يعد اكتشاف DNA على يد العالمان كريك وواتسون أكبر اكتشافات القرن الماضي. أما تحول المجتمعات من العصر الثالث للتطور (عصر التكنولوجيا) إلى العصر الرابع من التطور(العصر الرقمي) ، يعد أمراً مثيراً ساهم في قفزات نوعية كبيرة في الطاقة والطب وعلوم الحياة، والتعليم والزراعة والاقتصاد. ويعود الفضل في ذلك إلى الجامعات وباحثيها الذين أسهموا في شكل كبير في عملية التطوير والتنمية في تلك المجتمعات. يا ترى ما هو السر الذي ساعد على بروز تلك الإنجازات؟
يعود السبب في ذلك هو ظهور منطق الجامعات الريادية والتي تعُد تنمية المجتمعات مهمة وطنية كبرى لابد من إنجازها وذلك من خلال التركيز بشكل كبير على الابتكار والأبداع وروح المبادرة. وقد أدركت الحكومات بشكل عميق أن تطور المجتمعات وتنميتها اقتصاديا يتوقف بشكل كبير على تحريك عجلة الابتكار والمبادرة. ومن هنا بدأت تلك الحكومات بعقد شراكات كبرى مع الجامعات وعمدت على تسويق الابتكار وذلك من خلال برامج المنح المالية وبرامج التحفيز. وتبرز أهمية الابتكار في حجم الأنفاق المعد لهذا الغرض، فقد أنفقت 650 جامعة أميركية 49 مليار دولار على البحث والتطوير في العام 2006!. وتشير إحصائيات أخرى أن مجموع ما أنفقته الحكومة الأميركية في عام 2009 مبلغ قدرة 36 مليار دولار على الابتكار مما جعل أميركا أن تتصدر مركز قيادة الابتكار في العالم.
ويتجلى أمرا مثيراً لأهمية الابتكار من خلال قيمة الشراكة مع المؤسسات والشركات على مدى عشر سنوات الماضية. فقد تصدرت جامعة سيؤل الوطنية في كوريا الجنوبية جدول الجامعات المشاركة في تطوير منتجات شركة سامسونك بـ 1204 عمل مشترك. في حين تصدرت كلية إمبريال اللندنية قائمة الشراكة مع شركة كلاسكو-سميث للأدوية وذلك من خلال 459 عمل ابتكاري.
أما جامعاتنا على الرغم من أنها أجندتها تنشد التنافسية، وتسعى إلى الريادة العالمية، وجميعها تزعم بأنها تساهم بناء الاقتصاد المعرفي, ألا أن الجواب يأتي من ارض الواقع بأن الريادة والابتكار هما أبعد حتى من خط الشروع لاسيما في ظل وجود مناهج وأساليب تدريس تعزز الحفظ والتلقين بدلاً من الابتكار والأبداع . هذا الواقع يدفعني أن أقدم بعض المقترحات التي قد تساهم في بناء جامعات ريادية وابتكارية:
- أن المهمة الثلاثية للجامعات هي التعليم-الخدمة-البحث, ولابد لجامعة ما أن تركز على مهمة واحدة على الأقل لكي تتميز, وهنا لابد من توصيف جامعاتنا بناءً على هذه المهام مثلا جامعة بحثية وأخرى خدمية من اجل التركيز على العمل.
- تحديد نقاط القوة البحثية للجامعات، وبدورها تبحث الجامعات عن شركاء لتكملة نقاط القوة والتغلب على نقاط الضعف، من خلال شراكات المؤسسات الاقتصادية والشركات الصغيرة.
- أن تضع الجامعات المتطلبات الأساسية بتنمية الابتكار والمبادرة وذلك من خلال تعزيز النمو الفكري والمعرفي عن طريق المناهج الدراسية وكذلك تحفيز طلبتها وأعضاء هيئة التدريس فيها ضرورة الإسهام في تنمية المجتمع المحلي من خلال الخدمات والمشاريع.
- أعادة برمجة فلسفة وثقافة ونظم الجامعات بما يضمن تحريكها وفقا لمنطق الابتكار والذي سيساعد على ازدهار المجتمعات المحيطة.
- حماية وإدارة الحقوق الفكرية للتدريسيين والطلبة ومن ثم العمل على تسويقها وذلك من خلال أنشاء نوافذ علمية وإدارية تعمل على ذلك.
- أنشاء مراكز ابتكار وشبكات علمية تعمل تقدم عروض التدريب على الابتكار والمبادرة وتقديم أنشطة توعوية للباحثين والطلبة والتي تساهم في تحقيق النمو المعرفي والفكري وتقديم الزمالات للباحثيين الخارجيين.
- أنشاء برامج أكاديمية تمنح شهادات متقدمة في الريادة والابتكار وكذلك توفير مقررات دراسية تروج أفكار الابتكار والمبادرة وعلى مستوى البكالوريوس.
- وضع مبادئ لتوظيف الباحثين بما يتناسب مع دعم الابتكار والمبادرة بدلاً من التوظيف من اجل ملئ العمل.
- ربط الأبحاث العلمية والتعليم الجامعي بمصالح المصانع الصغيرة والناشئة والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، لان تلك المؤسسات تبحث عن مصلحتها أولا وهنا لابد للجامعات أن تحقق مصالح تلك المؤسسات ومصالح المجتمعات معاً.
- وضع التركيز على المؤسسات الصغيرة وتسهيل عملية التعاون معها فضلاً عن عقد استراتيجيات شراكة مع الشركات الكبرى من خلال تقديم الاستشارة وتدريب موظفيها وأنشاء برامج استثمارية معها.