بعد إرتفاع أصوات الرصاص والمدافع، والإتهام بالتجاوز على الشراكة والتوافق والأعراف الإنسانية ومباديء الديمقراطية، وتسلل روح العداء والإنتقام الى نفوس بعض المسؤولين الذين يتولون المناصب الهامة والحساسة في العراق، وبعد إمتهان وسائل الاعلام الخاضعة للسلطة العراقية للعبة تضليل الشعب عبر تزوير الحقائق وفبركة التصريحات وتحريف الكلمات المثيرة للسخرية، وتغيير مضمون العبارات وتحويرها عن أصلها، والخطابات العدوانية الموجهة ضد الكورد وكوردستان. هل يبرد الجمر ويصبح رماداً؟ وهل تعود المياه الى مجاريها الحقيقية بعد اللقاءات والمباحثات بين السيدين حيدر العبادي ونيجيرفان بارزاني؟ وهل يمكن أن يثق الكوردستانيون مرة أخرى بتعهدات بغدادالتي يعتبرونها عاصمة لا تنفذ وعودها ولا تحترم عهودها، وتتنصل من إتفاقاتها قبل أن يجف حبر التوقيع عليها، وبالسياسيين الذين لم ينجحوا في تسجيل صفحة ناصعة تجاههم، ولم يجنوا منهم سوى الكلام المزوق والمنمق البعيد عن الواقع؟
أم أن الحوار لايفيد، لأن كل الذي كان قبل الآن بين الشيعة والكورد غير مفيد؟ أم يمكن أن يبدأ من النقطة التي وقف فيها، وأن الذي بعد الآن ربما سيفيد؟ أم يكون مصيره كمصير شراكتهما، بسبب التنافر والطموحات المتعاظمة والرغبة في لعب دور أكبر من الحجم الحقيقي، وبسبب السير عكس مبادئ التوافق، وإختيار نهج يعود في النهاية بمزيد من التخالف والمعضلات والتداعيات التي تعصف بالقيم والثوابت؟ أم أن إدراك الثوابت والضرورات والمصالح المشتركة والقيم النبيلة ستحفز الإرادات وتوحدها وتحركها بإتجاه التفاهم والتحاور والتصالح ومواجهة التحديات التي تقف أمامهم ؟
الأسئلة السابقة وغيرها، تدور في خلد الذين لم يكونوا يتصورون ولايتوقعون أن يعم العداء والقتال والإحتراب بين الشيعة والكورد في أي وقت. ولم يكونوا متوقعين ولا متصَوَّرين، أيضاً، أن يشاهد الإنسان الكوردي السلاح الشيعي متوهجاَ نحو صدره، أو حتى أن يسمع التهديدات الإنفاعلية على الفضائيات من المسؤوليين والساسة والكتاب الشيعة وقادة الميليشيات الشيعية، المبطّنة أو المكشوفة. ولكن بعد ما سمعوه من بعضهم وليس كلّهم، وبعد ما شاهدوا الإستقواء بالأجنبي والإستشراس قبل انتهاء الحوارات.. تغيرت التوقعات والتصورات نحو الأخطر الحاد على الواقع النفسي الجماعي الكوردستاني الذي يرسخ واقعاً جديداً، ويتيح فرصاً جديدة لايمكن أن تكون كسابقاتها في الشكل والمضمون والنتائج.
الكورد، خلال السنوات الماضية، كانوا على يقين بأن المهرولين وراء السراب والمستغرقين في تطبيق الأجندات المختلفة، سيدمرون البلاد، من خلال إفشال الشراكة وخرق الدستور وتفسير القوانين حسب رغباتهم، والتخلّي عن الأتفاقات واللعب بأوراق غير رابحة، وتقويض الجهود الرامية الى تغليب الحكمة على المتاهة. مع ذلك ساهموا في الشراكة وحاولوا إنجاحها، وكرروا مراراً وتكراراً تحذيراتهم من مخاطر زرع بذور الفتن، ومن صعوبة بل إستحالة قبولهم بفرض ما في خاطر وخواطر الآخرين عليهم. وقدموا تحت شعار الشراكة الهشة التنازلات تلو التنازلات، على حساب قضاياهم المشروعة والدستورية.
رغم مرارة ما حدث، نستطيع القول أنه ما زال يمكن الإعتماد على رحابة صدر المتحاور الكوردستاني ( نيجيرفان بارزاني، وأعضاء حكومته)، واستعداده الضمني الطيّب للتوافق والتعاون وتفضيل الحكمة في إزالة الصعوبات وتفادي الأسوأ، وترتيب الجهود والمصالح وتأمينها عبر خطوات، أولها، التأكيد على حسن النوايا من خلال لجم فاقدي الحد الأدنى من الحس الوطني والديني والإنساني، وخاصة الذين يتباهون بصلفهم وغرورهم وعنجهيتهم وإستهانتهم بالكورد. وثانيها، الإثبات إن القرار في بغداد وطني وغير خاضع للضغوط والنزوات والأوامر الخارجية التي تريد دفع الجميع صوب الحرب والهلاك وبسرعة قياسية. وثالثها, العودة الى إحترام الدستور والإعتراف بفشل الشراكة وتحمل مسؤولية التباعد الذي ضرب الأرض بين الكورد والشيعة والإبتعاد عن الأجوبة غير الواضحة والمشوشة. ورابعها، الإعتراف بالحقائق المرّة والمؤلمة والقاسية، وفشل سياسة لي الأذرع وعقم الحلول العسكرية وعجزها، والشعور بهول السقوط في مستنقع التفكك القومي والمذهبي والسياسي. وخامسها، التأكيد على أن الصيغة التي ترضي العراقيين، لاتأتي إلا من خلال دراسة كل الإيحاءات والسيناريوات لمعالجة الأوضاع وضبطها وفق المستجدات والظروف والتجارب. وسادسها، البحث عن التسويات التي يمكن في ضوءها تفادي الأزمات قبل وصولها الى الذروة، والتوصل على أقلّ تقدير الى منع بلوغ المآزق نقطة اللاعودة.