أجرى هاقان فيدان زيارةً دبلوماسية أمنية استراتيجية مفاجئة إلى إيران،الأحد، المصادف 30/11/2025، عقدَخلالها جلسةَ مباحثات أمنية هامّة مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، والرئيس مسعود بزشكيان، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وعلي لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وركّزت المحادثات على قضايا سياسية وأمنية تتعلق بالمنطقة.
تناولتِ المباحثاتُ الملفاتِ الأمنيةَ للمنطقة المُمتدَّة من القوقاز إلى غزة، مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان، إلى جانب الملفات الاقتصادية وملفات الهجرة والحدود والقنصليات، واتّفق الجانبان على التنسيق لمواجهة التوترات الإقليمية في الملفات الرئيسية التالية:
1- قيامُ إيران بسحب الدعم اللوجستي عن عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) في قنديل، والتعاون في تجريد السلاح عن حزب الحياة الحرة الكردستاني الإيراني (PJAK)، والتنسيق لإنهاء الإدارة الذاتية في شرق سوريا، ونزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية.
2- التنسيقُ لمواجهة التوسّع الإسرائيلي في المنطقة، باعتباره التهديدَ الأول للطرفين، وبالأخصّ في غزة وسوريا ولبنان.
3- التنسيقُ في القوقاز، وبالأخصّ في ملفَّي أذربيجان ومضيق زنغزور.
هذه الزيارةُ، إلى جانب أهميتها القصوى التي تميّزُها عن سابقاتها، تُعتبَرُ زيارةَ عملٍ وتنسيقٍ استراتيجي في ظلّ وقائعَ وأحداثٍ حاميةٍ تَلفُّ المنطقةَ، ويبدو أنّتركيا تعتقدُ أنّ نجاحَ إسرائيل في إخضاع إيران ووكلائها في المنطقة، سيضعُها أمام نفس المَصير.
لذلك، فهي أعدَّتِ العُدّةَ، وجهّزتْ قوّاتَها، للقيام بتوغُّلٍعسكري في شمال سوريا والعراق، بالتنسيق مع حكومةِالشرع، والنظامِ الإيراني، وستَندلِعُ الحربُ، بعد أنْ تقومَإسرائيلُ بهجومِها المُرتقَبِ على لبنان في الأسابيع القادمة، إذ ستَعتبِرُه تركيا تدخُّلًا غيرَ مشروعِ، يستهدفُ كاملَ المنطقة، ويُحرِّضُ الإدارةَ الذاتية على التّملُّصِ من الاتفاق المُبرم مع الشرع، ويعيقُ نزعَ سلاح حزب العمال الكردستاني، وسيجدُه الحرسُ الثوري فُرصةً لتعزيز تواجُدِه في سوريا ولبنان، ودعمِ حزب الله في مواجهة إسرائيل.
وفي خِضَمِّ هذا التنسيق التركي-الإيراني، وهذه الحربِالمُستعِرَةِ، قد تدفعُ إيرانُ فصائلَ الحشد الولائي للحرب، رغم التحذير الأمريكي بعدم التدخّل في الهجوم الإسرائيلي المُرتَقب على حزب الله في لبنان، عندئذٍ، سيدخلُ العراقُ وإيرانُ الحربَ، رغم أنفِهما.
الرئيسُ أردوغان في حاجةٍ ماسّةٍ لهذه الحربِ، والمواجهةِمع إسرائيل في سوريا، وذلك لتحشيدِ قواعدِه، المُتشكِّلة أساسًا من التيارَينِ الإسلامي والقومي، وتَوجيهِها لإعادةِ انتخابِه للمرّة الأخيرة، فحربُ تركيا مع الأكراد، تُحشِّدُ التيارَ القومي التركي حول الائتلاف الحكومي، والمواجهةُ مع إسرائيل، سواء بمعارك عسكرية محدودة، أو بدونها، ستُحشِّدُ التيارَ الإسلامي حوله.. والتياران ينتظران هذه الأحداث، ويُسوِّقَانِ للعديد من السيناريوهات بخصوصها.
كافّةُ المؤشّرات السياسية والأمنية، في الأشهر القليلة الماضية، تؤكّدُ اشتعالَ حربٍ محلية، يَتمخَّضُ عنها وضعٌجديدٌ، وأنظمةُ حكمٍ جديدة في المنطقة، وستَتهيَّأُالأرضيةُ لتحالفٍ كردي تركي رصينٍ، وبدعمٍ دوليٍّ.
وقد وضعَ نتانياهو مسك الختام على تلك المُؤشّرات، حينما قال: "في الأشهر المقبلة سيشهد الشرق الأوسط أحداثا غير عادية. نحن نشهد على جزء منها هذه الأيام. التفاهمات التي يجري العمل عليها بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية ودول أخرى، هو أمر يتطلب استعدادات هائلة، وجهودا دبلوماسية وأمنية على مدار الساعة".
واللبيبُ من الإشارة يفهمُ.. الأشهرُ الثلاثة القادمة في غاية الحسّاسية، سنشهدُ فيها، جِديّةَ الأطراف، وقُدرتَها على إدارة دفّة الصراع، وسيَتجلّى لنا تَمييزُالجهاتِ التي تُخطّطُ لتحقيق مصالحها عن الجهاتِ التي تُحقّقُ مصالحَ الآخرين