طلبوا مني أن أتحدث عن الانتخابات وتطوراتها وتبعاتها لأن هذه هي قضية الساعة وهي الأولى بالاهتمام لأن الطبقة السياسية كلها تتطلع إلى تطورات الاحداث بهذا الشأن، فقلت لهم إن وضعنا اشبه بانسان مريض بمرض خطير قد يودي بحياته فيترك موعد الطبيب والمستشفى ليصلح تلفزيونه المعطل على سبيل المثال.
الانتخابات وتبعاتها وتطوراتها هي اشبه بالتلفزيون المعطل، ولكن المرض الخطير والحقيقي الذي قد يؤدي الى انهيار اقتصاد البلد والذي سوف نواجهه في حال استمر وضع الحكومة على ما كان عليه من عام 2003 الى الآن وبضمنها حكومة الكاظمي الحالية، للأسف أغلب الطبقة السياسية في وادٍ بسبب مصالحها الشخصية، والبلد ومستقبله ومصلحة المواطن العراقي والمخاطر التي سوف يتعرض لها في وادي آخر وليس محل اهتمامهم، لذلك اعتبر من الواجب علي توضيح المخاطر الحقيقية التي سوف يتعرض لها العراق والمواطن العراقي فألأولوية هي البلد والمواطن، وليس مهزلة الانتخابات ومصالح الفاسدين من الأحزاب ومن الطبقة السياسية.
سوف اعتمد لغة الارقام التي بها بعض التعقيد ولكنها لا تقبل الخطأ، العالم كله متجه الى الطاقة النظيفة (أي ان وسائل النقل تعمل على الكهرباء وليس على البانزين) و في عام 2030 سوف تتوقف صناعة السيارات التي تعتمد على البنزين في في اغلب دول العالم ان لم تكن جميعها وهذا معناه تقلص الاستهلاك العالمي للنفط بمقدار الثلثين عام 2030 لأن ثلثين استهلاك النفط في العالم هو بانزين السيارات، وتقلص الاستهلاك سوف يتم بالتدريج وبمعنى آخر بعد اربع سنوات أي عام 2025 سوف يتقلص الاستهلاك العالمي للنفط بمقدار الثلث، أي ان موارد العراق من النفط سوف تتقلص بمقدار الثلث عام 2025، اضف الى ذلك انه خلال اربع سنوات سيكون لدينا تقريباً مليوني شاب بسن العمل من خريجي الجامعات وغيرهم، وهذا سوف يفاقم المشكلة، على اثر تلك المتغيرات بعد اربع سنوات ولكي تكفينا موارد النفط فيجب على الحكومة ان تقلص المعاشات على اقل تقدير الى النصف، ولكن هذا لن يتم بتقليص المعاش كدينار عراقي، ولكن سوف تضطر الحكومة ان تقلل سعر الدينار كما فعلتها في نهاية عام 2020 بحيث يتغير سعر الدولار من 1500 دينار الى 3000 دينار، طبعاً هذا الامر إذا افترضنا ان سعر برميل النفط بحدود 80 دولار، فإذا هبط السعر عن 80 دولار فنسبة نزول المعاشات سوف تكون اكبر.
وهنا سوف يطرح السؤال (هل الحكومة كانت مضطرة ان تقلل سعر الدينار الى 1500 دينار للدولار قبل حوالي السنة؟) الإجابة: ان الحكومة غير مضطرة لا قبل سنة ولا بعد اربع سنوات ان تخفض سعر الدينار ولكن بشرط ان يكون لديها بدائل عن النفط، اما إذا لم يكن لديها بدائل عن النفط كما هو الوضع الآن فهي كانت مضطرة ان تخفض سعر الدينار قبل حوالي السنة الى 1500 وستضطر إذا لم تستطع توفير بدائل عن النفط ان تستمر بتخفيض سعر الدينار بالمستقبل حتى يبلغ سعر الدولار 3000 دينار عام 2025، هذه لغة الأرقام التي لا تقبل الخطأ.
وفي الواقع إذا اضطرت الحكومة الى تخفيض الدينار الى 3000 دينار فسوف يعيش اكثر من 90٪ من الشعب العراقي تحت خط الفقر، للأسف هذا ليس محل اهتمام الكثير من السياسيين الّذين قد جمعوا ولا زالوا يجمعون مئات الملايين من الدولارات التي سرقت من أموال هذا الشعب المستضعف .
وهنا سوف يبرز السؤال التالي، ما هو الحل امام هذا الواقع؟ وماهي البدائل عن النفط؟ وكيف ممكن ان نحققها؟
هناك عدة بدائل واهمها تفعيل الاستثمار، ولكن هل من الممكن تفعيل الاستثمار، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، فما هي العوائق وكيف يمكن تفعيله.
كانت اكبر فرصة للعراق لتحقيق الاستثمار على مستوى واسع هو مؤتمر اعمار العراق الذي عقد في بداية عام 2018 في الكويت حيث تم تخصيص 30 مليار دولار كمنح وقروض ميسرة واستثمارات، ولكن الى حد الآن بعد مرور حوالي اربع سنوات لم يكن ممكناً استثمار دولار واحد من هذه ال 30 مليار دولار، فما هو السبب ؟؟؟؟؟
نستطيع ان نحدد ثلاثة أسباب:
الأول : هو المحاصصة، المحاصصة هي اكبر عائق للاستثمار لسببين
عندما يكون الوزير فاسدا ويسرق بسبب المحاصصة لنفسه ولحزبه فسيضطر ان يسكت عن فساد كل الكادر الوزاري من الوكيل الى اصغر موظف، وبالتالي سوف ينخر الفساد بكامل الوزارة، لذلك عندما يأتي المستثمر العراقي وغير العراقي فمن الطبيعي أن يدفع رشاوي وعمولات من اكبر موظف إلى اصغر موظف، ومن الطبيعي ان تستغرق إجازة الاستثمار بين سنة ونصف الى ثلاث سنوات كما هو الحال الآن، وفي حقيقة الامر لا يوجد اي مستثمر حقيقي مستعد ان يدفع كل هذه الرشاوي ويصرف ثلاث سنوات للحصول على إجازة الاستثمار ، لذلك من الطبيعي انه بعد اربع سنوات من مؤتمر الكويت لم يأتِ أي مستثمر حقيقي او شركة رصينة للاستثمار استناداً الى هذا المؤتمر.
كما انه بسبب المحاصصة تم توزيع الوزارات على الأحزاب لكي يمولوا احزابهم وليس لكي ينهضوا بالقطاع المختص بالوزارة، فقطاع الكهرباء على سبيل المثال كان فقط يحتاج إلى خمسة عشر مليار دولار لكي نحقق 36 الف ميكاوات وهذا اكثر من حاجة العراق اليوم ويغطي الحاجة المستقبلية حتى عام 2025، هذه الأرقام مماثلة بالضبط لما فعلته مصر مع سيمنز؛ ولكن للأسف نرى انه خلال ثمانية عشر عاماً تم صرف حوالي 80 مليار دولار ولكن إنتاج الكهرباء الآن لا يسد الا جزء بسيط من حاجة البلد، أي انه تمت سرقة عشرات المليارات من الدولارات وتقاسمتها الأحزاب الفاسدة استناداً إلى مبدأ المحاصصة ...
الثاني : السلاح المنفلت. هناك نوعان من السلاح المنفلت
السلاح الثقيل كالصواريخ او ما شابه، انهم يدعون ان الصواريخ تستخدم لضرب سفارة لدولة معادية وهي اميركا، وفي الواقع انه لو تضررت اميركا بمقدار (واحد) من الصواريخ المنفلتة فإن الضرر الذي يصيب العراق هو (مئة)، فهذا الصاروخ الذي قد يسقط بالخطأ ويقتل عائلة عراقية او أي انسان مدني كما حدث في بعض المرات، في مثل هذا الواقع فانه من المستحيل ان يقدم أي مستثمر سواء عراقي او غير عراقي للاستثمار بمثل هذه البيئة الخطرة، لذلك حسب اعتقادي ان من يستخدم الصواريخ لضرب السفارات هي جهات تريد الاضرار بالعراق وتحركهم ايادي دولية معادية للعراق، وهي نفس الايادي التي اغتالت الكثير من العقول وأساتذة الجامعات بين عامي 2003 – 2007 وهم الطرف الثالث.
السلاح الخفيف ومسدسات كواتم الأصوات والتي من خلالها تمت عمليات الاغتيال للكثير من الناشطين ومن الشخصيات العراقية فضلاً عن الصراعات العشائرية، وإذا لم تتشكل حكومة قوية تستطيع الحفاظ على الامن فلا يمكن ان نفكر بالاستثمار وبتوفير بدائل عن النفط بطريق الاستثمار
الثالث: افتقادنا لسياسة اقتصادية وخطط واقعية ومدروسة للنهوض بالبلد وإيجاد بدائل عن النفط
للأسف جميع الحكومات منذ عام 2003 الى حكومة الكاظمي لا تمتلك أي تصور لسياسة اقتصادية ولخطط واقعية للنهوض بالبلد، آخر ما افرزته حكومة الكاظمي هو الورقة البيضاء وهي ورقة فيها بعض الحلول ، ولكن من المستحيل ان تحقق هذه الحكومة أي انجاز اقتصادي انطلاقاً من هذه الورقة البيضاء لا لخمس سنوات كما ادعوا ولا حتى عشر سنوات ....... ولسبب بسيط ...... لأن نفس هذه الحكومة أي حكومة الكاظمي تتبنى سياسة مناقضة لاهداف الورقة البيضاء وهي المحاصصة ...... فضلاً عن عجز الحكومة عن توفير الامن، لذلك الورقة البيضاء سوف تبقى للأسف الشديد حبر على ورق بسبب المحاصصة وبسبب فقدان الامن ، ولكي نكون منصفين فإن هذه الحكومة بهذه الورقة البيضاء وضعت بداية ومسودة لسياسة اقتصادية اما قبل حكومة الكاظمي فلم يكن هناك وجود لأي سياسة اقتصادية ولكن مجرد تعليمات بائسة وغير مدروسة للنهوض بالبلد، فمثلاً تم وضع حوافز سقيمة لجلب شركات للاستثمار في مجال مصافي النفط، فلم تأتِ أي شركة، وهناك الكثير من القرارات البائسة المشابهة
لقد كانت الحكومات السابقة تطلب من الوزارات وضع خطط خمسية فردية وليس ضمن سياسة اقتصادية عامة للبلد وكنت وزيراً في حينها ورفضت هذه التوجيهات العقيمة وبالمقابل قدمت دراسات للحكومة لوضع سياسة اقتصادية واضحة المعالم وخطط مدروسة للنهوض بالبلد وتوفير فرص عمل للشباب استناداً لسياسة اقتصادية واقعية، ولكن للأسف كان الجهل هو الذي كان يعم ....... والفساد كان هو الهدف للكثير من المتصدين من الطبقة السياسية .....
إذاً نستطيع ان نلخص الحل لإنقاذ البلد من مستقبل مخيف ومجهول والنهوض به هو تحقيق ثلاثة اهداف أساسية، الأول انهاء المحاصصة للقضاء على الفساد، والثاني انهاء دور السلاح المنفلت لتوفير الامن . والثالث وضع سياسة اقتصادية واقعية وخطط ممكنة التنفيذ للنهوض بالبلد [يمكن الاطلاع أجزاء من هذه السياسات والخطط وبالذات توفير فرص عمل للشباب على الرابط ادناه] :