في تموز عام 2015 كنت قد التقيت بمسن ايزيدي قد تجاوز مئة عام من عمره وهو عائد من أسر تنظيم داعش للتو،لكي يكون شاهد على اكبر فضائع أرتكبت بحق مجموعة بشرية في العصر الحديث.التجاعيد في وجهه ونبرة الحزن في صوته، نوبات البكاء التي كانت تراوده بين الحين والاخر وهو يتحدث عما تعرض له الايزيدية كانت تنبئ بحجم المأساة التي واجهتها الايزيدية في ابشع حملة ابادة جماعية واجهتها هذه الاقلية المسالمة .
حيث انه بدأ حديثه بالدموع وهو يستذكر الايام قبل مجيئ تنظيم داعش وكيف ان أسرته كانت مجتمعة على مائدة الفطور وان جو من البهجة والسرور كانت تخيم بين افراد اسرته، وان هذه اللحظات قد تحولت الى حزن عميق وجرح لا يشفى في غضون لحظات من هجوم عناصر تنظيم داعش على بلدة سنجار واقدامه على ارتكاب جرائم مروعة من القتل الجماعي والاختطاف والترهيب، والتي كانت أسرة هذا المسن الايزيدي احدى ضحاياها التي وقعت في اسرهم.
عندما تبادلنا اطراف الحديث، قال: في الايام الاولى من هجوم داعش على المنطقة بقينا محاصرين داخل بلدة شنكال (سنجار) لمدة عشرة ايام، مسلحوا تنظيم داعش قاموا بتحذرينا بعدم مغادرة البلدة والا مصيرنا سوف يكون القتل، ابني الاكبر كان لديه ابنتان في سن البلوغ وكان قلقا جدا من اجلهما وكان يخشى كثيرا ان يتم اتخاذهما من قبل مسلحي التنظيم،عندما حاك الليل اول خيوطه، غادر المنزل مع زوجته وبناته، سالكا طرق المتعرجة في الازقة الضيقة داخل البلدة،وفي الطريق التحق بهم أسرة ايزيدية اخرى،وتعرضوا الى اطلاقات نار كثيفة لكنهم وصلوا بسلام الى اطراف جبل شنكال (سنجار) بعد ان شقوا طريقهم وسط الجثث المرمية على جانب الطرقات وخطورة الطريق.

 
المسن الايزيدي مع بقية افراد اسرته مكثوا داخل منزلهم لايام اخرى، فارتاد اليهم متطرفوا تنظيم داعش، وتوجهوا اليهم بالسؤال عن وجود شخص اخر كان معهم في المنزل، فقال لهم الرجل ذو المئة عام انه لا يوجد شخص اخر معهم، هنا بدأ الشك يدب في نفوس جهاديي التنظيم  حول هروب بعض الاشخاص والاسر من البلدة، فاخذوا بعمل احصائيات خاصة لكافة الاسر والافراد الموجودين داخل البلدة.
بعد الانتهاء من عملية الاحصاء، امر أمير تنظيم داعش في المنطقة والذي كان ينتمي الى عشيرة " البو متيوت" العربية وعن طريق مساعده المدعو " سلام الجغايفي" بترحيل ألاسر الايزيدية المحتجزة الى الى قرية كوجو، شرقي بلدة بعاج بالقرب من الحدود السورية، وبحسب قول ذلك المسن الايزيدي فان مسلحوا داعش قد صادروا كافة ممتلكاته الشخصية والتي كانت تتكون من 400 رأس غنم، سيارة حديثة، نحوا 400 طن من حبوب الحنطة والشعير.   
 
مقابر جماعية في قرية كوجو
 
المسن الايزيدي يروي بانه بعد اقتياده الى قرية "كوجو" بالمركبات التابعة للدولة الاسلامية وجد اربع مقابر جماعية في القرية  ضحاياه جميعا من الايزيدين ومن مختلف مناطق سنجار (شنكال) , احدى المقابر كانت داخل سياج احدى المنازل وكانت مغطاة بكميات قليلة من التربة , ومقبرة اخرى في احدى الحفر في اطراف القرية , ومقبرتين جماعيتين في سياج احدى المدارس داخل القرية  , وتقدر عدد الجثث في تلك المقابر بنحو500 - 600 جثة اغلبهم من الرجال والبعض قالوا اننا رأينا جثث النساء ايضا بينهم  حسب قوله".
بعد مضيء 10 ايام من مكوثنا في القرية حدثث اشتباكات مسلحة بين عناصر داعش المحليين الذين ينتمون الى عشيرة (البو متيوت ) وعناصره الاجانب وعلى أثره تم قتل احدى الامراء الذي كان ينتمي الى عشيرة (الجبور) العربية .
 
تأثير وسائل الاعلام بعد نقل المختطفين الى تلعفر
الرجل العجوز تواصل في حديثه قائلا: بعد توقف الاشتباكات المسلحة بين عناصر التنظيم تم اقتيادنا الى قرى تعود لتركمان الشيعة على اطراف بلدة تلعفر بالقرب من مطار تلعفر العسكري, وتم توزيعنا في منازلهم المهجورة , واضطرينا على استخدام ادوات تلك المنازل بما فيها اجهزة التلفاز , وفي احدى المرات صرح (نائب ايزيدي سابق في البرلمان العراقي وقائمقام مدينة سنجار) عبر شاشة احدى القنوات التلفزيونية بانهم سوق يقومون بتحرير كافة المختطفين والمختطفات من تلعفر في الايام القادمة حينها قلت ان هذا التصريح ليس من صالحنا وانها سوف تؤثر على وضعنا بشكل سلبي , وبالفعل على أثره تم اقتيادنا مع كافة المختطفين الاخرين  الى منطقة الغابات في مدينة الموصل ".
 
مشاهد مأساوية وانتهاكات بحق المختطفين في مدينة الموصل
 
المأساة والتراجيديا المروعة لا يمكن وصفها بالكلمات سيما انك تعيش تحت رحمة من ليس له رحمة وبهذا الخصوص قال الرجل المسن : بعد ان تم نقلنا الى منطقة الغابات في مدينة الموصل وضعنا بدأ يزداد سوءا , حيث اجبروا الشبان الايزيدين على اداء الصلاة , واخذوا الاطفال من حضن امهاتهم لزرع افكار متطرفة في عقولهم وتدريبهم على فنون القتال ,واخذوا الفتيات حتى السن العاشرة عنوة واجبروهن على ارتداء الحجاب والخمار الاسلامي , والفتيات اللواتي تم تزويجهن لعناصر الدولة الاسلامية كانوا يأتون بهن لزيارة امهاتهم مرة كل 20 يوم ووضحوا للامهات ان هذه الفتيات جئن لغرض زيارتكم باعتباركن امهاتهن واذا تم مسهم بسوء فاننا سوف نقتلتكم وصراخ تلك الفتيات تعلوا سماء مدينة الموصل، وفي احدى المرات اخذوا فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات عنوة وعند مجيئها كانت تسير بشكل اعوج لكثرة تعرضها للاغتصاب من قبل جهاديي تنظيم داعش , وبعد يومين من الزيارة قاموا باقتياد تلك الفتاة مرة اخرى دون ان تعود وعندما سألنا عنها قالوا انهم لقت حتفها نتيجة للاعتداءات الجنسية المتكررة عليها، بالاضافة الى قلة الطعام والماء , وكانوا ينادوننا بــ(الكفار).
كنا نستمع الى المذياع (الراديو) بشكل سري ونتناقله فيما بيننا لعلى وعسى ان نستمع الخبر متعلق بانقاذنا من الجحيم الذي كنا نعيش فيه لكن لم تأتي خبر فيما يتعلق بذلك .
بعد البقاء في منطقة الغابات لمدة 20 يوم زرت بعض اقاربنا الذين كانوا أسرى ايضا , وتحدث احدهم قائلا , اليوم أتى شخصين لزيارتنا فتحدث اليهم شاب ايزيدي وقال لهم : نحمد الله اننا اصبحنا مسلمين ونؤدي صلاتنا وتعاليمنا على الدين الاسلامي , فقال احدهم لا انتم كرافئنا (يوجد بيننا صلة الدم) ونحن من عشيرة (الطي) العربية ولم يستطيعوا تقديم المساعدة لنا .
 
تلوح في الافق بوادر الافراج عن بعض المختطفين
الرجل العجوز الذي اهلكته الدهر واخذت منه نصيبه من ألالام في ظل العيش تحت حكم الدولة الاسلامية "داعش" لاشهر قال في احدى الايام سمعت ان بوادر الافراج عن بعض المختطفين الايزيدين تلوح في الافق خاصة بعد ان سمعت شخصا من مدينة الموصل يدعى "سالم" يعمل كعنصر استخباراتي لدى تنظيم داعش وهو يقول بانه " يوجد نوايا لعقد صفقة سرية بين تنظيم داعش من جهة وبغداد واربيل وانقرة من جهة اخرى للافراج عن المختطفين ".
 
وبعد مضيئ 28 يوما من حديث العنصر الاستخباري "سالم" أتى الينا جهاديوا تنظيم داعش وقاموا بفصل اكثر من 200 مختطف عن الاخرين اغلبهم كانوا يعانون من الشيخوخة والامراض المزمنة والمستعصية، احدهم لمح بانهم سوف يقدمون على قتلنا، فدب الهلع في نفوس الجميع وانهالوا بالبكاء.
 
بينما كنا نسلك احدى الطرق الترابية مع شقيقي وشخص اخر بمركبة تابعة للدولة الاسلامية، توقفنا في احدى نقاط التفتيش، الشخص الذي كان واقفا في النقطة كان لديه لحية ومرتديا للزي الافغاني القصير، التفت يمينا وشمالا فلم يرى احدا حوله، فوضع رأسه في السيارة وقال باننا سوف نسلمكم الى قوات البيشمركة في اطراف مدينة كركوك،

بعد ان تم تسليمنا الى قوات البيشمركة قدموا لنا بعض الاسعافات الاولية والادوية ووجبة طعام، وفي مدخل مدينة كركوك كانت تتواجد العديد من القنوات التلفزيونية ووسائل الاعلام، مراسل احدى القنوات التلفزيونية بدل من تخطية وضعنا المأساوي وخبر الافراج عن اكثر من 200 شخص من الجحيم توجه الي بسؤال عن سبب حملي العقال العربي على رأسي ؟! فقلت له ان هذا العقال لا يمد بصلة للثراث الايزيدي العريق وكان ينبغي علي ان ارتدي الزي الايزيدي التقليدي، لكن خوفا من العرب ارتدي هذا اللباس. فلم يكف بلائه عني وتوجه الي بسؤال اسخف من الذي ذكرته، حيث قال لي : هل تحسب نفسك كورديا ؟!، فقلت له ان الكورد جميعهم كانوا ايزيدين وبشهادة قادتكم واصبحوا مسلمين في ابادات كهذه، تم تركته وأمضيت في طريق العودة الى النزوح بعد قضاء اشهر في جحيم الدولة الاسلامية.