هذا لسان حال كل عراقي يائس محبط جراء الخيبات المتراكمة وأزمة العناوين وفخامة الشعارات والوعود الكاذبة
بعد أن كان يأمل بعراق متمدن وحياة مترفهة يتمتع بها بعد أفول نجم الصنم الدكتاتوري ،
يؤسفني القول بأن العراقي كفرد وجماعة يفتقر للوعي السياسي في أبرز مظانها الديمقراطية
إذ يمنح وبسهولة متناهية صوته الانتخابي لأيا كان أو يبيع هذا الحق بثمن بخس أو يمتنع عن هذا الإجراء الديمقراطي ويفضل الديمقراطية فلا يملك إلا أن يندب حظه شاكيا أو سائلا وهنا مكمن الإشكالية ، لكن لما نتخطى هذه النمطية ونواكب العالم في قطار التقدم وسلم الحريات والحداثة وتوفير عيش رغيد ؟
ولن نبالغ إذا قلنا أن هذا حديث أغلب الشارع العراقي
وهو السؤال المكرر الذي نسمعه بين كل اثنين أو أكثر في الشارع او (الكية) أو الجامعة أو المسجد أو السوق بل وحتى في داخل البيت ،
وبمأ أنه يجهل أساس الإشكالية
فطبيعي أن يكون عاجزا عن إيجاد الحلول ،
إذن لا بد من تشخيص المرض اولا وقبل كل شيء ثم يأتي العلاج تباعا ... الإسلام السياسي يتمترس منذ 15 اعوام او اكثر في تخوم السلطة حتى أرجع البلد سنينا لا تعد الى الوراء فالإسلام دين وإيمان خاص بالفرد (عبادات و واجبات) وليس صحيحا تجييره كنظام سياسي سلطوي مفصل وفق مقاسات أيديولوجية كما يحلو لتجار الدين
والذين جعلوا منه معبرا سلطويا للسيطرة على مقدرات الشعوب ونهب أموالهم تحت شعارات مؤدجلة أكل عليها الدهر وشرب ،
ولا بد من الإقرار بأن الدين الإسلامي يقفىحجر عثرة أمام عجلة التقدم و محاولات مدنية الدولة
حتى كأنه صار جدارا كونكريتيا يقف امام السيارة المتسابقة الراغبة باللحاق بأخواتها الأخريات ، ولن يسمح لها بالتقدم وإن لخطوة واحدة،
ببساطة لأن الدين الإسلامي الحاكم في صناعة الخطاب الديني يتعارض بشكل أو بآخر تعارض العلم بل ويحرم الفنون و الفلسفة والمنطق
فضلا عن معارضة الحريات الذاتية كربطة العنق والجينز
بل وحتى النظريات العلمية التي لا يتوافق معها
أضف إلى ذلك بعض الحريات التي يتمتع بها البشر فضلا عن الحيوانات في اوروبا وامريكا، هذه حقيقة باتت يعترف بها رجال الدين انفسهم قبل الاخرين،
مثال بسيط على ذلك من بين الاف الامثلة ان الدين الإسلامي يقول بأن الارض مسطحة لا تدور،
ونستذكر محاكمة ومحاولة قتل العالم الفلكي الفيزيائي الايطالي غاليليو حين اكتشف دوران الارض حول نفسها وحول الشمس واتهمه رجال الكنيسة بالزندقة وشتى التهم لمجرد تعارض رأيه مع الانجيل ، بينما رأيه اصبح نظرية علمية واقعية ، ايضا عانت اوروبا من رجال الدين وقتذاك قبل ان تتخلص من سلطة الدين لا اريد الخوض بهذا الموضوع كي لا اطيل على القارىء الكريم،
فالإسلام لن يصلح للعصور الوسطى وليس اليوم فما بالكم لو كان محرفا وشائكا ؟
الكثير من رجال الدين اليوم يعترفون بوقوع التحريف والدس فيه لو افترضنا بصحة الدين. بل مختلفون فيما بينهم داخل المذهب الواحد ناهيك عن التناحر بين المذاهب جميعا وكل يرى الحق والحقيقة المطلقة معه.
والطامة الكبرى الى الان لا يوجد تفسير صحيح ثابت للقران ! هذا الكلام ليس من كيسي وانما يقر به اغلب رجال الدين كالسيد كمال الحيدري والسيد ياسر الحبيب والسيد حسن فرحان واخرين كثر.
داخل المذهب الواحد توجد عشرات التفاسير المختلفة والمتضاربة ،
اي اصحاب الاختصاص (رجال الدين) انفسهم حائرين ومختلفيت فيما بينهم فما بالك بالعوام البسطاء المغلوب على امرهم؟!
هم يعلمون بذلك جيدا ويعلمون لو ان احدهم قام بتطبيقه او التمسك به حقا فسوف يعود خلال الى لحظات الى عصر نياندرتال فيعتبر الدين الوسيلة الوحيدة التي بامكانها ان ترجع الفرد او المجتمعات الى الوراء (السفر عبر الزمن والرجوع الى الوراء).

اكبر جريمة يرتكبها الحكام العرب بحق الشعوب بسبب دوغمائيتهم
إضفاء شرعية الى ماهو غير شرعي، كتحديد هوية قومية او دينية للدولة على حساب باقي القوميات والاديان والافكار.
والا اسالكم بحق الذي تعبدوه
كيف يكون شعور المواطن العراقي الارمني او الاشوري او الشبكي او التركماني او الكردي او الصابئي او الايزيدي او المسيحي او الشيوعي او الليبرالي او العلماني (اي من غير من العرب المسلمين)
حين يسمع او يفهم ان دولته او بلده حدد قومية معينة او دين معين على حساب قوميته ودينه !؟
سيشعر بأنه مواطن من درجة ثانية وهذا الشعور يفقده الاحساس بالمواطنة والإنتماء للبلد الذي ولد فيه هو وابائه واجداده.
ثم نأتي نردد بوقاحة وصلافة : عراق واحد متعدد!!!
وحتى لا نبتعد عن جوهر المقال وما يخص حيرة الناخب العراقي وتشتته بين آلاف المرشحين ومئات العناوين من كتل وقوائم غير متجانسة ما بين إسلامية وعلمانية وليبرالية وغيرها
وللتوضيح وتحاشيا للبس المصطلحي الحاصل عند الكثيرين نتيجة الخلط بين مفهومي العلمانية والليبرالية فلا بد من أن نسأل عما إذا كان كل علماني ليبرالي؟
وكل ليبرالي علماني؟
فالعلمانية بإختصار فصل الدين عن الدولة لكنها لا تعني بالضرورة منح جميع الحريات والحقوق للمواطنين،
وعلى سبيل المثال فإن هتلر كان علمانيا يؤمن بفصل الدين عن الدولة غير أنه لم يكن ليبراليا
وكذا الأمر بالنسبة لبشار الاسد فهو علماني قومي عروبي لكنه ليس بليبرالي،
أما الليبرالية فتنادي بالحرية المطلقة في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتركيز على الاستقلالية للافراد والمجتمعات، والتحرر التام من كل انواع الإكراه الخارجي والداخلي شرط الا يتسبب ذلك بأذية الإنسان لنفسه وللآخرين.
فلكل فرد الحق في اختيار اسلوب الحياة الذي يناسبه وتكريس الحريات والتحرر من كل انواع السيطرة والإستبداد ايا كان مصدره
فالليبرالية تستند لمبدأ الحرية والمساواة ،
من خلال ضمان حرية التعبير والعمل وحماية الحريات الشخصية للمواطنين
والتأكيد على عدم وجود امتيازات وراثية تحابي أحدا على حساب الآخرين
وتؤيد عدم الخلط بين الامور الدينية والسياسية والإجتماعية .
وعليه فإن كل ليبرالي علماني لكن ليس كل علماني ليبرالي.
الليبرالية تعني حرية الاعتقاد والفكر بشتى الميادين،
لكن لماذا هذا الاصرار الذي يصل الى حد التهديد والاتهامات الجاهزة على ان الليبرالية تحارب الدين؟
لماذا هذا الطرح اللاموضوعي؟
مع ان اهداف وجوهر الليبرالية هو حرية الاختيار فهي لا تفرض على انسان عقيدة او دين او فكر معين ولا تطلب منه نبذ دينه او فكره. والا ناقضت مبادئها واهدافها .
فهم يحكمون على الليبرالية قبل ان يقدموها للقارىء!! وهو نوع من الاستباق الفكري والسطو على عقل وارادة المتلقي!
الأصل هو طرح الفكر والفكر المضاد
لا أن تقدم فكرة مشوهة عن ما يملك الآخر من دون مقومات تنقض وتدين هذا الفكر..
أنا شخصيا لم يسبق لي ان أيدت أي شخصية سياسية عراقية او حزبا لإنقاذ البلد من وضعه المزري ولتخليصه من المستنقع الاسن الذي هو فيه، لكني أتأمل الخير بالدكتور يوسف محمد علي يوسف احمد الاشيقر مؤسس الحزب الليبرالي العراقي كونه من الليبراليين الأوائل بعد العام 2003 ولكونه المرشح الوحيد ذو توجه لا ديني (بلا دين) اي لن يخدعنا بالغيبيات والقدر وتخدير وتنويم الناس،
فضلا عن استقلاليته عن تأثيرات الخطاب الديني التي لطالما رددها الإسلاميون بمختلف توجهاتهم طوال 15عام ولم يجلبوا لنا منها سوى الويلات والنكبات والصراعات،
وإذا كنا نتأمل عراقا جديدا حقا وتغييره وفقا للأفكار التي نرددها بشكل دائم
فعلينا ابتداء التغيير من أنفسنا فلا خير في امرء يعثر بالحجر نفسه مرتين ثم يندب حظه ! ويلقي باللوم على الحظ والقدر عله يرضي ضميره النائم .. وهنا لا اريد التطرق لشهادات الدكتور الأشيقر
أو الإشارة لعائلته ونسبه وعشيرته فهذه أمور ملها العراقي كثيرا بعدما تم خداعه عدة مرات بالعناوين الطائفية والقبلية والمناطقية والشهادات
جراء قلة وعيه وخبرته
ما يهمنا هنا هو كونه اتخذ برنامجا ليبراليا لا يخدع البسطاء بالمفاهيم البراقة المستوحاة من الخطاب الديني المجير الذي لا ينفع المواطن الذي لا يستطيع ايجاد لقمة عيش له ولابنائه يكفي أنه
لا ديني..
يقول الدكتور علي شريعتي وهو باحث إجتماعي إسلامي : حين يحترق بيتك ويطلب منك احدهم التضرع بالدعاء او الصلاة بدلا من إطفاء الحريق، فهذا يستحمرك هذا كاذب، الإنشغال بغير إطفاء الحريق هو الإستحمار ذاته وهذا ما يفعله الإسلاميون معنا..