بعد أن استنفدنا كل طرق المناشدة داخل العراق، من المجلس المحلي، إلى هيئة النزاهة، إلى الوزارات المعنية، وصولاً إلى الحكومة الاتحادية… لم يعد أمامنا سوى أن نطرق باب الأمم المتحدة لعلّ صوتنا هذه المرّة يجد آذاناً تسمع، وضمائر تتحرّك، لإنقاذ مدينتنا المنكوبة: سوق الشيوخ.

لقد تعبنا… تعبنا من الكتابة والتوثيق والصراخ والشكوى، من صور الواقع المأساوي الذي يعيشه هذا القضاء في كل مرفق من مرافقه:

خدمات بلدية شبه معدومة

نظافة غائبة

قطاع صحي لا يمتّ للصحة بأي صلة

ذهبت بنفسي لأشتكي حال دائرة من الدوائر إلى أحد أعضاء مجلس النواب، فقال لي بصراحة مؤلمة:

“أعرف، وتصلني عشرات الشكاوى عنه… لكن النائب (فلان) متمسك به.”

أما الصحة والمستشفى… فحدث ولا حرج:

كلاب وقطط تتجول في الممرات قرب المرضى، نفايات في كل زاوية، وأدوية غير متوفرة.

النزاهة تعمل… نعم.

لكنها لا تعمل بحجم الكارثة.

كنت أمام موظف أسأله عن معاملة تخصني، فجاء مواطن يشتكي، فإذا بالموظف يرد عليه بكل صفاقة:

“إذا تشتكي… أعرقل معاملتك.”

وصاحب محل حلاقة أخبرني:

“مرَّ (الملة) من هنا، قلت له عن النفايات المكدسة، فقال لي: لسانك صار طويل!”

والأدهى من ذلك… مدير دائرة مهمّة في المحافظة، يترك مكتبه لأكثر من أسبوعين: ليس لإنجاز معاملات الناس

ولا لمتابعة مشاكل المراجعين

بل يقضي “إجازته الوظيفية”… في حضور التعازي!

---

شوارع تتفطّر بعد أيام قليلة من إكسائها.

مجاري تُدفن ثم يعاد حفرها قبل أن تمر فترة زمنية قصيرة على تنفيذها.

وأحياء كاملة لا تُبلّط أصلاً، لأنّ لا مسؤول يسكن فيها.

هذه ليست أخطاء تنفيذ… ولا سهو إدارات.

هذه جريمة إهمال ممنهج بحق مدينة كاملة.

نمط متكرر حدّ الفضيحة:

مشاريع على الورق

عطاءات لمن لا يستحق

خدمات تُدفن قبل أن ترى النور

ومواطن يُعامل كخطيّة… لا كإنسان له كرامة وحقوق

---

لهذا… قررنا الذهاب أبعد من كل حدود السلطات المحلية، ومجاميع الحمايات السياسية.

بدأنا بجمع تواقيع رسمية لرفع تظلّم إلى الأمم المتحدة، عسى ان يتم تعيين حاكم مدني مهني لإنقاذنا، وانتشال المدينة من هذه الفوضى والإهمال، ومحاسبة من حوّلوها إلى ساحة للإهانة والإذلال.

نحن لم نعد نبحث عن “إصلاح تجميلي”.

نحن نبحث عن إنقاذ.

سوق الشيوخ مدينة الادب والفن المتحضرة والممتده في عمق التاريخ .

إنها مدينة فُشِّلت عمداً.

ونحن لن نصمت بعد اليوم.