شفق نيوز/ حذر تقرير جديد من ارتفاع معدلات انبعاثات الكربون الناتجة عن حرائق الغابات على مستوى العالم، في ظل المخاطر المتزايدة جراء موجات الاحترار وتغير المناخ، وفقًا لما جاء في دورية Earth System Science Data.

وأضاف التقرير، الذي أعده فريق علمي دولي متعدد التخصصات، أن الانبعاثات من حرائق الغابات الشمالية الكندية تفوق المتوسط بأكثر من 9 أضعاف خلال العقدين الماضيين، وساهمت بنحو ربع الانبعاثات العالمية.

وأشار التقرير إلى أن "الإمكانات المتزايدة لاندلاع حرائق الغابات في ظل تغير المناخ تشكل مصدر قلق ملح، فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ترتفع وتيرة وشدة الجفاف والطقس الملائم للحرائق، ما يؤدي إلى انخفاض الرطوبة في الغطاء النباتي وتجهيز الغابات لحرائق أكثر شدة وكثافة".

كانت حرائق الغابات غير المسبوقة في كندا وأجزاء من الأمازون العام الماضي أكثر احتمالية بثلاث مرات على الأقل بسبب تغير المناخ، وساهمت في ارتفاع مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الحرق على مستوى العالم.

ويتناول التقرير حالة حرائق الغابات الشديدة لموسم الحرائق 2023-2024 ويشرح أسبابها، ويقيم ما إذا كان من الممكن التنبؤ بالأحداث، ويقيم كيف سيتغير خطر الأحداث المماثلة في المستقبل، في ظل سيناريوهات مختلفة لتغير المناخ.

وذكر التقرير أن موسم الحرائق كان هادئاً في السافانا الإفريقية، وإلا لكان موسم الحرائق سيحقق رقماً قياسياً جديداً في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم.

بالإضافة إلى توليد انبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، أدت الحرائق في كندا إلى إخلاء أكثر من 230 ألف شخص وفقدان ثمانية من رجال الإطفاء حياتهم. كما شوهد عدد غير عادي من الحرائق في الأجزاء الشمالية من أميركا الجنوبية، وخاصة في ولاية "أمازوناس" البرازيلية والمناطق المجاورة لبوليفيا وبيرو وفنزويلا، مما أدى إلى واحدة من "أسوأ تصنيفات جودة الهواء على هذا الكوكب".

وفي أماكن أخرى من العالم، أدت حرائق الغابات الفردية التي اشتعلت بشدة وانتشرت بسرعة في تشيلي وهاواي واليونان إلى مئات الوفيات، وكانت لها تأثيرات كبيرة على المجتمع والاقتصاد والبيئة.

بجانب تغير المناخ، يرجع اندلاع الحرائق إلى عوامل متعددة تشمل الأنشطة البشرية، وتغيرات استخدام الأراضي، والتحولات البيئية. أصبحت حرائق الغابات شائعة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، مع وقوع أحداث متطرفة في مناطق مثل أستراليا والولايات المتحدة الغربية وسيبيريا وأوروبا وأميركا الجنوبية.

ومن بين الأحداث البارزة: حرائق الغابات في "الصيف الأسود" بأستراليا بين عامي 2019 و2020، وموسمي حرائق الغابات في عامي 2020 و2021 في غرب الولايات المتحدة، والحرائق غير المسبوقة في عامي 2023 و2024 في كندا وأجزاء من أميركا الجنوبية.

وعلى الرغم من الانخفاض العام في المساحة المحروقة عالمياً منذ بداية القرن الحادي والعشرين، والذي يرجع أساساً إلى قلة الحرائق في السافانا الإفريقية، فقد شهدت مناطق محددة مثل شرق سيبيريا وغرب الولايات المتحدة وكندا زيادة كبيرة في المساحة المحروقة عالمياً.

وذكر التقرير أن هذه الزيادة في حرق الغابات والأراضي الخثية مثيرة للقلق بشكل خاص بسبب الخدمات البيئية الغنية التي توفرها هذه المناطق، بما في ذلك تخزين الكربون والتنوع البيولوجي. وأضاف التقرير أن "أحداث حرائق الغابات الشديدة الأخيرة خلفت تأثيرات عميقة على المجتمع والنظم البيئية في جميع أنحاء العالم".

منذ عام 1990، تسببت حرائق الغابات في مقتل أو إصابة ما لا يقل عن 18 ألف شخص بشكل مباشر، رغم أن الرقم الفعلي قد يكون أعلى بسبب السجلات غير المكتملة والتحيزات في إعداد التقارير.

ونظراً لأن الانبعاثات البشرية من ثاني أكسيد الكربون تظل مرتفعة، فإن دور أحواض الكربون الطبيعية في الغابات والأراضي الخثية والنظم البيئية الأخرى أصبح حاسماً في تعديل تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وقد أدت الانبعاثات الهائلة من حرائق الغابات من الغابات الشمالية، خاصة في سيبيريا وكندا، إلى تدفق إجمالي مماثل لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية من المناطق الصناعية الكبرى، مما يشكل تحدياً كبيراً للجهود الوطنية والدولية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية.

وقال الدكتور "ماثيو جونز"، المؤلف الرئيسي للتحليل هذا العام وزميل الأبحاث في مركز تيندال لأبحاث تغير المناخ في جامعة "إيست أنجليا" البريطانية: "في العام الماضي، شهدنا حرائق الغابات تقتل الناس وتدمر الممتلكات والبنية التحتية، وتتسبب في عمليات إخلاء جماعية، وتهدد سبل العيش وتضر بالنظم البيئية الحيوية". وأضاف: "أصبحت حرائق الغابات أكثر تواتراً وكثافة مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، ويعاني المجتمع والبيئة من العواقب".

وأشار التقرير إلى أن فقدان مخزونات الكربون من الغابات الشمالية في كندا والغابات الاستوائية في أميركا الجنوبية له آثار دائمة على مناخ الأرض؛ إذ تستغرق الغابات من عقود إلى قرون للتعافي من اضطرابات الحرائق، ما يعني أن سنوات الحرائق الشديدة مثل 2023-2024 تؤدي إلى عجز دائم في تخزين الكربون لسنوات عديدة مقبلة.

وأضاف الدكتور "جونز": "تم تسجيل ما يقرب من عقد من انبعاثات الكربون من الحرائق في موسم حرائق واحد يقدر بأكثر من 2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في كندا وحدها، مما يؤدي إلى زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي".

وركز التقرير على شرح أسباب انتشار الحرائق الشديدة في ثلاث مناطق: كندا، وغرب الأمازون، واليونان. لقد تحول طقس الحرائق بشكل كبير في جميع المناطق الثلاث مقارنة بعالم دون تغير المناخ، مما أدى إلى زيادة احتمالات اندلاع حرائق شديدة في عامي 2023 و2024 بثلاث مرات على الأقل في كندا، وبعشرين مرة في الأمازون، ومرتين في اليونان.

وأظهرت النماذج المناخية المستخدمة في التقرير أن وتيرة حرائق الغابات الشديدة ستزداد بحلول نهاية القرن، خاصة في السيناريوهات المستقبلية إذا تظل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مرتفعة.

وأشار التقرير إلى أنه وفي ظل سيناريو انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من المتوسطة إلى المرتفعة، ستصبح حرائق الغابات المماثلة في الحجم لموسم 2023-2024 أكثر شيوعاً بست مرات في كندا بحلول عام 2100. وقد تشهد منطقة الأمازون الغربية موسم حرائق شديدة مثل موسم 2023-2024 أكثر تكراراً بثلاث مرات تقريباً، وبالمثل، من المتوقع أن تتضاعف وتيرة اندلاع حرائق على نطاق تلك التي شهدتها اليونان خلال الفترة 2023-2024.

وصرح "دوغلاس كيلي"، المؤلف المشارك في الدراسة وكبير علماء الحرائق في مركز المملكة المتحدة لعلم البيئة والهيدرولوجيا، أن "طالما استمرت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الارتفاع، فإن خطر اندلاع حرائق الغابات الشديدة سوف يتصاعد".

ويمكن تقليل الزيادة في احتمالات اندلاع حرائق الغابات الشديدة في المستقبل من خلال تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. كما يمكن الحد من احتمالات اندلاع حرائق شديدة في المستقبل باتباع سيناريو الانبعاثات المنخفضة، ففي غرب الأمازون، من المتوقع ألا يكون تواتر الأحداث مثل 2023-2024 أكبر في عام 2100 مما هو عليه في العقد الحالي في ظل سيناريو الانبعاثات المنخفضة.

ومهما كان سيناريو الانبعاثات الذي نتبعه، فإن مخاطر حرائق الغابات الشديدة ستزداد في كندا، مما يسلط الضوء على أن المجتمع لا يجب أن يخفض الانبعاثات فحسب، بل يجب أن يتكيف أيضاً مع مخاطر حرائق الغابات المتغيرة، حسب ما يقول "كيلي".

وتسلط هذه التوقعات الضوء على الحاجة الملحة إلى الحد بسرعة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، وإدارة الغطاء النباتي لتقليل مخاطر وتأثيرات حرائق الغابات الشديدة بشكل متزايد على المجتمع والنظم البيئية.

وبالنسبة لموسم 2024-2025، أشارت التوقعات إلى استمرار احتمالية الطقس الحار والجاف والعاصف للحرائق في أجزاء من أميركا الشمالية والجنوبية، مما قد يوفر ظروفاً مواتية لحرائق الغابات في كاليفورنيا، وألبرتا، وكول.

المصدر: الشرق