رحلتي من السويد الى الغردقة ومنها الى قاهرة المعز وندوة الروائي يوسف زيدان ، رحلة تداخلت فيها الازمنة من حاضر وماضٍ ومن شوق للتجوال في بلد طالما كنت ارغب ان اراه عن قرب وأسير في الأزقة وجميع الأماكن لأغمض عيني وادخل التاريخ وأشاهد الاحداث ويداي تتلمس الجدران العتيقة وأخطوا الخطوات تلو الخطوات واعيش الاحداث كلها دون ملل او كلل .
ومن الغردقة إلى القاهرة استحضَرَت الذكريات أمامي رواياته مِن ظِل الأفعى وعزازيل والنبطي وجونتنامو ونور وفردقان وحاكم ، جنون ابن الهيثم وأخيراً الوراق أمالي العلاء ومصر والطريق الصحراوي والرمال التي حفرتها حوافر الخيول وطريق المسافرين ورحلات أُناس غيّروا التاريخ وتركوا لنا الحكايات والعِبَر، شريط سينمائي من الأحداث التي زخرت بها رواياته الممتعة وكأن بوابة الزمن قد فُتِحَت أمامي لأرى تلك الأحداث التي ذكرها في رواياته . البوابة التي اخذتني الى الاماكن التي كان يعيشها السفير والعلامة العلاء القَرشي الدمشقي المعروف بابن النفيس ، ورحلة السفير من الصعيد الى القاهرة والعلاء من دمشق الى المحروسة قاهرة المعز .
وأنا اتجول مع السفير في الاروقة القديمة ونظرات الناس من حولي وأنا أعلم أنهم ينظرون للسفير وليس لي ولكن هذا ما تخيلته في قرارة نفسي فجأة لمحت شخصاً يراقب الوضع من بعيد اراه يكتب ويوهم الآخرين انه يقرأ نسخة خطية بين يديه كل مايدور حوله وعينيه تراقبان المكان بشغف غريب ، وانا متأكد أنه لم يراني ولا يعنيه وجودي فالمهم هو السفير وهو في طريقه الى العلاء بعد ان طلب منه القدوم إليه ، نظرت الى الوراق وهو مشغول البال .
بقيت في مكاني انتظر الرجل المتخفي خلف السفير وكأنه يقول لي هذا الذي ترافقه هو نصري بن قاسم بن عبد المجيد الجعفري الشريف ، نعم انه هو فقد اخفى خاله عن الناس اصله وجعله عند الناس اسمه عبد الله بن محمد بن عبد الله ، التفت فلم اجد الوراق قريباً مني ولكنني وجدته عندما مشيت وراء الرجل الغريب لعلمي بأنه يراقبه ومن المستحيل أن يتركه بعيداً عن ناظريه .
قد يكون الوراق هو ايضاً لاحظ ذلك الرجل وبدأت الشكوك والخوف يعتريانه لأنه لا يريد أن يعرفه احد في القاهرة لأنها ستكون نهايته في المحروسة اكيدة ، والقلق من انكشاف امره ووحشية المماليك ومن الممكن انه أراد ان يفاجأه بالسؤال لكنه ارتأى الصبر وقد يكون وهماً على اية حال استمر بالمسير وقال ما لنا صالح .
وأنا في مجلس العلاء وفي داره خلف السفير وهو ينظر الى ضيوف العلاء من كبار المماليك الذين كانوا في الأصل عبيداً من الاتراك شعرت بحركة غريبة خلفي التفت ووجدت ذلك الرجل يكتب كل مايدور في المجلس واستغربت كيف دخل ومن سمح له بالدخول لعلمي بأن حراس الأمير حسام الدين طرنطاي لا يسمحون للغرباء بالدخول ، وقلت ما لنا صالح كما يقول السفير .
رافقنا الرجل في كل مكان يذهب اليه السفير والعلاء وأنا معهم في رحلة طويلة مليئة بالأحداث من دواء وعلاج وحروب وغدر وقتل وحسرات وآهات ورحيل العلاء . ما لنا صالح .
خيالي الواسع ومرافقة السفير والعلاء وذلك الرجل وصلنا قالها صديقي العزيز وضحكات من رافقني في رحلتي ، انها القاهرة ، لقد كنت في عالم آخر ولم تكن معنا قالوها لي ، تركتهم ودخلت برفقة الصديقة القاهرية العزيزة القاعة التي فيها الندوة التي أتيت من أجلها وأنا أنظر إلى الكاتب يوسف زيدان وهو يتحدث عن رواية الوراق وأمالي العلاء وقلت في قرارة نفسي انه هو ذلك الرجل ، انه يوسف زيدان كاتب من ذاك الزمان