الحوارات التي بدأت قبل شهور، بين (ٍالاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا) و (اتحاد كتاب كردستان سوريا) خلال شبكات التواصل الانترنيتية، وبلقاءات ثانوية في الداخل والخارج، واتفاق لجنتيهما على بنود أولية، والحديث على بعض نقاط التقاطع، رغم الظروف القاسية وقصر الفترة الزمنية، وإدراج بعض المتفق عليه إلى الحيز العملي، كخطوة أولية، حتى ولو كانت لا تزال على مستوى نشاطات ثقافية محدودة، وندوتين في الداخل والخارج بإسميهما، يلوح في الأفق بريق أمل بالمثقف الكردي، قد يعيد ثقة مجتمعنا بحركته، وربما يثبتا، فيما لو استمرا على توسيع حلقات العمل الجمعي، خطأ ما يقال أن الكرد على خصام دائم.

 بدأت الخطوة باقتراح من أحد الإخوة الكتاب من خارج الاتحادين، سندت بموافقة الاتحاد العام والسير فيها ودعمت بالمرونة التي أبداها الإخوة في الاتحاد الأخر، والجهتين يؤمنون أن الاستمرارية في المشروع سيحفز عودة دور المثقف، كمنور للحركة السياسية، بل وللمجتمع الكردي برمته، والاستمرارية فيها وتطوير التجربة من الممكن أن يؤدي إلى حوارات وطنية ليس فقط على الساحة الثقافية بل والسياسية، ويكون لنا كأمل في تصحيح مسار الحركة برمتها، لتصبح على مستوى القضية.

  ظهرت سابقا مشاريع وطنية لتوحيد الأحزاب، مع إمكانيات واسعة مقارنة بما يملكه الاتحادان، لكن جلها لم تؤدي إلى النتائج المرجوة، ومنها المحاولة التي عقد من أجلها مؤتمر نابردان في جنوب كردستان وأدت إلى نتائج عكسية، منها ظهور حزب ثالث إلى جانب المؤتمرين. والتجارب الأخيرة بين الأحزاب الكردية في السنوات الأولى بعد الثورة السورية، والمؤدية إلى المزيد من الانقسام بينهم، بل وحتى أن ظهور جدلية القطبين في الحركة الكردية، نتجت عنها العديد من السلبيات، ولا يزال الشعب يدفع ضريبتها. والتجربة الأخيرة في هذه السلسلة، هي الوحدة السياسية - التنظيمية بين أربعة أحزاب، تمخضت عنها ظهور الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا، لكن وللأسف لم يرتقي الحزب الجديد إلى مستوى المسؤولية المتوقعة من تجميع نشاطات أربعة أحزاب، بل أدت إلى تراجعها على الساحتين الكردستانية والإقليمية، وهو يدرج الأن في الواقع العملي ضمن الأحزاب التي لا صوت لها، حتى ضمن المجلس الوطني الكردي، ولولا حليفه اليكيتي لما كان للمجلس دور يذكر.

   فهذه التجارب على مستوى الأحزاب كانت رغم بعدها الوطني والقومي لم تحمل في ذاتها روح التطور، ولم تتمكن من رفع مقام الحركة، إلى سوية حمل القضية، وقيادة الشعب، وتمثليهم في الداخل وفي المحافل الدولية، لأن أغلبية القائمين عليه لم يتخلصوا من الأنا العليا، والمفاهيم الملغية للأخر، والقناعات المطلقة بأحادية الفكرة، إلى جانب غياب الشريحة الواعية والحكيمة عن القيادة، ونحن هنا لا نتحدث عن عدم تمكن هذه الأحزاب في خلق نخبة سياسية تدرك العلاقات الدولية والدبلوماسية، والتي قد تكون للعامل الموضوعي الدور الرئيس فيها، بل عن عدم قدرتها على وضع القضية الكردستانية على طاولة المحافل الدولية. مع ذلك التجربة الجارية والسابقة لها تبقى لها قيمتها الوطنية، وتثمن، فهي على الأقل تحرك المشاعر القومية للتوجه نحو التنسيق في العمل والشراكة في حمل القضية، والاعتراف المباشر بالكردي الأخر رغم الاختلافات.    

  لذلك وبدراسة للتجارب الماضية، والتي كانت لأطراف من الحركة الثقافية إسهامات في هذا المجال، كمحاولة التقارب والعمل معا لتوحيد الجهود من اجل القيام بمشاريع ثقافية، لكنها لم ترقى إلى مستوى فرز حركة تنويرية، فتبقى ما نحن بصدده، ولادة لتجربة قد تصبح نوعية، فهي تحتاج إلى الصبر، والنفس الطويل، والتمهل في الخطوات، ودراسة مجريات الأحداث السياسية والثقافية الجارية.

  والتجارب المشابهة الحديثة والقديمة، وتضافر الجهود حتى من خارج الاتحادين، والإيمان بما هم قادمون عليه، فالمسيرة طويلة وصعبة، والتراكمات الثقيلة، فليس من السهل التخلص منها، ومن ضروريات المرحلة، أقناع الذات أولا، بإيجابية ما نحن قادمون عليه، والحكمة في الحوارات، والتواضع من اجل القضية. وثانيا، تجاوز الأنا ونعني بها التفاني من أجل الوطن، وهذه الأخيرة بحد ذاتها تتطلب استقلالية الرأي، بعيدا عن الحزازات الحزبية، والنشاط كحركة ثقافية تطمح أن تكون تنويرية، لتمثل، كما يقال، ضمير الأمة وفكرها.

 وفي هذه المرحلة، وأثناء الحوارات وفي النشاطات العملية، قد تظهر بعض الاختلافات على قضايا، فلا ضير منها، ويجب تفعيل النقد البناء بين الطرفين، ومحاولة تصحيح المسارات، شريطة أن تدرج في مصلحة الأمة، ولرفع سوية توعية الحركة، كما ولا بد من الوقوف على بعض الإشكاليات التي أدت في الماضي إلى حدوث الشرخ بين أطراف الحركة الثقافية.

 من الأهمية العمل معا على شروع أبواب الحوارات واللقاءات مع كل الأطراف، وبشكل خاص مع المثقفين المستقلين عن الاتحادات أو المنظمات الموجودة على الساحة، وكل من يجد في نفسه الكفاءة على تقديم خدمة للمجتمع ولهذه التجربة.