تلتزم الإدارة بغض النظر عن الجهة التنفيذية التي تمثلها بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من القضاء سواء كانت تلك الأحكام صادرة لصالح الإدارة ام لصالح الأفراد، وعلى الادارة عند التزامها بتنفيذ الاحكام القضائية ان تراعي الحريات العامة والمبادئ الدستورية لهذا السبب تسعى الدول في دساتيرها الى توفير الضمانات الكافية لتنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء كي تعينه في اداء مهمته خاصة بعد ان اصبح من يخالف الاحكام القضائية ويعطل تنفيذها هو ذاته الموظف المكلف بالتنفيذ بحكم وظيفته وفي حدود اختصاصه.
وقد بين قانون العقوبات العراقي أن فعل امتناع الموظف او المكلف بخدمة عامة عن تنفيذ الاحكام القضائية يشكل جريمة وفق احكام المادة 329 منه والتي تنص "1- يعاقب بالحبس او بالغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف او مكلف بخدمة عامة استغل وظيفته في وقف او تعطيل تنفيذ الأوامر الصادرة عن الحكومة او احكام القوانين والأنظمة او اي حكم او أمر صادر من احد المحاكم او اية سلطة عامة مختصة او في تأخير تحصيل الأموال او الرسوم ونحوها المقررة قانونا. 2- يعاقب بالعقوبة ذاتها كل موظف او مكلف بخدمة عامة أمتنع عن تنفيذ حكم او أمر صادر من احدى المحاكم او من سلطة عامة مختصة بعد مضي ثمانية ايام من انذاره بالتنفيذ رسميا متى كان تنفيذ الحكم او الأمر داخلا ضمن اختصاصه...."، لذلك نجد الجهات التنفيذية التي صدرت احكاما قضائية ضدها واكتسبت هذه الاحكام الدرجة القطعية يمتنع الموظف المختص فيها عن التنفيذ، فيضطر من صدر الحكم لصالحه الى اللجوء للقضاء وتحريك الدعوى الجزائية وفق احكام المادة 329 من قانون العقوبات العراقي، وهذا الاجراء غالبا ما يكون بالاحكام القضائية المتضمنة حقوقا مالية متنازع عليها بين الافراد من جهة والسلطة التنفيذية من جهة اخرى كون ان القضاء كان ولا يزال هو السبيل الوحيد لضمان حقوق الافراد وحرياتهم.
الا اننا نكون امام مخالفة للقانون من نوع اخر عندما تنفذ الجهة التنفيذية المسؤولة عن تنفيذ الاحكام القضائية المتعلقة بحريات الافراد والتي تتضمن احكاما جزائية بالسجن والحبس تنفيذا ناقصا حيث تعمد الى مخالفة مضمون القرار القضائي مخالفة بذلك لمحتواه القانوني وعدم التزامها بما ورد فيه وبالمدد المقيدة للحرية، وان امتناع الادارة التنفيذية المسؤولة عن تنفيذ الاحكام القضائية الجزائية عن اخلاء سبيل المحكوم بموجب حكم قضائي مكتسب الدرجة القطعية بعد انتهاء مدة محكوميته يجعلها في اطار المسؤولية الجنائية كون ان حريات الافراد وكرامتهم مصانة بموجب الدستور وفق احكام الفقرة اولا من المادة 37 منه، فلا يمكن للأدارة مهما كانت مبرراتها الامتناع عن اطلاق سراح المحكومين التي انتهت مدة محكوميتهم لاي سبب وابقائهم مودعين على ذمتها بدون قرار قضائي، حيث ان ذلك لا يمثل امتناعا عن تنفيذ قرار قضائي وفق ما ورد في المادة 329 من قانون العقوبات العراقي وانما هو انتهاك لمضمون قرار قضائي ومخالفة للمبادئ الدستورية المتعلقة بالحريات ويندرج هذا الفعل في ضمن النموذج القانوني الوارد في المادة 322 من قانون العقوبات العراقي والتي تنص على ان يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس كل موظف او مكلف بخدمة عامة قبض على شخص او حبسه او حجزه في غير الاحوال التي ينص عليها القانون. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين او الحبس اذا وقعت الجريمة من شخص تزيا بدون حق بزي رسمي او اتصف بصفة كاذبة او ابرز امرا مزورا مدعيا صدوره من سلطة تملك حق اصداره".
ومثال ذلك ما لجأت اليه الهيئة العامة للكمارك التي امتنعت عن استلام المودعين على ذمتها من دائرة الاصلاح المختصة وإبقائهم مودعين في مديرية الشرطة المختصة كونهم لم يسددوا مبالغ الغرامات المترتبة بذمتهم متجاهلة هذه الإدارة التطبيق الصحيح للمواد 257 و258 و259 من قانون الكمارك وكذلك متجاهلة القرار رقم 57 / اتحادية / 2017 والصادر من المحكمة الاتحادية العليا والملزم بالتطبيق والذي ألغى القرار رقم 120 لسنة 1994 الذي يمنع إطلاق سراح المحكومين حتى بعد انتهاء مدة محكوميتهم ما لم يسددوا ما بذمتهم من اموال الدولة حيث الغي هذا القرار لمخالفته للمبادئ الدستورية، واستمرت ادارة الكمارك بايداع المحكومين على ذمتها رغم انتهاء مدة محكوميتهم وبدون قرار قضائي خلافا للدستور والقانون وبدون سند قانوني رغم ان المادة 188 من قانون الكمارك اعتبرت الغرامات الكمركية تعويض مدني لإدارة الكمارك فكان الأولى منها اتباع نص القانون والالتزام بمضمون الحكم القضائي واخلاء سبيل المحكومين ومن ثم ملاحقتهم مدنيا.
مما تقدم يتضح ان النصوص القانونية وقفت بالضد من تعسف الادارة في ممارستها لوظائفها وسلطاتها، وجعلتها في الموقف القانوني الواضح ولا ينفع الإدارة حينها اي تبرير لموقفها من مخالفة مضمون القرار القضائي ولا يمكنها حينها تبرير موقفها بالمصلحة العامة هذا المصطلح واسع المدلول لان المصلحة العامة تقضي تنفيذ الأحكام القضائية لان مخالفة التنفيذ او الامتناع عنه يقلل ثقة الأفراد بالحكم القضائي، وان التنفيذ الناقص للأحكام يعد في حكم الامتناع فلا يجوز للإدارة تنفيذ الجزء من الحكم القضائي الذي ينسجم مع مصلحتها وتعطل ما لا ترضاه قاصدة بذلك اهدار مبدأ حجية الامر القضائي ومتعدية بذلك على النصوص القانونية التي توجب تنفيذ الاحكام تنفيذا كاملا لا ناقصا، فضلا عن الاثر السلبي الذي يتركه عدم التنفيذ على هيبة القضاء والدولة وثقة مواطنيها بقضاءها خاصة عندما تبرر الادارة ان عدم التنفيذ يعود للمصلحة العامة او النظام العام فان ذلك يعد طعنا بالحكم القضائي الذي هو عنوان العدالة والذي لا يتصور ان يكون مخالفا للمصلحة العامة او النظام العام او تبرر ان الحكم غامضا ويصعب تفسيره او صعوبة فهم مقصوده كل هذه المبررات التي تسوقها الادارة التنفيذية لا تعفي موظفيها من المسؤولية المدنية والجنائية في حالة امتناعهم عن تنفيذ الحكم القضائي او تنفيذه تنفيذا ناقصا او مخالفة فحواه مخالفة صريحة.