نشاط دبلوماسي مكثف وسريع قام به رئيس إقليم كردستان "نيجيرفان بارزاني" لاذابة الجليد بين الحزبين المتصارعين والمهيمنين على سلطة الإقليم لفترة امتدت نحو 30 عاما ، الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني ، ونزع فتيل ازمة سياسية عميقة كادت ان تعرض السلم الأهلي الى خطر محدق في الإقليم المثخن بالمشاكل الاقتصادية والسياسية والمثقل بالمؤامرات الإقليمية ، والاستهدافات الإرهابية "الداعشية"و"الميليشياوية" اليومية والتجاوزات السافرة على حقوقه الدستورية من قبل الأحزاب الولائية الحاكمة في بغداد .
استطاع "نيجيرفان" في غضون يومين فقط من وقف الحرب الاعلامية المشتعلة بين الحزبين وتهدئة الأوضاع والتخفيف من حدة التوتر الناجم عن اختيار مرشح لمنصب رئيس الجمهورية ، ومن ثم جمع قادة الجانبين على طاولة حوار واحدة والخروج بصيغة تفاهم أولية تقضي بنبذ الاختلاف والتفرقة تمهيدا لعقد اتفاق جديد يعيد ترتيب البيت الكردي وفق توافقات سياسية جديدة ، وقد اثبت انه رجل دولة بامكانه قيادة البلد الى برّ الأمان ، لو قدر له ان يكون رئيسا للجمهورية ، وقد طلب منه"مقتدى الصدر" فعلا ان يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية في لقاء جمعهما في حنانة نهاية شهر يناير 2022 بحسب مشعان الجبوري! ، فهو يحظى بمقبولية لدى الكرد وكافة الشرائح السياسية والاجتماعية العراقية السنية والشيعية على حد سواء ، و ما سرعة استجابة حزب "الطالباني" و الأطراف السياسية الاخرى لمبادرته السياسية الا جانب من هذا التقدير الذي يحظى به رغم الاختلافات السياسية العميقة بين الحزبين!
ومن طرفها سارعت المنظمة الأممية UN من خلال ممثلتها في العراق "جنين بلاسخارت" الى تأييد المبادرة التي لم تكن مبادرة واحدة بل مبادرات عديدة ؛ مبادرة لحل النزاع الداخلي في الإقليم ومبادرة لتوحيد البيشمركة ودعوة الأحزاب والحزبين الرئيسيين ولأول مرة الى سحب يدهما من البيشمركة وعدم زج المؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية ، ومبادرة أخرى لانهاء الانسداد السياسي في العراق وكذلك مبادرة ؛ للحكومة العراقية بالتعامل مع البيشمركة كجزء من المنظومة الدفاعية مثلما ورد في الدستور لا التعامل معها كقوة عسكرية هامشية خارج المنظومة!
وأيضا دعوته لبغداد بحل الخلافات العالقة مع الإقليم وتخفيف الضغط المتواصل عليه ، فلا يمر يوم دون ان تثير حكومة بغداد والميليشيات التي تتحكم في مفاصلها مشكلة جديدة معه تضاف الى المشاكل الكثيرة التي تراكمت وتركت دون حل ، مارست كل أنواع العداء السافر ضد أربيل التي تحولت الى هدف دائم لاحقادها الطائفية والعنصرية ، وقد اقر مقتدى الصدر بهذه الحقيقة في تغريدة له قال فيها ؛" أربيل تحت مرمى نيران الخسران والخذلان، وتحت طائلة التجويع .. وكأن الكرد ليسوا عراقيين، بل هم رئة العراق وجزؤه الذي لا يتجزأ، ولن تركع أربيل الا للاعتدال والاستقلال والسيادة!" ورغم اعتراف"الصدر" ان الشعب الكردي تحول الى هدف للقمع العراقي ، فلم يتحرك قيد انملة لنصرته ورفع الحيف عنه رغم دخوله في تحالف "ثلاثي" معه!
بغداد ومعها الأحزاب والفصائل الولائية لا تريد إيذاء أربيل والتعمد في تمريغ كرامتها في التراب فحسب ، بل تريد ان تجردها من كل حقوقها الدستورية والقانونية وتلغي كيانها وتوقف تنميتها العمرانية وتحويلها الى مدينة اشباح كباقي المحافظات الجنوبية!
وهي تستخدم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لمحاربتها والنيل منها ، البرلمان والمحكمة العليا وهيئة الاعلام والقنوات الفضائية الحكومية وهيئة النزاهة والوزارات المالية والنفط و.. وتستخدم كل وسيلة لقمعها ، فرضت الحصار عليها منذ 2014 وقطعت الميزانية ورواتب الموظفين عنها واستهدفتها بالصواريخ والدرونات ، عقوبات جماعية عدوانية لاحصر لها.
والرئيس "نيجيرفان" يدرك صعوبة التوصل الى اتفاق قطعي ونهائي مع بغداد في ظل هيمنة هذه الفصائل الإرهابية التي تشكل دولة قوية "عميقة" داخل الدولة العراقية ، لكنه مع ذلك يواصل مخاطبة الساسة في الدولة الرسمية ان يبادروا الى السلم السياسي ومنع المتطرفين في اثارة الضغائن والاحقاد الطائفية والعنصرية ضد الكرد وإقليم كردستان ، فهل ينجح "بارزاني" في مسعاه لجر بغداد الى حوار جدي يفضي الى اتفاق يخفف من حالة الاحتقان السياسي القائم ، كما نجح مع قادة الأحزاب الكردية؟!