اعتقد المصريون القدماء في الحياة بعد الموت، لذلك عمدوا إلى تحنيط أجساد موتاهم، إلا أن أسرار عملية التحنيط المعقدة هذه فُقدت إلى حد كبير خلال مراحل التاريخ المختلفة.
ولذلك حاول العلماء المعاصرون، في دراسة جديدة، تكرار عملية التحنيط على ساقين بشريتين حاليتين، ومراقبة التغيرات التي ستحدث في هذه الأطراف بمرور الوقت، للتأكد من دقة النتائج.
واستخدم الباحثون في هذه الدراسة ساقي إمرأة تبرعت بجسدها من أجل العلم، وحاولوا تطبيق اثنين من التقنيات التي يعتقدون أنها كانت تستعمل في عمليات التحنيط في مصر القديمة.
أولا استخدموا الحرارة الجافة لتجفيف لحم الساق، إذ كان باعتقادهم أن المصريين القدامى كانوا يستخدمون هذه الطريقة، إلا أن هذه الطريقة فشلت، وكان لابد من التخلي عنها بسبب الرائحة الكريهة التي انبعثت خلال العملية.
وفي المحاولة الثانية( الطريقة الثانية) اعتمد الباحثون على تقليد التقنية التي استخدمت في عصر الدولة الحديثة لقدماء المصريين، بين عامي 1550 و 1064 قبل الميلاد، وحققت هذه الطريقة نجاحا أكبر بكثير، حيث وضع الباحثون أحد الساقين في حمام من "النطرون"، وهو مزيج طبيعي من الملح وبيكربونات الصوديوم الذي استخدمه المصريون القدماء، وتمكن الباحثون بهذه الطريقة من تحنيط الساق بنجاح.
وبالرغم من ذلك وجدوا أن العملية استغرقت وقتا أطول بكثير مما تدعيه السجلات التاريخية، التي أتى معظمها من المؤرخ اليوناني القديم "هيرودوت"، الذي عاش خلال القرن الخامس قبل الميلاد.
حيث ذكر هيرودوت في وثائقه إن عملية التحنيط تستغرق فقط 70 يوما في محلول النطرون، بينما ادعت نصوص تاريخية أخرى، ومنها نصوص ديودوروس الصقلي من القرن الأول قبل الميلاد، أن الجثة كانت تترك في النطرون لمدة تتراوح بين 30 و 40 يوما.
إلا أن الباحثين المعاصرين الذين قاموا بالتجربة وجدوا أن عملية تحنيط الساق البشرية تماما استغرقت أكثر من 7 أشهر.
وقال العلماء إن عملهم يمكن أن يساعد الباحثين في عمل دراسات أفضل للمومياوات المصرية القديمة، ويمكن باستخدام هذه الطريقة إعادة بناء هيئات المومياوات، لمعرفة كيف كانت تبدو أثناء حياتها، كما قد تساعد المؤرخين في تتبع أي ضرر أو تحلل يمكن أن يصيب المومياوات المحفوظة في المتاحف. وقالت الدكتورة "كريستينا باباجيورجوبولو" عالمة الآثار من كسانتي في اليونان، والتي قادت فريق العمل: "إن طريقة التحنيط القديمة قد تغيرت عدة مرات خلال 3000 سنة من التطبيق، وكما ذكر هيرودوت، كانت التقنيات تختلف اعتمادا على السعر المدفوع، ونحن نعتقد الآن أن المومياوات القديمة المدفونة في الصحراء المصرية تعرضت للجفاف وعدم التحلل بسبب الحرارة الجافة القاسية هناك، ومع مرور الوقت بدأ المصريون في تجريب طرق مختلفة للسيطرة على العملية بشكل كامل، دون الحاجة لتدخل العوامل الطبيعية، حيث بدأ المحنطون مع الوقت بإزالة أحشاء الشخص من خلال شقوق صغيرة في الجثة، وكانوا يستخرجون المخ من فتحات الأنف". وتضيف: "بعدها كان يتم تعقيم تجاويف الجثة قبل وضعها في النطرون، الذي يستنزف تدريجيا سوائلها ، وبالتالي يمنعها من التعفن، ثم يتم لف الجثة في شرائط الكتان قبل عملية الدفن". وخلال الدراسة، التي نشرت في عدد خاص من مجلة journal The Anatomical Record، قامت الدكتورة كريستينا وزملاؤها باستخدام ساقي امرأة توفيت في زيوريخ، وتم بتر ساقيها بعد 24 ساعة من وفاتها.