"، واعلنوا انهم يبنون نظاما يعتمد على السوق الحرة والقطاع الخاص، وهم لم يفعّلوا آليات ذلك النظام بل قبضوا على الاموال الواردة الى البلد ووزعوها بين احزابهم "الاسلامية بمجملها" بدلا من انشاء مؤسسات مهنية لإدارة الاموال التي جرى التفريط بها من دون ان تحقق شيئا ملموسا للناس والبلد، او ان تضمن مستقبلا آمنا للأجيال المقبلة.

ولو افترضنا انهم يسعون الى بناء الاقتصاد على النمط الرأسمالي فانهم اخفقوا في ذلك ايما اخفاق، اذ ان المفصل الرئيس في الادارة الرأسمالية ـ بحسب ماهيات ذلك النظام ـ يتمثل في سلامة ادارة الاموال وايرادات الحكومة، وعلى سبيل المثال فان الولايات المتحدة الامريكية لتي هي طليعة النظام الرأسمالي والسوق الحرة تكون ادارة الاموال فيها مسيطرا عليها بصورة تامة و تجري عن طريق دائرة الإيرادات الداخلية (Internal Revenue Service)‏ في الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة و تتبع وزارة الخزانة الأمريكية ويشرف عليها مباشرة مدير الإيرادات الداخلية وتخضع للتوجيه المباشر لمفوض الإيرادات الداخلية، الذي يعينه رئيس الولايات المتحدة شخصيا لمدة خمس سنوات.

ليست بنا حاجة لتكرار القول ان النظام الجديد في العراق قد فرط بأموال البلد وثرواته فذلك امر معروف وكان من أهم الملفات المطروحة على على رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، قبل وبعد تشكيل حكومته، وكانت اللجان الاقتصادية الخاصة بالأحزاب والمجاميع المسلحة، وهي "أجهزة" جرى إنشاؤها من أجل ضمان تمويل مشاريع تلك الأحزاب والميليشيات، أنموذجا سيئا للعراق، جرى فيه الاستئثار بالأموال العامة التي ترد الى خزينة الدولة؛ ومثل تواجد تلك اللجان او المكاتب عائقا أمام تأدية الدولة لمهامها نتيجة الاستحواذ على مقدرات البلد.

لقد شخص حتى المسؤولين هذا التداخل الذي تسبب في انهيار اوضاع البلد في كل شيء، وعلى سبيل المثال فان وزير الكهرباء في الحكومة العراقية التي استقالت بفعل الاحتجاجات الشعبية عام 2019 لؤي الخطيب،صرح أن هذه اللجان هي من بين لأسباب التي تعوق نهوض الدولة، فيما يقول أحد المستثمرين في العاصمة العراقية، إنه لم يتمكن من توقيع عقد أحد المشاريع الخاصة بوزارة الشباب والرياضة في الحكومة السابقة، إلا بعد أن فرضت اللجنة الاقتصادية التابعة لحزب الوزير أن يُفرد لها 30 في المئة من أرباح المشروع، ويتحدث المستثمر عن وصول مشروعه إلى نسبة 40 في المئة من الإنجاز، لكن الوزير أوقفه وبعد اجتماعات ومفاوضات رسمية مع الوزارة، وان الوزير قال له "لنجتمع مع زعيم الكتلة التي أنتمي لها فهو يُريد التحدث إليك بخصوص المشروع"، ويُشير المستثمر إلى ذهابه مع الوزير إلى منزل زعيم الكتلة، ويضيف "طلب زعيم الكتلة رفع نسبة مشاركتهم في أرباح المشروع إلى 50 في المئة وإلا فإنه يبقى متوقفا"، وتابع "لم أسمع أي كلمة من الوزير، كان زعيم الكتلة وحده يتحدث"، كل ذلك بحسب قول المستثمر.

ويقول متخصصون انه يتواجد في كل وزارة عراقية مكتب حماية مصالح حزب أو كتلة وان حرمان الناس من الكهرباء هو بسبب اللجان الاقتصادية نفسها، ووصف رئيس هيئة النزاهة في احد تصريحاته اللجان الاقتصادية للأحزاب، انها عبارة عن "اشباح" ليس لهم تواقيع او وجود حقيقي يعملون كل شيء بالخفاء، على حد وصفه.

نقول، ان جميع القرائن تبين ان اوضاع الحكومة والدولة والبلد لن تستقيم الا بإلغاء اللجان الاقتصادية للأحزاب وجميع ما يسمى لجنة اقتصادية حكومية أم غير حكومية، وان تنشأ بدلا من ذلك لجنة مهنية واحدة متخصصة للإشراف على الاموال العامة وان يعين رئيسها من العناصر الكفوءة النزيهة؛ ومن دون اصلاح الاوضاع في الجانب المالي الذي يتنافس بشأنه السياسيون لن تستقيم امور الناس ولن نشرع في البناء والاعمار ولن تتحقق الخدمات وسيواصل البلد سيره من انهيار الى انهيار.

لقد وقفت القوى الخاسرة في الانتخابات ومعظمها يدير اللجان الاقتصادية ضد محاولات تشكيل حكومة اغلبية سياسية وهو الاجراء الذي يفترض ان يعتمد بعد 18 عاما من الفشل المريع في تلبية مطالب الشارع والاخفاق في معظم الملفات لاسيما الاقتصادية ونتج عن ذلك الاحتجاجات المتواصلة التي بلغت ذروتها في تشرين الاول 2019 وكذلك مقاطعة الشعب للعملية الانتخابية بنسبة اقتربت من 80%، لقد كان الفشل مرتبطا اساسا بالإخفاق في ادارة اموال الدولة التي تتركز بصورة اساسية بشأن النفط وصراعات الاحزاب والقوى المسلحة حولها؛ وان أي حديث عن الاصلاح ومحاربة الفساد الذي يقر الجميع بتواجده وتأثيره لا معنى له اذا لم نفلح في اقامة دولة مؤسسات حقيقية اسوة بالبلدان المتقدمة ومن ضمن ذلك مؤسسة فاعلة تشرف على خزينة الدولة وايراداتها وتجمع الاموال المتحققة في مكان واحد بإشراف الجهاز التنفيذي الاعلى مباشرة، وان تنظم سجلات يومية بحركة الاموال والمشاريع المقترحة ومنافذ تزويد تلك المشاريع والضرائب، و بالاموال المطلوبة للتنفيذ وفق سقوف زمنية محددة و واضحة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon