شفق نيوز/ أفاد استطلاع رأي عالمي بأن تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي ستقضي على أربع وظائف اعتباراً من العام الحالي وحتى العام 2030.
وشهدت تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي تطوراً مذهلاً منذ نهاية عام 2022 وحتى يومنا هذا، حيث يعتبر هذا التطور السريع، جزءاً من الثورة التكنولوجية الحديثة، ونقطة تحول مهمة في تاريخ التقنيات التي تعمل على جعل الأنظمة الآلية تحاكي الذكاء البشري، وفقاً لموقع "سكاي نيوز عربية".
وما يزال التقدم الذي يحققه الذكاء الاصطناعي التوليدي، يثير تساؤلات كبيرة، حول مدى تأثير هذه التكنولوجيا على سوق العمل والوظائف، فالذكاء الاصطناعي يشكل مزيجاً من التحديات والفرص للقوى العاملة، وأصحاب العمل على حد سواء، وهذا ما يتطلب تحليلاً شاملاً للتحولات التي قد تحدث في طبيعة العمل، وأنواع الوظائف المتاحة، ومهارات القوى العاملة.
استطلاع رأي عالمي
وقد أظهر أحدث استطلاع عالمي أجرته شركة "McKinsey" للاستشارات حول الذكاء الاصطناعي وتم نشر نتائجه الأسبوع الماضي، أن الشركات في العالم تتجه في خطة متسارعة، لتبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالها، حيث قال 65% من المشاركين في الاستطلاع، أن مؤسساتهم تستخدم الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي بانتظام، وهذا الرقم الجديد يمثل ضعف النسبة المئوية التي تم تسجيلها في استطلاع أجرته الشركة نفسها قبل عشرة أشهر من الآن.
وبحسب استطلاع الشركة الذي اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن عام 2024 هو العام الذي بدأت فيه المؤسسات حقاً في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، واستخلاص قيمة الأعمال منه، حيث توقع ثلاثة أرباع المشاركين أن يؤدي الجيل الجديد للذكاء الاصطناعي، إلى تغيير كبير أو مدمر في صناعاتهم في السنوات المقبلة، في حين أبلغت العديد من المؤسسات، أنها بدأت بالفعل في تحقيق فوائد مادية من استخدام هذه التكنولوجيا، مع تسجيلها لانخفاض في التكاليف وقفزات في الإيرادات وذلك ضمن وحدات الأعمال التي يتنشر فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وأجرت الشركة الاستطلاع في الفترة الممتدة من 22 شباط/ فبراير إلى 5 آذار/ مارس 2024، وشمل 1363 مشاركاً، يمثلون مجموعة متنوعة من المناطق والصناعات، وأحجام الشركات والتخصصات الوظيفية والمناصب الوظيفية، حيث قال 981 مشاركاً إن مؤسساتهم اعتمدت على الذكاء الاصطناعي في وظيفة عمل واحدة على الأقل، في حين قال 878 مشاركاً إن مؤسساتهم تستخدم الذكاء الاصطناعي، بشكل منتظم في وظيفة واحدة على الأقل.
وكشف الاستطلاع أن نسبة استخدام الذكاء الاصطناعي العام أي الجيل الجديد والجيل القديم من هذه التكنولوجيا، ارتفعت في جميع مناطق العالم، حيث كانت أكبر الزيادات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والصين، وبالنظر إلى الصناعات التي شهدت أكبر زيادة في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي فهي غالباً تلك التي تتعلّق بالخدمات المهنية مثل التسويق والمبيعات وتطوير المنتجات والخدمات، إضافة إلى قطاع الطاقة.
الوظائف "الضحية"
ووفقاً لتقرير أعدته مجلة "فورتشن" واطلع عليه موقع "سكاي نيوز عربية"، تقول مديرة معهد "ماكينزي" العالمي كويلين إلينجرود، إن الوقت حان لأخذ الذكاء الاصطناعي على محمل الجد، بغض النظر عن نوع الصناعة، مشيرة إلى أن الطلب على الوظائف سيرتفع في عدد قليل من الصناعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والبناء والتعليم، في حين سيكون الذكاء الاصطناعي التوليدي قادراً من اليوم وحتى عام 2030 على اقتناص وظائف في 4 مجالات هي، المساعدة الإدارية، خدمة العملاء أو المبيعات، خدمة الطعام، الإنتاج والتصنيع.
وشددت إلينجرود على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيغير طبيعة العمل الذي يقوم به البشر، فهو سيؤثر على نحو 30% من أنشطتهم، ولكنه لن يلغي وظائفهم، إلا أنه بالنسبة لهذه الفئات الأربع أي المساعدة الإدارية، خدمة العملاء أو المبيعات، خدمة الطعام، الإنتاج والتصنيع، فسوف يحدث ذلك، حيث ستختفي هذه الأدوار الوظيفية الأربعة.
أرباح بتريليونات الدولارات
من جهة أخرى وجد تقرير حديث لبنك "غولدمان ساكس" أن التطورات المستمرة في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي، من الممكن أن تجلب ما يقرب من 7 تريليونات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إضافة إلى دور هذه التكنولوجيا في تعزيز نمو الإنتاجية بنحو 1.5 نقطة مئوية على مدى العقد المقبل.
وتقول رلى راشد وهي محللة وكاتبة في الشؤون الاقتصادية، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن إمكانات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي لم تعد موضع شك بالنسبة لأحد، ففي حين أن معظم المؤسسات لا تزال في المراحل الأولى من رحلة دمج هذه التكنولوجيا ضمن أعمالها، بدأ العالم في تكوين صورة أوضح عن المجالات الوظيفية التي يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تحقيق نجاحات سريعة بها.
وأشارت إلى أنه يجب على قادة الأعمال المرتبطة بخدمة العملاء والمبيعات وخدمة الطعام والإنتاج والتصنيع أن يكونوا مستعدين لإدارة التغيير الذي ستشهده هذه الوظائف عبر تصميم وتبني مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي الفعالة والقابلة للتطوير لسنوات قادمة، كما عليهم أيضاً أن يكونوا أكيدين أن التغيير الذي يتم الحديث عنه حالياً هو تغيير ثابت لا تراجع فيه.
وبحسب راشد فإنه كان معروفا منذ البداية، أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيبدع في الوظائف التي تعتمد بشكل أساسي على المهام المتكررة، وذلك بفضل قدرة هذه التكنولوجيا، على تحليل البيانات بسرعة هائلة واتخاذ القرارات بناءً على هذه البيانات، ومن هنا يمكن فهم السبب الذي يضع الأدوار الوظيفية المرتبطة بالمساعدة الإدارية وخدمة العملاء والمبيعات وخدمة الطعام والإنتاج والتصنيع، تحت خطر الاختفاء في السنوات القليلة المقبلة، فهذه الوظائف مرتبطة بالتكرار وبتحليل البيانات وهي نقاط تتفوق فيها الآلة الذكية على الإنسان.
وتضيف راشد إنه في الإدارة والمساعدة الإدارية، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم تقارير مفصلة وتحليلات دقيقة، بناءً على البيانات المتاحة بشكل تلقائي دون الحاجة لوجود إنسان، وذلك بمساعدة تقنيات التعلم الآلي، التي تعمل على تحسين أداء العمليات المتكررة مع مرور الوقت، مما سيزيد من كفاءة خدمات المساعدة الإدارية، وهذا الأمر ينطبق ايضاً على خدمة العملاء، التي ستكون محصورة بروبوتات الدردشة، التي تتعلم من التفاعل مع العملاء ومن تحليل البيانات، لتستجيب بسرعة على الاستفسارات الموجهة لها، ما سيزيد من رضا العملاء ويعزز الولاء للعلامة التجارية.
قوة الذكاء الاصطناعي
ولفتت راشد إلى أنه بالنسبة للأدوار الوظيفية المرتبطة بالمبيعات، فإنه يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات بسرعة كبيرة وتوجيه العمليات التسويقية بشكل أفضل من الإنسان، فتحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة لا مثيل لها، يساعد في استخراج الأنماط والاتجاهات والتوقعات المستقبلية، ما سيجعل الآلة أفضل من البشر في أساليب الاقناع عندما يتعلق الأمر بتحقيق مبيعات، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الإنتاج والتصنيع، فالذكاء الاصطناعي يحسن عمليات التصنيع والكفاءة والجودة بناءً على التكرار وعلى البيانات المتوفرة لديه.
وترى راشد أنه باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للمطاعم تحسين كفاءة عملياتها وتقديم تجربة عملاء متفوقة، حيث ستلعب هذه التكنولوجيا دوراً كبيراً في خدمة تحسين عمليات توصيل الطعام وإدارة المطاعم، فمثلاً يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد الأوقات المثلى لتوصيل الطلبيات، وذلك بتحليل البيانات المتاحة مثل حركة المرور والطلبات السابقة وظروف الطقس، كما سيساعد الذكاء الاصطناعي، في تقديم توصيات شخصية للعملاء استناداً إلى تفضيلاتهم السابقة وتاريخ طلباتهم، مما يسهل عليهم عملية اختيار الطلبات وإجراء عمليات الدفع.
تحسين الكفاءة
من جهته يقول مدرب الكوادر البشرية حسين الخطيب، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة غير مسبوقة لتحسين الكفاءة والإنتاجية في الوظائف المبنية على مهام متكررة، مما يتيح للبشر التركيز على المهام الإبداعية والاستراتيجية التي لا يمكن للآلات تنفيذها بنفس الكفاءة، ولكن مع ضرورة إدراك أن هناك تحديات، يمكن أن يجلبها الذكاء الاصطناعي إلى بيئة العمل، والتي تتعلق بقضايا الخصوصية والتفاعل الاجتماعي، إضافة إلى تحديات التنظيم والإدارة.
واعتبر الخطيب أن تحديات الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل، يجب التعامل معها بشكل جدي، خصوصاً لناحية تأمين بيانات العملاء، فتقنيات الذكاء الاصطناعي تتطلب الوصول إلى كميات كبيرة من البيانات الشخصية لتدريب النماذج وتحسين الأداء، حيث يجب على المؤسسات التي تجمع هذه البيانات ضمان حمايتها بشكل فعّال والامتثال للتشريعات واللوائح المتعلقة بالخصوصية وضمان عدم استغلالها لأغراض غير مشروعة أو غير مرغوب فيها، مثل التسويق المستهدف بطرق غير أخلاقية، كاشفاً أيضاً أن استخدام الذكاء الاصطناعي سيتطلب تغييرات في هياكل المؤسسات وعملياتها، عبر تحضير الكادر البشري للتعامل والتعاون مع الأنظمة الجديدة، فنجاح الذكاء الاصطناعي في عالم الأعمال مرتبط بضرورة التكامل بين دور الآلة ودور البشر.
وشدد الخطيب على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيكون بمثابة ميزة تنافسية في سوق العمل، ولكن حتى الساعة لا زلنا في المرحلة الأولى من انتشاره، فهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، قبل رؤية النتائج النهائية لهذه التكنولوجيا في سوق العمل، متوقعاً أن يشهد العالم في المرحلة المقبلة ظهور مهارات جديدة تحتاجها سوق العمل سيكون دورها محصوراً بالبشر.