مع تواصل الفساد من دون رحمة أو محاولة فعلية وجريئة للقضاء عليه، وبغياب نظام انتخابي عصري عادل برغم مطالبة الرأي العام العراقي بذلك، ومع بقاء النظام الانتخابي ذاته الذي يصر الفاسدون على ابقائه لإدامة زخم سرقاتهم ونهبهم لأموال البلد وتعطيل اعماره بحجة المحاصصة الطائفية والاثنية، فان أي محاولة لإجراء الانتخابات برأيي مضيعة للوقت ولا قيمة لها وتمهيد جديد لمسلسل آخر من الخراب والبؤس والموت المجاني، فضلا عن "تفريخ" فاسدين جدد وزجهم لينالوا مكاسب مالية يوفرها لهم المنصب على حساب عامة الناس؛ بل لا قيمة أصلاً لما يسمى بالعملية السياسية برمتها.
يحاول الفاسدون الإبقاء على النظام لانتخابي الفاشل الذي سرنا عليه طيلة الأعوام الماضية منذ 2003 والاستمرار به تحت ذريعة الإبقاء على "الكبار" وعدم تكثير اعداد الأحزاب الصغيرة بحسب ما يصرح المروجون لهذا النظام البائس، وهم يحاولون طرح نماذج لدول يتبادل فيها الأدوار حزبان كبيران؛ او بضعة أحزاب على سدة الحكم. ونسى هؤلاء ان تلك الدول اقامت بوساطة سياسيين شرفاء حقيقيين وليسوا مزورين، انظمة مؤسساتية، يخرج فيها المسؤولون البلديون مع فجر كل يوم كل ضمن رقعته الجغرافية لمراقبة الشوارع وتسجيل حاجاتها الآنية لتلبيتها فورا كما انهم يقيمون مؤسسات تتابع الفساد وتجتثه من جذوره أولا بأول، وهم يوفرون بذلك أموال الدولة التي يخصص قسم كبير منها للعاطلين عن العمل، بصيغة رواتب مجزية الى ان تتمكن من تعيينهم وكذلك ادامة رعاية طبية دائمة للسكان وتوفير البيوت لكل من به حاجة للسكن؛ وفضلا عن ذلك يقيمون المصانع التي تعمل ليلا ونهارا لتلبي حاجات الناس اليومية الى الحد الذي سجلت شعوب دول منها الدنمارك والسويد والنروج في قمة مستويات السعادة؛ فما الضير اذاً ان يتبادل حزبان في أي من تلك البلدان السلطة مع كل انتخابات جديدة؛ بل هل ثمت مسوغ أصلاً للتساؤل عن طبيعة النظام لانتخابي اذا كان الجميع يتنافس لخدمة الناس وتحقيق البرامج الانتخابية قولا وفعلا؟!
المشكلة في الانتخابات العراقية ان الناس قبلها وابان اجرائها وبعد الفراغ من التصويت يدفعون الثمن غاليا في مسلسل دم نازف متواصل غير منتهٍ؛ اذ تعمل قوى سياسية وافراد لتنفيذ سياسات خاصة، كثير منهم بتأثير مصالح دول مجاورة واقليمية لمرام انتخابية غير عابئين بالضحايا الأبرياء الذين يسقطون من جراء أدائهم السياسي الفاشل.
تترافق مخاوف الناس هذه المرة من الانتخابات المقبلة مع تقرير نشرته مؤسسة "اكابس" البحثية التي تتخذ من مدينة جنيف السويسرية مقرا وهي غير ربحية وتدعم موظفي الإغاثة الإنسانية بالرصد والتحليل اليومي للأوضاع في 150 دولة، اذ تحذر المؤسسة من إنه من المتوقع أن تؤدي الانتخابات المرتقبة في أفغانستان والعراق وليبيا ودول أخرى ذكرتها إلى تأجيج التوترات والعنف بدلاً من إرساء الاستقرار بحسب تعبير المنظمة.
نحن غير معنيين بتفسير مخاوف تلك المؤسسة غير اننا اوردناها كمعلومة، ولكن فقراء العراق "فقراء في بلد من اغنى البلدان!" وسكانه قد خبروا ان العملية برمتها ضحك على الذقون وان السياسيين الذين جاءوا بفضل التدخل الأمريكي الغالبية العظمى منهم لم يطمحوا الا لجمع الأموال لإدامة عقاراتهم ومعيشة العائلات التي تركوها في بلدانهم الأصلية التي يحملون جنسياتها بعد ان كانوا يعانون الحرمان فيها؛ ومن اجل ذلك ادعوا دفاعهم عن مصالح اديانهم وطوائفهم وقومياتهم كي يكسبوا اصواتهم ولكنهم خذلوهم بان تركوهم يرزحون في أسوأ الأحوال.
أخلص الى القول ان الانتخابات المقبلة لن تعني شيئا وإنها محطة مظلمة في غيهب العراق البهيم.
ربما يسبب لي المقال الذي اكتبه، ورأيي الذي أفصح عنه، مشكلات ما؛ غير انني لن أعبأ بذلك، وانا أرى العراق يزحف بانتظام الى الهاوية وليس ثمة امل يلوح في افق أيامه الكالحة، فهل رحل الخيرون ليتركوا عراقاً منهارا آيلا الى الانتهاء الشامل والانقراض المؤكد؟! آمل خلاف ذلك.