بالاطلاع على تقارير المؤسسة السورية للحبوب، واستعداداتها، والأرقام المطروحة، تبين وكأننا أمام سلطة إنسانية تحمل هم المزارعين، وتقف على المشاكل المحتملة وبشكل حضاري، ولا يوجد هناك شيء اسمه النهب والإجرام وتدمير البنية التحتية للشعب. ولكن ما يظهر على العلن ويجري في المراكز، وتصاريح شريحة من المزارعين، وحديث الشارع الكردي، تبين أن مجتمعنا أمام نظام أجرامي يمص دم الشعب، ويدفعه إلى الفقر ومن ثم الهجرة، وهناك إدارة كردية تصمت أو تساير الكارثة، تحت حجج لم تعد مقبولة، وعليها أن تدرك أنها أمام مرحلة مصيرية لا تقل عن مرحلة القضاء على داعش عسكرياً، مرحلة وجود أو عدمه.
1- قال مدير فرع مؤسسة الحبوب في القامشلي، أن المؤسسة حددت مركزين للشراء جرمز والصوامع، إلى جانب مطحنتي الجزيرة في القامشلي ومطحنة الحسكة بمعدل 700 طن يوميا، لكن في الواقع هذه المراكز ظلت وهمية، فقط مركز جرمز هو الوحيد الذي فتح للشراء، وهي كما ذكرنا تستقبل المئات من قاطرات تجار الحروب وبعد أن تنتهي منهم تقوم باستقبال محاصيل الفلاحين، بعدما يتم ترضية الجميع: ضابط الدور، وموظف التقييم والسجلات، وغيرهم بالرشاوي الضخمة، والتي أصبحت شبه رسمية في مركز جرمز.
2- من أصل 41 مركزاً لتخزين وشراء الحبوب و34 صومعة معدنية، و8 صوامع بتونية كبيرة في محافظة الحسكة، ومعظمها تحت سيطرة الإدارة الذاتية، وبالتأكيد للسلطة هيمنة غير مباشرة عليهم وبإمكانهما استخدام معظم هذه الأماكن كمراكز للشراء، لكن الطرفين وكأنه بينهما اتفاق ما، لم يفتحوا سوى مركزين فقط للشراء.
3- حددت فترة عمليات صرف قيم القمح بين يوم وثلاثة أيام كحد أقصى، وفي الواقع هذه المدة هي لتجار وسماسرة المحافظ والقاطرجي، أما للفلاحين يقول البعض منهم أنه مر على يوم الاستلام أكثر من أسبوعين ولا نزال ننتظر، وهذا أسلوب أخر للرشاوي، فالذي يدفع سيستلم بشكل أسرع.
4- وذكر أن الدولة خصصت قرابة مليونين و630 ألف كيس للموسم الحالي، ذات الجودة المتدنية، والتي تؤدي إلى مشاكل إضافية للمزارعين وخسائر كميات من المحصول، وزعت نصفها على السماسرة ومافيات الحرب، فأصبحت مفقودة في مراكز الدولة، رغم أنها تدعي أنه لديها فائض في الأكياس، والمزارعون لا يحصلون عليها، فاضطروا إلى شرائها أ من الأسواق السوداء، بضعفي تسعيرة الدولة، أي بقيمة 1400 ليرة سورية للكيس الواحد، وهي نفس الأكياس التي كان من الواجب أن يحصل عليها المزارع من المركز بـ 700 ليرة، كما وحصل تناقض بين الثمن وكيف سيقتطع من ثمن المحاصيل، ليس بسعر السوق السوداء، ولا بنصف سعر الدولة، رغم احتفاظ المركز بالأكياس، ولا يعوضون الفلاحين إلا عن جزء بسيط منه، إن لم تم تؤخذ كرشاوي.
5- لا شك ذكروا أنهم رصدوا قرابة 70 مليار ليرة سورة لشراء الشعير، و400 مليار للقمح، مع ذلك تتأخر فترة الدفع، وبالمقابل وضعت برامج للنهب بحيث سيرجع نصف هذا المبلغ إلى جيوب موظفي المركز وسماسرة السلطة وتجار الحروب، وبالتالي الفلاحون سيخرجون من عملية البيع وهم في عوز أمام الموسم القادم، من البذار والسماد وثمن الفلاحة، والأكياس، والأدوية المعقمة، إلى غيرها من الإشكاليات.
6- كما وأن هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية أعلنت أنها رصدت قرابة 200 مليون دولار لعمليات الشراء، لكن ما تم، هو أن الإدارة الذاتية توقفت عن الشراء، تحت حجة شح السيولة المادية، ولا يعقل أنها صرفت المبلغ المذكور.
7- على المزارعين والفلاحين أن يمروا على أربعة حواجز للسلطة على الأقل، حسب بعد قراهم، فعلى سبيل المثال قرى منطقة شرقي قامشلو يسلكون إما الطريق الدولي، أو من دوار الزور، والاتجاهان يمران من حارة الطي إلى مركز النظام، وعليهم أن يدفعوا لكل حاجز مبلغا دسما، وقبلها عليهم أن يدفعوا أجرة النقل بأضعاف ما كان يدفعونه في السنوات الماضية وهي تتراوح ما بين 350-450 ألف ليرة سورية للقاطرة والمقطورة، لأن معظم الناقلات محجوزة لتجار الحروب وقوافلهم القادمة من منطقتي الرقة والطبقة وربما ديرالزور، إلى جانب ما يشترونه من منطقة القامشلي، وجميعها تتجمع في المركز الوحيد المذكور (جرمز) وحيث الموظفين والدوائر التي تبدأ من بوابتها الرئيسة مسيرة الرشاوي والفساد، وقهر المواطن ونهب المزارعين.
8- ليحصل المزارعون على الدرجة المناسبة لنوعية قمحهم، ولا يأخرونهم لأيام في الدور، عليهم أن يدفعوا ما بين 100 إلى 150 ألف ليرة سورية على كل قاطرة، لضابط الدور، ومثلها لموظف التقييم، ومبلغ إضافي للذين وراء الطاولة والذين يمررون ويجهزون الأوراق، ونحن هنا لا نتحدث عن أجور العتالين، والمصاريف الجانبية، فبدون هذه الرشاوي ستظل محاصيلهم جامدة على القاطرات ليومين وأكثر أمام باب المركز، وهذا ما يحصل عادة، لأن قاطرات المحافظ وقاطرجي البالغة أعدادها يوميا قرابة المئة سيارة، تدخل إلى مركز جرمز وبدون نظام أو تحت حجة أنها حصلت عليها قبل أيام، فكل الأوراق الرسمية عندهم يختمونها شكليا إذا دعت الضرورة، وبالتالي يضطر المزارعون الكرد إلى دفع تكاليف إضافية على الحمولة، وهي قرابة 25 ألف ليرة سورية لليوم الواحد ستضاف إلى 400 -450 ألف ليرة أجرة النقل...
ملاحظة: بلغتنا ونحن بصدد نشر هذه الحلقة، أنه تم إغلاق مركز جرمز أيضا، وينشر الخبر على أنه تم باتفاق مع الإدارة الذاتية، وبدون معرفة السبب، وفيما إذا كانت مؤقتة، أم دائميه، وهل ستقوم بخدمة تجار الحروب، الذين سيفتح لهم المجال بالتحكم بالسوق وشراء المحاصيل بالأسعار التي يرغبونها، خاصة وأن معظم الفلاحين والمزارعين لا توجد لديهم أماكن مناسبة للتخزين، فسيضطرون إلى بيعها بأدنى الأسعار، وهي أفضل من احتمالية أن تحرق أو تنهب من قبل عصابات السلطة وأدواتها في المنطقة وخلايا داعش. ففي الحالة الأخيرة هل ستقوم الإدارة الذاتية بفتح مركزي محطة تربه سبيه والصوامع، أما لا؟ وإلا فإن الكارثة ستتفاقم، وعليه نطالب مسؤولي الإدارة الذاتية التصرف وبعجالة للقيام بواجباتهم، وإيجاد حلول سريعة والحد من تجار الحروب، وإلا فالتاريخ لن يرحم.