بروفايل.. دونالد رامسفيلد "العراب العراقي"

بروفايل.. دونالد رامسفيلد "العراب العراقي"
2021-07-01T17:10:24+00:00

شفق نيوز/ رحيل دونالد رامسفيلد خبر عراقي بامتياز. علاقته بالعراق تمتد الى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كان صدام حسين في السلطة، فجاءه حليفا، وظل من خلال مناصبه في الادارات الاميركية المتعاقبة، على صلة وثيقة بالملف العراقي، وصولا الى قيادته وهندسة غزو جورج بوش لبغداد، والاطاحة بالنظام البعثي، الى ان اخرجته فوضى العراق العارمة فيما بعد، من دوائر السلطة الأمريكية.

نادرا ما ارتبطت شخصية سياسية امريكية بالملف العراقي على غرار رامسفيلد الذي رحل عن 88 عاما، فقد تلازم اسمه مع العراق منذ ان حط في بغداد في ديسمبر/كانون الاول العام 1983، في ذروة الحرب العراقية-الايرانية، وتحديدا بعدما فقد صدام حسين الاراضي الايرانية التي كان سيطر عليها في السنوات السابقة من بداية هجومه على ايران.

وكان من الواضح ان رامسفيلد الذي جاء موفدا خاصا من الرئيس رونالد ريغان، يحمل رسالة امريكية مضمونها ان واشنطن لن تقف متفرجة على اختلال ميزان القوى لصالح "الثورة الايرانية" التي كانت في بداية عهدها، وبالتالي فإن الأمريكيين مستعدون لمد يد العون ل"الرفيق الركن" صدام حسين، للثبات في وجه الايرانيين، بما في ذلك الدعم العسكري والدبلوماسي، حتى عندما كانت تقارير الاستخبارات الامريكية تؤكد للبيت الابيض ان افعال صدام بما فيها الهجمات الكيميائية وجرائم الابادة، مثبتة لديها وموثقة.

ولم يمنع ذلك رامسفيلد من قيادة علاقات ريغان مع صدام حسين الى بر التطبيع السياسي، بل انه كشف في سنوات لاحقة، وتحديدا في العام 2011، ان صدام حسين الذي التقاه عدة مرات في بغداد خلال الثمانينات، قدم له شريط فيديو بالابيض والاسود كهدية لاظهار "وحشية النظام" في سوريا حيث يظهر مجندات سوريات الثعابية بأسنانهن، كما يظهر جنودا سوريين يطعنون جراء الكلاب لقتلها، وذلك بحضور الرئيس السوري حافظ الاسد الذي كان يصفق لهم.

ومعلوم ان قناة التواصل المباشر التي فتحها رامسفيلد مع صدام حسين، والتأييد الامريكي للسعودية والكويت لتكثيف دعمهما المالي للنظام العراقي، تسببت بشكل او بآخر، في اطالة عمر الحرب العراقية-الايرانية واستنزاف البلدين "الجارين" في معاركهما التي اوقعت نحو مليون ضحية.

وتشاء الاقدار ان يعود رامسفيلد الى الملف العراقي بعد فوز جورج بوش بالانتخابات في العام 2000، وسيكون توليه وزارة الدفاع فرصة لجعله اشهر وزير دفاع امريكي منذ وزير الدفاع الاسبق روبرت ماكنمارا خلال الحرب في فيتنام.

لكن رامسفيلد لم يأت وحيدا. فتحت رئاسة بوش، الابواب واسعة امام صعود "صقور المحافظين" الى صدارة المشهد السياسي، بمن فيهم ديك تشيني وبول وولفويتز و كوندليزا رايس وجون بولتون وغيرهم، وهم راحوا يصنفون العالم بين "الخير والشر" وعلى قاعدة من ليس معنا، فهو ضدنا، لكن رامسفيلد تحديدا لعب دورا مركزيا في هندسة "الانتقام" الامريكي من "الاعداء" في افغانستان ثم في العراق، متسلحا بمرارة الاميركيين من فاجعة هجمات 11 سبتمبر/ايلول العام 2001، فقد كان رامسفيلد معروفا بدعوته الى التشدد في السياسة الخارجية الامريكية بينما كان يرتقي في سلم العمل السياسي في دوائر السلطة منذ الستينات عندما انتخب نائبا عن الحزب الجمهوري، ثم مستشارا في العام 1970 للرئيس "المفضوح" رتشارد نيكسون، بظل فضيحة ووترغيت، ثم وزيرا للدفاع بين عامي 1975 و1977 خلال عهد الرئيس جيرالد فورد.

وتحدثت التقارير الامريكية عن ثراء كبير تمتع به رامسفيلد بعدما عمل في القطاع الخاص فيما بعد عهد فورد، وهو نشاط مالي عاد اليه بعد خروجه من وزارة الدفاع العام 2006 في ذروة التخبط الاميركي في العراق وقتها.

المهم ان هجمات 11 سبتمبر وفرت الذخيرة السياسية الكافية للصقور المحافظين لاطلاق اعتى آلة عسكرية في التاريخ لاقتلاع حكم طالبان في كابول ثم حكم صدام حسين في بغداد. وكان رامسفيلد هو المهندس واحد المخططين الاساسيين لهذه الحروب. وبينما حملت طالبان مسؤولية هجمات 11 سبتمبر بذريعة تنظيم القاعدة الذي نفذها، فان اسلحة الدمار الشامل كانت الذريعة التي استخدمت لغزو العراق.

وفي الحالتين، كان رامسفيلد، برغم "النجاح" في اسقاط طالبان وصدام حسين، يتعرض للملامة لانه آثر الاعتماد على قوات عسكرية محدودة لتحقيق هذين الهدفين، ولم يأخذ بعين الاعتبار حاجة الولايات المتحدة الى قوات أكبر لضمان الامساك بالارض واعادة بناء هياكل السلطة والدولة التي انهارت في كل من كابول وبغداد.

وربما بسبب هذه الرؤية تحديدا غرق العراق في الفوضى الشاملة، حتى على صعيد الوجود الامريكي نفسه الذي تورط في احد اكبر الفضائح العسكرية في التاريخ من خلال افتضاح عمليات التعذيب والقتل المفجعة التي كانت جارية في معتقل ابوغريب، ثم في معتقل غوانتانامو، لدرجة انها، الى جانب عدم العثور على اسلحة دمار شامل، اجبرته على الاستقالة العام 2006، بعدما كان حاول الاستقالة مرتين في العام التالي للغزو، اي في 2004، لكن بوش رفضهما. كما يقال ان رامسفيلد لم يستقل، وانما بوش هو الذي بادر الى اقالته، لاحتواء الانتقادات السياسية والاعلامية الهائلة التي تعرضت لها ادارته.

وكتب الباحثون الاميركيون كثيرا عن فشل عراقي آخر لرامسفيلد، وساهم في تعزيز الفوضى العراقية الشاملة، تمثل في موافقته على قرارات الحاكم الامريكي بول بريمر فيما يتعلق باقتلاع حزب البعث التي لم تكتف بكبار القيادات والمسؤولين، وانما ازاحت حتى الموظفين في الدوائر والاجهزة الحكومية ما عزز من التخبط وانهيار المؤسسات تباعا واستيلاء العديد من الانتهازيين على موارد الدولة.

ولم يعر رامسفيلد اهتماما لاراء غيره من القادة السياسيين وجنرالات الجيش في كيفية تعامله مع الحرب العراقية، وتسلح بعلاقاته الوثيقة مع نائب الرئيس ديك تشيني، واصطدم مع وزير الخارجية الاسبق كولن باول الذي استقال لاحقا من ادارة بوش. كما تعرض لانتقادات لانه لم يستمع الى جنرالاته حول التحذيرات من خطر "التمرد" المسلح الذي بدأ يظهر ضد القوات الامريكية في العراق.

وبعد استقالته- اقالته، جيء بوزير دفاع جديد هو روبرت غيتس الذي أدخل تعديلات كبيرة على السياسة الامريكية وادارتها لحرب العراق.

وبرغم ان صدام حسين اعتقل ثم اعدام في نهاية العام 2006، الا ان زعيم القاعدة اسامة بن لادن ظل طليقا في افغانستان بعدها لعشرة اعوام الى حين مقتله في 2011، وهذا فشل حمل رامسفيلد مسؤوليته لانه ارسل قوات اقل مما يجب الى المعركة الافغانية منذ البداية.

وكما تظهر مذكراته التي كتبها لاحقا، فانه لم يكن يتعلم من تجاربه. في كتابه قال رامسفيلد "اذا لم تتعرض للانتقاد، فربما انك لا تقوم بعمل كثير". ويقول ايضا "الدخول في مسألة اسهل من الخروج منها". واشتهر وزير الدفاع الاسبق ايضا بتصريحاته الغريبة. ففي مؤتمر صحافي في نيسان/ ابريل 2003 سأله احد الصحفيين عما اذا كان من المحتمل ان يمنح صدام حسين اسلحة دمار شامل للارهابيين، فرد بطريقة عجيبة قائلا "التقارير التي تقول ان شيئا ما لم يحدث هي دائما مثيرة للاهتمام بالنسبة لي، لانه كما نعلم، هناك اشياء معروفة. هناك اشياء نعرف اننا نعرفها. نعلم ايضا ان هناك اشياء مجهولة معروفة. وهذا يعني اننا نعلم ان هناك بعض الاشياء التي لا نعرفها".

وبعد سنوات اختار رامسفيلد لمذكراته عنوان "المعروف وغير المعروف".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon