لم يكن إقصاء لاهور شيخ جنكي من واجهة القرار داخل الاتحاد الوطني الكردستاني خطوة عابرة أو مجرد نتيجة لخلافات عائلية داخل "بيت الطالباني"، بل جاء انعكاسًا لتشابك الأبعاد الإقليمية مع الطموحات الداخلية. فالمعادلة التي رسمت مسار الأحداث حملت في طياتها ضمانًا لإيران بمواصلة نفوذها في السليمانية، ومنحت بافل طالباني فرصة الانفراد بالسلطة، فيما تركت وحدة البيت الكردي تدفع الثمن الأكبر.

البعد الإيراني: حسابات النفوذ

منذ عقود، تنظر طهران إلى السليمانية باعتبارها مجالًا استراتيجيًا لنفوذها. جناح الاتحاد الوطني بقيادة عائلة طالباني لطالما كان الأقرب إلى المزاج الإيراني، بحكم العلاقات التاريخية، والمرونة السياسية التي يوفرها في العلاقة مع بغداد. من هنا، فإن أي شخصية كردية تحاول الخروج عن هذه المعادلة – مثل لاهور شيخ جنكي – تصبح مصدر قلق.

لاهور، الذي حاول بناء علاقات مع الأميركيين ومع قوى كردية في أربيل، بدا لطهران لاعبًا غير مضمون، وهو ما يفسر لماذا رحبت إيران، بل وساهمت بشكل غير مباشر، في تحجيمه وإضعاف نفوذه.

لكن لا يمكن حصر المشهد في البعد الإقليمي فقط. فالصراع على النفوذ داخل "بيت الطالباني" بين بافل ولاهور ليس وليد اليوم، بل تراكم عبر سنوات من التنافس على جهاز الأمن، مصادر التمويل، والزعامة الحزبية.

بافل طالباني، مدعومًا بغطاء إقليمي ودعم غير مباشر من أطراف في بغداد، استغل اللحظة المناسبة للتخلص من منافسه الداخلي، ليصبح الزعيم الفعلي بلا منازع داخل الاتحاد الوطني الكردستاني.

من الرابح والخاسر؟

الرابح المباشر هو بلا شك بافل طالباني، الذي عزز سلطته وأحكم قبضته على القرار السياسي والعسكري في السليمانية. أما الرابح الاستراتيجي فهي إيران، التي ضمنت أن يبقى الاتحاد الوطني قريبًا من مصالحها، ويحول دون أي محاولة كردية للانفتاح على واشنطن أو أطراف إقليمية منافسة. حتى بغداد وجدت نفسها مستفيدة من الانقسام الكردي، لأنه يضعف الجبهة الكردية الموحدة في ملفات النفط والميزانية والمناطق المتنازع عليها.

لكن الخاسر الأكبر، برأيي، هو وحدة الصف الكردي ومكانة إقليم كردستان. فإقصاء لاهور لم ينهِ خلافًا داخليًا بقدر ما عمّق الانقسام، وترك الساحة أكثر هشاشة في مواجهة التحديات مع بغداد والجوار.

رأيي

ما حدث مع لاهور شيخ جنكي ليس مجرد إزاحة شخصية من موقعه، بل هو محطة تكشف هشاشة البيت الكردي أمام الضغوط الإقليمية والصراعات العائلية. إيران لعبت دور الضامن لمصالحها، وبافل طالباني عزز سلطته، لكن كردستان فقدت توازنًا سياسيًا كان يتيح لها التفاوض بلسان موحد.

أعتقد أن استمرار هذا المسار يعني مزيدًا من الانقسام الكردي، وضعفًا في الموقف التفاوضي للإقليم، وربما تفككًا أكبر في بنية الاتحاد الوطني نفسه. وإذا لم تظهر قيادة قادرة على تجاوز الحسابات الضيقة لمصلحة الكل الكردي، فإن الخاسر لن يكون جناحًا دون آخر، بل المشروع الكردي بأسره.