توجه الكركوكيون قبل حوالي سبعة أشهر نحو صناديق الإقتراع وفي أذهانهم إختيار من يستطيع، أو يحاول، تغيير قواعد اللعبة وتحسين أوضاعهم المأساوية، وعدم رؤية مدينتهم تحت ظلال التدخلات والضغوط الخارجية والداخلية التي تحضر بقوة، سواء بشكل مباشر أو عبر الوكلاء، مع إثارة كل توتر لرفع مناسيبه وتعكير المناخ السياسي في المحافظة. والكثيرون منهم  كانوا يتصورون أن سبل السلامة والأمن والإستقرار والبناء والإعمار وإنهاء الصراعات السياسية والقومية والمذهبية في مدينتهم تمر عبرصناديق الإقتراع.

   ولكن الأحداث والوقائع، رغم إجراء عدة جولات من المحادثات بين الأحزاب السياسية، وتقديم العديد من الأفكار والمقترحات، أبرزت عمق تشابك القضايا وإستحالة معالجة تعقيداتها بالأماني مع أناس يرغبون في إثارة النعرات ويسعون إلى تعكير الأجواء السياسية وإطالة أمد الصراعات لتأمين موقعهم في المشهد السياسي، خاصة مع الذين تآكلت مصداقيتهم لدى الشعب وبدؤا يشككون بشكل متزايد في قدرتهم على الصمود أمام إنهيارهم الحتمي، وأخذوا لايفكرون حين يقولون ما يقولون، ولا يتراجعون أو يعتذرون في ما بعد عن ما قالوه.

   رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أعلن خلال إجتماعاته العديدة مع الأطراف الفائزة في كركوك عن حرصه على مواصلة العمل لتحقيق أهداف العملية الإنتخابية، ودعا لعقد إجتماع لمجلس المحافظة وإختيار رئيسها، والمحافظ، وتوزيع المناصب المناصب الأخرى، وتحقيق تعاون مشترك وتمثيل عادل لجميع مكونات المحافظة.

   البعض من الاحزاب السياسية عبّرت بصراحة عن دعمها لمبادرة السوداني عبر تصريحات إيجابية أثبتت البحث الحقيقي عن الحلول الأكثر وجاهةً والقابلة للتطبيق على أرض الواقع. ولكن في الجهة الأخرى، تواصلت الانقسامات العميقة بين الكتل الكوردية والتركمانية والعربية، بسبب تراكمات الماضي، ومواقف ملغومة تم تبنيها في مواقع ومحافظات أخرى، وبعضها الآخر بتشجيع ومباركة من جهات عراقية وأطراف إقليمية. وتبين أن البعض من الفائزين جامدين في مواقفهم، جاهدين من أجل إحياء شرعيتهم التي عرفت تراجعاً كبيراً، ومصممين على الحفاظ على مصالحهم الخاصة عبر التمسك بمقترحات غير واقعية وشعارات بالية وإثارة النزاعات والتشكيك المستمر برؤية ومواقف وآراء الآخرين والتشويش على أي تقارب بين الفائزين.

   في خطوة على الطريق الصحيح نجح السوداني، قبل أيام، في جمع الأعضاء المنتخبين في قاعة واحدة، وعقد إجتماع بروتوكولي يمكن أن يعتبر بداية صحيحة لطريق وعر ملىء بالمطبالت. لذلك يتم الآن تداول عدة سيناريوهات محتملة لمسار تطور الأحداث خلال الفترة المقبلة، نذكر أ{بعة منها:

  * السيناريو الأكثر ترجيحاّ هو أن يواصل السوداني جهوده ويدعو الى مشاركة سياسيين مؤثرين، وربما من قادة الصف الأول في الأحزاب الفائزة، في حوارته مع الفائزين، لإنجاح مبادرته التي تهدف الى مراعاة حقوق الناخبين المشروعة وإيلاء كركوك الأهمية التي تستحقها.

   * والسيناريو المحتمل الثاني هو كبح جماح طموحات البعض من المتعنتين الذين يحملون ملَفات لا تخدم سوى مصالحهم الشخصية والحزبية، وثنيهم عن مواصلة سياسات إرباك الحسابات وإثارة المخاوف وتقويض الجهود الجادة، ومنعهم من التماطل والتسويف وخلق الزوابع الإعلامية، وإفهامهم أن اللعبة أهم من رغباتهم الفردية، وأكبر من أحجامهم ومبالغاتهم ودعاباتهم. وبالإمكان إبعادهم عن الطريق بسبل قانونية ودستورية.

  *  والسيناريو المحتمل الثالث، هو تقليد تجربة إئتلاف إدارة الدولة التي طبقت في بغداد، في كركوك، مع بعض التغييرات. وإتخاذ تدابير سياسية وإدارية تعبر عن الإلتزام الجاد والتصميم الواضح على التغلب على المشكلات وتسوية الصراعات على أساس الأوزان الإنتخابية.

   * أما السيناريو الرابع، فلن يكون طويلاً وشاقاً ومعقداً كما يصفه البعض، وهو الدعوة الى حل المجلس الحالي وإعادة الإنتخابات المحلية في كركوك. وهذا ما لا نتمناه لأنه ينعش بازار التدخلات الخارجية في خصوصيات كركوك، ويجدد عبث العابثين ومزايدات المزايدين السياسيين دون خوف ولا حياء، وربما سيتكرر بعهدها السيناريو الحالي أو يأتي الأسوأ منه و الذي لا يحمد عقباه.