اختتمت يوم الاحد 21 ايلول 2025 فعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب، الحدث الذي يعدّ واجهة ثقافية بارزة للعراق، وفضاء يفترض أنه يمثل تنوع هذا الوطن وغناه الحضاري. غير أن غياب الكتاب الكوردي، ودور النشر القادمة من إقليم كوردستان، كان لافتا ومثيرا للتساؤل: هل يعود ذلك إلى ضعف في التنسيق والتنظيم من قبل الجهات المشرفة؟ أم أن دور النشر الكوردية لا تجد نفسها ممثلة أو مرحّبا بها في هذا الفضاء الذي يُفترض أن يكون وطنيا بامتياز؟

في الحالتين، هناك خلل بنيوي يستحق التوقف عنده. إذ إن غياب اللغة الكوردية — وهي اللغة الرسمية الثانية في البلاد وفق الدستور العراقي — من حدث ثقافي بهذه الضخامة، لا يمكن أن يُفهم إلا بوصفه مؤشرا على فشل مستمر في تجسيد خطاب الوحدة الوطنية على الأرض.

في دول العالم المتقدمة، تعدّ حماية اللغات المحلية وتعزيز حضورها في المشهد الثقافي والتعليمي والإعلامي، ركيزة أساسية لبناء هوية وطنية جامعة. أما في العراق، فإن العلاقة مع اللغة الكوردية لا تزال حبيسة النظرة المركزية، التي تُعامل التنوع بوصفه عبئا، لا رصيدا وطنيا يجب الاستثمار فيه.

غياب لا يليق بوطن متعدد

من غير المقبول أن تكون بغداد، العاصمة التي تحتضن كل الأطياف العراقية، غير قادرة على ضمان تمثيل المكون الكوردي في أحد أبرز محافلها الثقافية. إن هذا الغياب لا يعكس فقط مشكلة تقنية أو خللا في الدعوات، بل يعكس عمق الفجوة بين المكونات العراقية، عندما يتعلق الأمر بالمشاركة المتكافئة في الحياة العامة.

إن اللغة الكوردية ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي حاملة لذاكرة شعب وثقافة وتاريخ عراقي أصيل. وإن غيابها من منصات الثقافة الوطنية يعدّ تغييبا لصوت شريك رئيسي في بناء هذا البلد.

ما الذي يمكن فعله؟

بدلا من الاكتفاء بالتشكيك في النوايا، علينا الانتقال إلى ممارسات إصلاحية واقعية تعزز من حضور الثقافة الكوردية ضمن الفضاء الثقافي العراقي العام. من هذه الممارسات:

-إشراك المؤسسات الثقافية الكوردية في لجان التخطيط والتنظيم للفعاليات الوطنية، مثل معرض الكتاب وغيره من المناسبات الرسمية.

-تخصيص جناح دائم للكتاب الكوردي في معارض الكتب العراقية والعربية، مع دعم حكومي لتكاليف المشاركة والنقل والترجمة.

-دعم الترجمة المتبادلة بين اللغتين العربية والكوردية، ليس فقط للكتب الأدبية، بل للكتب الفكرية والتعليمية أيضا، مما يعزز من جسور الفهم المشترك.

-إدراج الثقافة واللغة الكوردية في المناهج الدراسية والإعلام الرسمي، ليس بوصفها مادة اختيارية أو تكميلية، بل كمكون أصيل من الهوية العراقية.

-تنظيم أسابيع ثقافية متبادلة بين مدن الوسط والجنوب من جهة، ومدن إقليم كوردستان من جهة أخرى، تشمل الفنون والموسيقى والأدب والسينما.

نحو مواطنة ثقافية شاملة

إن بناء وحدة وطنية حقيقية لا يتم عبر الشعارات أو الخطابات، بل عبر سياسات واضحة تنطلق من الاعتراف العميق بالتنوع بوصفه قوة لا تهديدا، وبالآخر بوصفه شريكا لا ضيفا.

اللغة الكوردية ليست لغة "أقلية" بل لسان مكون تأسيسي من مكونات العراق. والاحتفاء بها — ثقافيا وتعليميا وإعلاميا — هو احتفاء بالعراق نفسه، بتاريخه وتعدده وأفقه المشترك.

لقد آن الأوان لأن تتحول مفردات "الوحدة" و"التعددية" و"العيش المشترك" إلى برامج عمل؛ تبدأ من المعارض، ولا تنتهي عند المناهج.