في الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2018 لاختيار 329 نائبا . تقدم 7000 مرشحا توزعوا على 180 حزبا . ومن هذا العدد يتضح ابتداءا ان الشعب العراقي لم يتوافق على رأي جمعي او فكر مشترك لما يجب ان يكون عليه مستقبل العراق . ولذلك نجد ان الاحزاب والتكتلات الفائزة توزعت بين تحالف النصر والفتح وسائرون والوطنية  والقرار العراقي وغيرها من الاحزاب المناطقية اضافة الى الاحزاب الكردية التي خيم عليها شبح مابعد الاستفتاء الفاشل  . وجاءت هذه التحالفات الجديدة اثر صراعات وانقسامات حزبية كبيرة حيث خرج حزب الدعوة بقائمتين منفصلتين ومتباعدتين قائمة العبادي وقائمة المالكي . كما انقسم المجلس الاعلى ايضا بقائمتين هما الحكمة لعمار الحكيم والمجلس الاعلى لهمام حمودي . اما القوائم السنية السابقة فقد انقسمت وتوزعت هي الاخرى على العديد من الاحزاب مثل قائمة القرار والوطنية وقوائم اخرى متفرقة حسب المحافظات  . ويبدو ان مأزق الاحزاب المتنافسة قد انعكس على الناخبين فهم ايضا توزعوا على نفس الاحزاب والكتل الفاشلة . فجاءت نتائج الانتخابات بنسب متقاربة للاحزاب والكتل المشاركة فيها
  ان نسبة التصويت الحالية توضح مدى عزوف المواطنين عن المشاركة فيها ومقاطعتها ، مما يدل على استياء المواطنين من مجمل العملية السياسية وسلوكيات المسؤولين والبرلمانيين وفساد اغلبهم . حيث كانت نسبة المقاطعين تفوق على 55%  . اي ان نسبة المشاركين فيها اقل من 45% في حين ان هذه النسبة كانت في عام 2005 69% وفي عام 2010 . 62,4% وفي عام 2014 بلغت 60% والان اصبحت 44,5% ومن ذلك يتضح كم كان الشعب متحمسا لحكم منصف يراعي مصالحه . . وكم هي خيبات الامل في الانتخابات اللاحقة والتي لم تبالي بها الطغمة الحاكمة 
 
ان نتائج هذه الانتخابات رغم انها لاتلبي الطموح الا انها تمثل هزة للعملية السياسية في العراق . وتعتبر مرحلة مفصلية من تاريخ العراق الحديث . لكونها قد اضعفت كثيرا النهج الطائفي الذي كان سائدا في الانتخابات السابقة . كما ان فوز قائمة السائرون التي تضم الصدريون والحزب الشيوعي ومدنيين وتكنوقراط بالمرتبة الاولى يعتبر نصرا للاصلاح السياسي ، وانتصارا لشريحة الفقراء . كما سيجعلها في موقع تفاضلي في اختيار رئيس الوزراء القادم 
 
 لايحق للكتل السياسية والاحزاب المشاركة بالانتخابات الطعن فيها لان جميع من ساهم بالعملية السياسية كان قد صادق على اختيار مفوضية الانتخابات رغم كونها غير مستقلة فعلا وبالتالي فهم جميعا يتحملون مسؤولية ضعفها او تهاونها في الخروقات الانتخابية ومع ذلك نجد الاعتراضات على نتائج الانتخابات تتزايد يوما بعد يوم ، ويستمر التشكيك بنزاهة المفوضية من قبل كل الاحزاب والتحالفات الخاسرة
 
بعد هذه الانتخابات يتطلب الامر تغييرا في البرامج والخطاب الاعلامي المستقبلي للحكومة القادمة وجعله متوازنا في الداخل والخارج  ، لتجنب مخاطر الصراعات المحتدمة في المنطقة ولان كلا من امريكا والسعودية وايران لهم مصلحة في الشأن العراقي . ولكن ايران ليست في وضع يمكنها من فرض اجندتها على العراق الان خصوصا بعد انسحاب امريكا من الاتفاق النووي . ولكنها ربما ستقوم بعملية  لخلط الاوراق بعد اعلان نتائج الانتخابات النهائية . خصوصا وان هناك تيارات شعبية معارضة لتدخلها السافر بشؤون العراق الداخلية والخارجية ، وبالرغم من انها تعتقد ان العبادي يميل نحو امريكا الا انها لاتستطيع تقديم هادي العامري او نوري المالكي كمرشحين لرئاسة الوزراء لعدم تمتعهما باي مقبولية من جهات عديدة . اضافة الى ان ايران تدرك جيدا ان سحب البساط من تحت اقدام الصدريين وعزلهم سيؤدي الى انتفاضة شعبية عارمة قد تطيح تماما بالعملية السياسية والتي هي اساسا قائمة على كف عفريت . والصدريون قادرون اكثر من غيرهم على التحشيد  وتحقيق طموحاتهم ، وذلك من خلال التنظيم الدقيق الذي يتمتعون به ولولائهم المطلق للسيد مقتدى الصدر . . ولذلك فان رئيس الوزراء الحالي قد يكون له حظا اوفر لولاية ثانية اذا ماتحالف مع كتلة سائرون . وربما يستطيع من خلالها اختيار العناصر الكفوءة وتنفيذ خططه المؤجلة بسبب ضغوطات الاحزاب المتنفذة في العراق ، وبالمقابل فان كتلة سائرون ستجد تحالف النصر اقرب الكتل الكبيرة اليها ، ولانها لاتملك مجالا واسعا للمناورة حيث انها لاتتفق مع تحالف الفتح ولا مع عدوها اللدود دولة القانون التي يرأسها المالكي 
 
في اول تظاهرة للصدريين بعد فوزهم الكبير بالانتخابات رفع المتظاهرون شعارات معادية لايران طالبتها بالخروج من العراق وعدم التدخل بشؤونه الداخلية . وهذه ليست المرة الاولى التي تطالب الجماهير باخراج ايران من المعادلة السياسية في العراق حيث هناك حركة شعبية قوية ومتزايدة في اوساط الشعب لمنع التدخلات الايرانية في الشؤون العراقية 
 
شعرت ايران ان موقفها سيكون ضعيفا بعد هذه الانتخابات فارسلت قاسم سليماني في محاولة لتحقيق مكاسب على الساحة العراقية من خلال استمالة الصدريين الى  قوائم الفتح والنصر ودولة القانون والحكمة لتشكيل الكتلة الاكبر على غرار التحالف الوطني السابق .  ويبدو انها لم تنجح في ذلك لعدم تجاوب كتلة السائرون معها . ولحراجة موقف رئيس الوزراء رئيس كتلة النصر من الحضور فارسل ممثلين عنه  .  وفي حالة فشلها في تحقيق حكومة موالية لها ربما ستقوم بفتح جبهات داخلية جديدة واستغلال الصراع على السلطة لخلق حالة فوضى تستطيع من خلالها تنفيذ اجنداتها التي لم تتحقق . مما يتوجب على الجميع الحرص على استتاب الامن وعدم فسح المجال لاي نزاع او صراع يجرنا الى منزلقات خطيرة 
 
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة الامريكية فقد حضر بيرت ماكغورك المبعوث الرئاسي الى العراق في اليوم التالي للانتخابات مما يدل على الاهتمام الكبير لامريكا بالعراق ونظام الحكم القادم وللوقوف امام الضغوطات الاقليمية بشأنه الداخلي وخصوصا الايرانية منها ، ولترتيب الوضع الداخلي للعراق بعد الانتخابات النيابية بما ينسجم مع السياسة الامريكية في المنطقة 
 
ومن ذلك يبدو ان هناك تسابق محموم بين الحكومتين الامريكية والايرانية لضمان تشكيل حكومة موالية لهما قبل الاخرى . ولكن يبدو ان الضغط الداخلي في العراق سيحقق نجاحا لاول مرة اذا ما تم الاتفاق على تشكيل حكومة مقبولة بالحد الادنى . وبعكسه سيتم تقديم مرشح توافقي ، وفي هذه الحالة سيكون مرشحا ضعيفا لايقوى عل تحقيق اي انجاز مهم على الساحة العراقية ، وعندئذ لن يبق امام الاستياء الشعبي الكبير الذي افرزته الانتخابات الاخيرة سوى الانتفاضة واسقاط العملية السياسية برمتها حيث ليس هناك اربع سنوات اخرى للشعب لكي يضيعها في الظلم والقهر . . وكل الاحتمالات واردة في الوضع العراقي القلق وغير المستقر