الموجة الجديدة من ارتفاعات الاسعار خصوصا للسلع الغذائية ليست طارئة , وانما اصبحت متلازمة للأداء الحكومي , وهذا ما اشعرنا بها مجلس النواب حينما حذر بعض اعضائه منها مع اقبال شهر رمضان المبارك وارتفاع اسعار اللحوم الكبير وبقاء الحصة التموينية حبيسة التصريحات الاعلامية والوعود بالتوزيع المباشر لبعض السلع التي نسمع عنها ولا نراها في نوافذ ثابتة في الاسواق .
هذه الموجة التي تفتقد للمجابهة الجادة من الجهات الرسمية للتخفيف من اثارها والحد من جشع التجار والمضاربين تثير القلق والخوف وتأكل من رصيد الحكومة ولا تغطيها الدعاية لفك الاختناقات المرورية , ودفعت الناس الى التحرك بأطلاق " حملة خليها تخيس " للاحتجاج على غلاء اللحوم الذي بلغ سعر الكيلو غرام منها ال 25الف دينار , وهو ما يعادل اجرة عامل بناء في اليوم الواحد .
ولكن هذه الحملة التي تعبر عن الاستياء الشديد ليست كافية لوحدها لخفض الاسعار ما لم تقدم الحكومة على مراجعة سياساتها الاقتصادية واتخاذ الاجراءات الواسعة والصارمة والعملية لحماية الفئات المتضررة والمعوزة من هذا الغلاء الذي لا يطاق .
من النتائج المرة للارتفاع الاسعار ازدياد اعداد العاطلين عن العمل , فها هم الرعاة تركو مهنتهم ,وتقلص الانتاج والخدمات , وجولة واحدة في الاسواق تجذب الانظار الى كثرة المحلات المعروضة للإيجار او البيع بعد ان اقفلت ابوابها لاستشراء الركود الاقتصادي ولم يعد مردودها مجز ..
ان الحكومة تستطيع وهي تمتلك الثروة والقرار ان تتدخل وتدعم تنشيط الدورة الاقتصادية التجارية والانتاجية وتفعيل الانتاج الوطني من خلال الاستيراد والتوزيع المباشر لسد الفجوة والضغط لخفض الاسعار وهذه مهمة ليست جديدة عليها وتمتلك خبرة غنية فيها , وكانت الاسواق المركزية نوافذ للتوازن وتوفير السلع بأسعار مدعومة , وبالتالي تحسن من رقابتها على المعروض ايضا بشكل غير مباشر باستيراد نوعيات من البضائع بمواصفات جيدة , تدفع نحو مجاراتها ومنافستها .
الغلاء يغذي عدم الاستقرار ويدعم التطرف ويزيد من التوتر في المجتمع , ويقلص التأييد للحكومة وسياساتها , واذا كانت قادرة لحد الان على التمكن من درجة الضبط القسري تكبح الحراك الاجتماعي على الاسعار , فان ذلك لن يدوم طويلا مع استمرار غول الغلاء وازدياد اعداد الفقراء.