أعتقد العلماء أن الدوائر العصبية المعقدة والأدمغة المركزية، متطلبات أساسية للحيوانات لإظهار القدرة على التعلم. غير أن بحثاً جديداً يتحدى تلك الفكرة، بعد أن أثبت أن الكائنات الحية البسيطة، مثل قناديل البحر، قادرة على التكيف الفعال، وهو شكل من أشكال التعلم.
وأظهرت دراسة جديدة قدمها باحثون من جامعة كوبنهاجن، أن قنديل البحر الكاريبي يُمكن أن يتعلم على مستوى أكثر تعقيداً بكثير مما كان يتصور سابقاً، على الرغم من امتلاكه لعدد قليل للغاية من الخلايا العصبية، حوالي ألف خلية فقط مقارنة بـ100 مليار خلية عصبية عند البشر، كما أنه لا يمتلك دماغاً مركزياً على الإطلاق.
ولا تُعيد نتائج الدراسة الجديدة تشكيل فهم العلماء للتعلم فحسب، بل تقدم أيضاً رؤى مثيرة بشأن تطور الجهاز العصبي.
كيف نتعلم؟
التعلم عملية مُعقدة للغاية، عند البشر وغيرهم من الحيوانات، وفي قلب عملية التعلم من الناحية البيولوجية تحدث تغييرات داخل الشبكات العصبية في الدماغ، ولأن اللبنات الأساسية للجهاز العصبي هي الخلايا العصبية، تتواصل ملايين من تلك الخلايا مع بعضها البعض من خلال هياكل تسمى المشابك العصبية، وغالباً ما يتضمن التعلم تغييرات في قوة وكفاءة الاتصالات المتشابكة، ثم تبدأ تلك الخلايا في إعادة تنظيم نفسها من خلال تكوين روابط عصبية جديدة بالمرونة العصبية تقوم بتقوية المشابك العصبية، أو إضعافها، من أجل تثبيت المعلومات وتشفيرها، أو محوها.
وتلعب الرسل الكيميائية التي تسمى الناقلات العصبية دوراً حاسماً في التعلم، فعندما تتواصل الخلايا العصبية عبر المشابك العصبية، يتم إطلاق الناقلات العصبية التي تؤثر على توازن وتوافر الناقلات العصبية، مثل الدوبامين والسيروتونين والغلوتامات، وتحث عملية التعلم والتحفيز.
بعد ذلك يتم تخزين الذكريات في أجزاء مختلفة من الدماغ المركزية، بما في ذلك الحصين والقشرة، وتتضمن عملية تعزيز الذاكرة تقوية الروابط العصبية، ما يسهل استرجاع المعلومات لاحقاً. تتمتع قناديل البحر، بتاريخ تطوري طويل وتعتبر من أقدم الحيوانات التي ظهرت على الأرض، ويصعب تحديد التوقيت الدقيق لظهورها بدقة بسبب السجل الأحفوري المحدود للكائنات الرخوة.
ومع ذلك، بناءً على الأدلة المتاحة، يقدر العلماء أن الكائنات المجوفة، والتي تشمل قنديل البحر، ظهرت خلال فترة ما قبل الكمبري المتأخرة، والتي تمتد من حوالي 541 إلى 1000 مليون سنة مضت. وتنتمي قناديل البحر إلى مجموعة من الحيوانات القديمة البسيطة المعروفة باسم اللاسعات، لا تشمل هذه المجموعة قناديل البحر فحسب، بل أيضاً الشعاب المرجانية وشقائق النعمان البحرية والهيدرات.
وتتميز اللاسعات بخلاياها اللاذعة المتخصصة التي تسمى الخلايا اللاسعة، والتي تستخدمها لالتقاط الفريسة والدفاع. وعلى عكس العديد من الحيوانات، بما في ذلك البشر، لا تمتلك قناديل البحر دماغاً مركزياً بالطريقة التي نتصور بها الدماغ عادةً. إذ لديها نظام عصبي بسيط نسبياً يتكون من شبكة فضفاضة من الخلايا العصبية، تُعرف أيضاً باسم الشبكة العصبية.
وتنتشر هذه الشبكة العصبية في جميع أنحاء الجسم، وتتركز بشكل أساسي في الطبقة الخارجية من الجلد وهياكلها المتخصصة التي تسمى "الروباليا".