ليس خافيا بأن الانجازات والمكاسب الكبيرة لاقليم كوردستان خلال السنوات التي أعقبت التحرر من الطاغية، جاءت نتيجة للنهج الحكيم للرئيس مسعود بارزاني وقراءاته السياسية العميقة، وعمله بصدق من أجل حفظ التوازن الوطني في مسائل تشكيل الحكومة العراقية وحل المشكلات الناجمة من المغامرات الرعناء المتكررة في بلد يفترض إنه ديمقراطي وتعددي وفدرالي، وإسهامه بشكل فاعل في التخفيف من التشنّج والتعصّب، ونجاحه في لم شمل البيت الكوردستاني الى حد كبير وفي معالجة المشكلات. أما حكومة الإقليم برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني فقد تمكنت من الصعود بشكل سريع فاق كل التصورات، كما أنتهجت، على الصعيدين القومي والوطني، نهجاً موفقاً متناغماً مع الظروف الاقليمية والدولية السائدة. وبات من الطبيعي بل من الضروري أن يصبح الاحتفاظ بالنجاحات وعدم الإنجرار نحو الغرور والمغامرة والمواجهات والمناكفات ، من أولويات السياسة والعمل الإداري والحكومي. لذلك حاولت بناء علاقات سياسية ودبلوماسية وإقتصادية متينة مع الكثير من دول العالم ودول الجوار، وبالذات مع تركيا، وعقدت معها إتفاقات عديدة في كافة المجالات، وسهلت السبيل أمام شركاتها الإستثمارية للعمل في الإقليم.
أما داخلياً، فقد عمل الجميع ( أفراداً وأحزاباً سياسية) بشكل رائع تحت سقف مصالح كوردستان العليا للوصول إلى النموذج الراقي والمتطور للتعايش والتسامح، والأكثر التصاقاً مع مباديء الديمقراطية وحقوق الانسانلكي يصبح الإقليم ملاذاً آمناً وواحة للإستقرار في منطقة مليئة بالفوضى. لذلك لم يكن من المستغرب أن يستهدف من قبل الفاشلين والظلاميين على حد سواء. الفاشلون في بغداد، عادوا الى الإعتقاد بأسطورة مفادها، إضعاف كوردستان والكوردستانيين، تصب قطعاً في خدمة العراق وقوته وسيادته واستقراره، وهذا في الواقع كلام باطل ويراد به الباطل أيضاً، لأن قوة الكورد عززت مقومات العيش المشترك، وقربت وجهات النظر حول مستقبل العملية السياسية في العراق، وأصرت على التداول السلمي للسلطة وعدم احتكارها، ورفضت سياسة الضغوط التي كانت تستخدم بحق ابناء مكون أو طرف سياسي معين بهدف تحقيق بعض المكاسب أو إرضاخهم. والعجيب في الأمر، أنه لم نشاهد سواءً بين الذين كنا نعتبرهم من المؤيدين للكورد، أوالذين يتحدثون عن صيانة الدولة، أحداً يفكر ويتجرأ ليبلغ الفاشلين أن الضغط ضد الكورد يولد الانفجار، وأن كل الإجراءات الصبيانية تنم عن المراهقة وليس عن النضج والحكمة، وتنم عن ضيق أفق وضحالة في فهم الدين والدنيا، وتسهل التحول نحو التخلف والظلامية وعدم التمييز بين الخبيث والطيب، ولن تولد سوى المزيد من التوتر والخصومات والبغضاء والكراهية.
وعندما تم توجيه الدواعش نحو كوردستان، لم تحرك حكومة بغداد ساكناً، بل أعاقت وصول المساعدات الأجنبية المرسلة الى البيشمركه والكوردستانيين عموماً وحتى النازحين، وإستمرت في العداء والمكابرة والإستعلاء، وأخيراً قررت، بجرة قلم وخلافاً للدستور، قطع حصة الإقليم من الموازنة الإتحادية.
حينها، تعرض الإقليم الى أزمة إقتصادية حادة، لذلك توجه مضطراً نحو الإستقلال الإقتصادي، الذي يعد الخطوة الأولى نحو إعلان الإستقلال السياسي.وعندما باعت حكومة الإقليم النفط بشكل مستقل، إستدرك الجميع أهمية وحنكة (المهندس) الذي لعب الدور الطليعي في إتخاذ القرارات الإستراتيجية الإقتصادية التي تمحورت حول خطط إنتاج النفط وإبرام الإتفاقات مع الشركات العالمية العملاقة في مجال النفط لكي تستثمر وتستخرج النفط وتنقله الى الأسواق العالمية وتضع إسم كوردستان على خارطة الطاقة العالمية. تلك السياسة التي أرغمت العديد من الدول الى تعديل سياساتها تجاه كوردستان. ذلك الجميع الذي إستدرك الأهميات، أخذ يسأل:
لولا تصدير النفط، ماذا كنا نفعل؟ ومن أين كنا ندفع تكاليف الحرب ضد داعش، ورواتب البيشمركه والعمال والموظفين والمفاعدين؟ وتكاليف تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين والنازحين؟ ولولا تصدير النفط لكان لزاماً علينا أن نستسلم لسياسات حاكم بغداد.
أما الأجابات المعلومة على تلك الأسئلة فقد أصبحت بمثابة إجابات مقنعة للذين كانوا يتطاولون ويجرحون الناس وينتقدون ويعارضون السياسة النفطية لرئيس حكومة الإقليم السيد نيجيرفان بارزاني ويصفونها مرة بالخاطئة وأخرى بالفاشلة. وأخيراً نقول: لو لا إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية لما كانت الحكومة بحاجة الى التقشف أو اللجوء الى الإدخار الإجباري، ولولا تصديرنا للنفط بشكل مستقل، لكان لزاماً علينا أن نستسلم لسياسات حكام بغداد