رغم الحاضر المرعب، والقادم الضبابي، على خلفية التغيير الديمغرافي الكارثي، وتحول مجتمعنا في الوطن إلى واقع الاتكالية الاقتصادية على المساعدات القادمة من الخارج، والعيش ما بين حلم الهجرة والصمود أمام المآسي، والمهاجر الكوردي الذي بدأ يذوب في الخارج مع تصاعد عدمية العودة وتقلص الاهتمام بالقضية من قبل الجيل القادم، وتنامي المكون المهاجر من الداخل السوري إلى المنطقة، مع سكان مستوطنات الغمريين إلى قوة اقتصادية متنامية شبه سائدة على معظم مفاصل المنطقة، والأخطاء الكارثية العديدة للإدارة المعروفة جدلا، دوليا وضمن المنطقة بالكوردية، والمواقف الدولية اللامبالية، التي مصالحها تنعطف في دروب بعيدة عن مصالح الكورد، وطموحات أردوغان، والتمدد الإيراني، ومحاولات روسيا إعادة سيطرة النظام إلى المنطقة. لا تزال بإمكان القوى الكوردية، وفي مقدمتها المسيطرة على الإدارة الذاتية من تحقيق النجاح، ليس فقط الاحتفاظ بأغلبية ما تملكه، بل وترسيخها في دستور سوريا القادمة، وأحياء الكيان الكوردستاني الحاضن لكل المكونات القومية والدينية المتواجدة على جغرافيتها، فيما إذا عملت على:
1- إعادة ثقة الشعب بالإدارة الذاتية، بل وبكلية الحراك الكوردي، وهي لن تكون بالعودة إلى طاولة الحوار، أو تشكيل مرجعية، بل بالعمل على تسخير بعض نقاط التقاطع فيما بينهم لخدمة الشعب الكوردي وقادم المنطقة كهوية كوردستانية، مع الاحتفاظ على منطق السلطة والمعارضة فيما بينهم والأطراف الأخرى، مع إشراك كلية الحراك في الحوارات وفي الإدارة إن كان تعيينا أو بالانتخابات العامة، والظهور إلى العالم بهيئات تمثل الشعب وعلى أن المنطقة تسيرها قوى كوردستانية، وتطمح إلى إقامة نظام فيدرالي لغربي كوردستان ضمن سوريا الفيدرالية، ويتم المطالبة بإدراجها ضمن الدستور.
2- التحرر من إملاءات القوى الإقليمية، وعرض التقارب الداخلي كأساس للتحالفات الخارجية، إن كانت مع القوى الإقليمية أو الدولية.
3- عدم تغييب البعد الوطني الكوردستاني، كمرادف للوطن الافتراضي والتي تمثلها الدول المحتلة لكوردستان، أي عدم تغييب الهوية الكوردستانية تحت مسميات متطلبات الظروف والسياسة المرحلية وغيرها والتي لا بد منها عند التعامل مع القوى الخارجية.
ما تم في الماضي تحتضن تجارب كارثية، ليس فقط من حيث الخلافات المقيتة بين المجلس الوطني الكوردي وقوى الإدارة الذاتية، وليس ما لم يتم إنجازه طوال السنوات العشر من سيطرة الإتحاد الديمقراطي على المنطقة والذي يعد مرعبا أمام كل ما تم إنجازه في المنطق الكوردية، بل ما تم تدميره ديمغرافيا واقتصاديا وسياسيا وقوميا وتناقضات في الإدارة. وفي الجانب الأخر، ما فعلته أحزاب المجلس الوطني الكوردي والتي ساهمت بدورها وبقدر طاقتها على هدم الكثير، كإذلال الهوية الكوردية، وتفضيلها الخط الوطني الافتراضي على الوطني الكوردستاني من جهة، وفرض رأي أشخاص من قيادة المجلس على رأي الشعب من جهة أخرى، وقبولهم الدخول في تحالفات مع قوى تتعامل معهم بمنطق السيد والموالي، وهو ما تم نشره بين الشعب، والتغاضي عنها من قبل مجموعة ضمن قيادة المجلس على خلفية المصالح الشخصية.
على خلفية الذهنية الجامدة، والتعنت المبني على مصالح شخصية أو حزبية تغطى بالمصالح الوطنية أو بالمنهجية الفكرية المدرجة كأيديولوجية عالمية حتى ولو كان كمفهوم فيها طفرة، وبالتالي غياب السياسية داخليا وخارجيا، المؤدي إلى ليس فقط عدم التمكن من إنقاذ الشعب من كوراثه، وإعاقة تطور القضية، باستثناء ما تم كسبه على خلفية المصالح الدولية، بل عدم القدرة على التحرر من التبعية للقوى والمعارضة، وفي مقدمتهم، المربعات الأمنية من جهة ومنظمة الائتلاف الوطني من جهة أخرى. ففي الواقع العملي نقلت أحزاب المجلس الوطني مركز السيادة والتبعية من المربعات الأمنية في قامشلو إلى أنقرة وإستانبول، والإدارة الذاتية تحولت من قبول الإملاءات المباشرة من سلطة بشار الأسد إلى قبولها عن طريق روسيا.
الاعتراف بالأخطاء، ومحاولة تصحيحها، ومراجعة الذات، وتقبل الحقيقة، ستفتح الكثير من الأبواب، وقد يكون عاملا رئيسا لوضع الحراك على الدرب الصحيح، وإنقاذ المنطقة من الضياع، ومساعدة الشعب الكوردي من عدم الذوبان أمام الهجرة الداخلية.
فرغم طغيان السذاجة على منطق الندم على الماضي، وعرض الإشكاليات التي كان من الواجب الإقدام عليها لتحقيق الغاية، والتي جميعها أكثر من معروفة لدى مجتمعنا، وهي النقاط التي أدت إلى تخبط الإدارة الذاتية، ودخول مرحلة المعاناة أو لنقل الصراع الجدي مع تركيا والنظام، وإحياء ذرائع لعودة النظام المجرم إلى المنطقة، وبعنجهية ليست بأقل من الماضي، مع اتهامات الكورد بالخيانة، أي في الواقع العملي عائدة مع مخطط وضع النهاية ليس فقط لقوى الإدارة، بل ولكلية الحراك الكوردي، وهذه نتيجة الإشكاليات التي لم يتم البحث فيها ولا قبول الآراء التي طالبت بحلها طوال السنوات العشر الماضية، ومنها:
1- قبول قوى الإدارة الذاتية ثنائية السلطة في المنطقة الكوردية من جهة، والتبعية لقوى المعارضة المرتهنة لأعداء الكورد من جهة أخرى.
2- عدم الجرأة على طرح مشروع إعادة الأراضي التي سلمت إلى الغمريين لأصحابها أو للفلاحين الكورد، ليس فقط لم تتناول الإدارة الذاتية هذه القضية، بل لم تبحث فيها أحزاب المجلس الوطني مع قوى المعارضة كبند من بنود التحالف معهم، وهو ما أدى إلى تغيير البنية الاقتصادية للمنطقة، سلبية مأساوية للشعب الكوردي والعرب والمكون المسيحي من أبناء المنطقة، ومزدهرة للغمريين والمهاجرين من الداخل إلى المنطقة.
3- السماح للنظام بتعيين المحافظ ومدراء المناطق، ووجود المربع الأمني في قامشلو، وهيمنة النظام على نظام المصارف ووجود بلدياته إلى جانب بلديات الإدارة الذاتية.
أي عمليا عدم جرأة الطرفين، اللذين فرضهما بعض القوى على الشعب الكوردي من أجل مصالحها، بالتعامل مع النظام أو قوى المعارضة من المنطق السياسي، أو ما يجب أن يدرج ضمن دستور سوريا القادمة، رغم المصالح الدولية المرجحة إلى جانبهما في بعض المراحل.
هذه الأخطاء إلى جانب غيرها أدت إلى عدم تمكن قوى الإدارة الذاتية من بناء أسس متينة لقادم المنطقة، وتراجعها عن منهجية تطبيق النظام الفيدرالي الكوردستاني والتي كانت تدعمها روسيا في البدايات ومن ثم أمريكا لاحقاً، وبالتالي تفاقمت ضبابية المستقبل السياسي والإداري للمنطقة، وزادت من تذبذب القوى الدولية والإقليمية حول القضية الكوردية في غربي كوردستان.
ليس بجديد، عدم وضوح مواقف الدول الكبرى على خلفية غياب المشروع القومي الكوردي أمام المشروع الوطني السوري غير الواضح. وهو ما يتوجب على الحراك الكوردي التركيز عليه، وكتابة المشروع القومي الكوردي، وأحياءه بالتفاوض مع جميع القوى المعنية بالأمر، ولا بد من أن يكون هذا من أحد أهم نقاط التقاطع بين جميع الأطراف الكوردية، والاتفاق على أسسه لتشكيل هيئات تتبناه أثناء الحوارات أو في التحالفات مع المعارضة أو النظام أو القوى الإقليمية والمحافل الدولية.