بعد أحداث إكتوبر 2017، إندفع العديد من السياسيين المتعلقين بموروثات البعث وتركات داعش، والمقتصرين في أحاديثهم على تدوير الماضي، نحو التغني بتسمية فرض القانون بدلاً عن خرق وحرق القانون والدستور. وأطلقوا العنان لأحلامهم وتمنياتهم التي كانوا وما زالوا يأملون حدوثها في كركوك، وكانت النتيجة، زيادة المشهد تعقيداً في مدينة، وممارسة السياسات التعسفية بحق الكورد والتمييز ضدهم وإبعادهم عن الوظائف والمناصب الإدارية وعودة التعريب والعرب الوافدين الذين نقلهم صدام حسين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي إلى المدينة لتغيير التركيبة الديموغرافية، وغياب كل المظاهر المدنية الحديثة من حيث المظهر والتنظيم، بداً بنظافة الشوارع والأحياء السكنية، مروراً بالإختراقات الأمنية والتجاوزات الإدارية وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، وإنتهاءاًبتحريك الدعاوي القضائية الكيدية ضد الذين شاركوا وساندوا الإستفتاء.
في الجانب الآخر كانت الشكوك المتبادلة بين الكورد أنفسهم، وبينهم وبين المكونات الأخرى في كركوك تجاه إنتخاب محافظ جديد للمدينة، قد وجدت طريقها الى الشارع الكركوكي والكوردستاني ومواقع التواصل الإجتماعي. وتفاعل معها الكثيرون. وتبين، أن كل طرف وكل مكون متمسك بخطته ولا يريد ان يتوقف عن العمل لصالحه، أو التخلي عنها، وإن قبل بتأجيلها فأنه يريد الحفاظ عليها قيد التداول والدراسة. وعمليات التأجيل المستمرة لإنتخاب المحافظ فسرت ذلك بوضوح وعكست الشكوك بقوة مرة تلو الاخرى. وبعد إتفاق الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع الإتحاد الوطني الكوردستاني على إنتخاب محافظ جديد لكركوك وتطبيع الأوضاع فيها ضمن الأطر القانونية والدستورية البعيدة عن نهج وثقافة الاقصاء والاستحواذ، وبالإتفاق مع بغداد ومكونات المدينة، عادت قضية كركوك الى واجهة نشرات الأخبار، وركز المتحدثون عنها على واقع التحديات الحالية وأبعادها وتأثيراتها الإيجابية على المصالح السياسية والإستراتيجية الوطنية والقومية وعلى مستقبل المدينة. وفي المقابل حرك الشوفنيون والبعثيين وبقايا داعش عدد من المواطنين في كركوك، وأخرجوهم في تظاهرة رفعوا خلالها شعارات معادية للكورد ولإنتخاب المحافظ الجديد للمدينة، وتتنافى كلياً مع قيم التعايش والوئام.
رغم أن عدد المشاركين في التظاهرة لم يزد على المئة، إلا أن الحادثة مهمة ويجب الوقوف عليها، وذكر أسبابها التي هي :
* عدم التفريق بين حق التظاهر الديمقراطي، والتسيب والإعتداء على خصوصيات الآخرين.
* عدم تنفيذ المادة 140 من الدستور.التي تتجسد في تطبيع المدينة التي تشمل إعادة الحدود الإدارية للمحافظة الى ما قبل إستيلاء البعث على السطة، وا<راء الإحصاء والإستفتاء.
*عدم إعادة الوافدين العرب الى أماكنهم الأصلية التي جاؤا منها، رغم حصولهم على تعويضات مغرية.
*عدم تطهير المناطق المحاذية للمدينة من الإرهابيين، وبالذات منطقة الحويجة التي ترتع فيها بقايا البعث وداعش اللذين لم يفارقا الحويجة وأطرافها مطلقاً، ولديهما أماكن وملاذات آمنة فيها، ويسعيان الى جذب الأنظار اليهما ويوصلان رسائل تشير الى أنهما مازالا موجودين.
عدم تنفيذ هذه العدمات تعني :
أن مشكلات كركوك، اكبر من تعيين محافظ جديد، ولها أبعاد تاريخية وجغرافية وسياسية وإدارية وأمنية وإجتماعية، وإنها لا تهدأ بمجرد إنتخاب المحافظ ما لم يتم تطبيع كافة أوضاعها، وما لم يتم تثبيت الحقوق المشروعة لجميع المكونات الدينية والقومية، وتصفية كل السلبيات التي تتعارض مع النظام الديمقراطي والشراكة الوطنية، وكل التجاوزات التي تخل بالدستور والقيم والمبادىء الإنسانية.