في مثل هذا اليوم، الثامن عشر من أيلول(2003)، نستذكر برحيل الأديب والمترجم الكوردي شُكر مصطفى، أحد أعمدة الثقافة الكوردية الحديثة، وأحد القلائل الذين سخروا عمرهم في خدمة اللغة والهوية والتاريخ. لم يكن شُكر مصطفى مجرد اسم عابر في صفحات الأدب والترجمة، بل كان مشروعاً ثقافيا قائما بذاته، تنقّل بين اللغات والثقافات ليرسم من خلالها ملامح شعب، وينقل صوته وهمومه إلى القراء بلغة رصينة، ووعي تاريخي عميق.

ولد في قرية نائية في محافظة كركوك عام 1926، وشقّ طريقه إلى المعرفة من خلال التعليم الديني ثم الأكاديمي في بغداد، حيث تخرج من كلية الشريعة عام 1949. لكن اختياره لم يكن الدين فقط، بل اللغة والقومية والموقف الثقافي. مارس التعليم لسنوات، لكنه لم يكن معلما عاديا، بل مثقفا يحمل همّ شعبه، ولذلك دفع ثمن مواقفه من خلال النفي والإبعاد. ورغم كل ذلك، لم يتراجع عن مشروعه الثقافي.

مع اتفاقية 11 آذار 1970، عاد شُكر مصطفى ليشغل أدواراً رسمية في مؤسسات التعليم والثقافة الكوردية، أبرزها عمله في قسم المناهج في المديرية العامة للدراسة الكوردية، ثم توليه منصب الأمين العام في المجمع العلمي الكوردي، وهو موقع مكّنه من توجيه المسار الثقافي الكوردي آنذاك، وفتح أبواب الترجمة والتأليف المنهجي أمام الجيل القادم.

أحد أبرز إنجازاته كانت في ميدان الترجمة، حيث نقل نصوصا خالدة من التركية، الأذرية، والعربية إلى الكوردية، بلغة سليمة وروح وفية للنص الأصلي. ترجم أعمال الكبار مثل يشار كمال وناظم حكمت، وترك خلفه مكتبة مترجمة تشهد على قدرته الفذة في الجمع بين الدقة اللغوية والحس الأدبي.

لكنّ الأهم من الترجمة هو ما مثّله شُكر مصطفى من رمز للمثقف الكوردي الحقيقي: ذاك الذي لا تستهلكه المناصب ولا تغريه السلطة، بل يقف دائما إلى جانب لغته، ويذود عنها، لا بسيف السياسة، بل بقلم المعرفة.

لقد كان مثقفا موسوعيّا بحق، جمع بين الإبداع والتوثيق، بين الأصالة والانفتاح. ولعلّ من أكثر ما نفتقده اليوم في زمن التجزئة والانقسام، هو هذا النموذج من المثقف الجامع، الذي لا يرى في المعرفة ترفا، بل مسؤولية.

مرت أكثر من عشرين عاما على رحيله، لكن أثره باق في الكتب التي تركها، في الطلبة الذين تتلمذوا على كتاباته، وفي المؤسسة الثقافية الكوردية التي ساهم في بنائها. ومع كل ذكرى تمر، نشعر بالحاجة إلى إعادة قراءة تراثه، لا كواجب أرشيفي، بل كمصدر إلهام في معركة الحفاظ على اللغة والهوية والثقافة.

في زمن تتعالى فيه الضوضاء، يبقى صوت شُكر مصطفى هادئا، عميقا، ومؤثرا.

فلنُحيِ ذكراه بقراءة أعماله، ودراسة أفكاره، وتقدير رسالته الثقافية التي لم تنته برحيله، بل ابتدأت من هناك، من حيث كتب، ودرّس، وترجم، وحلم.

رحم الله شُكر مصطفى، وجعل ذكراه خالدة في ضمير كل من آمن بأن الثقافة مقاومة.

السيرة الذاتية :

وُلد شُكر مصطفى عبد الله (ملا شُكر) في عام 1926 في قرية مامشة التابعة لمنطقة قره حسن في محافظة كركوك. انتقل مع أسرته إلى مدينة كركوك عام 1932، حيث تلقى تعليمه الديني الأولي هناك. في عام 1949، تخرّج من كلية الشريعة في بغداد.

عمل لاحقاً مدرساً للغة العربية في عدد من المدارس المتوسطة والإعدادية في كوردستان ومدن عراقية أخرى. وبسبب مواقفه القومية الداعمة للكورد، نُفي عدة مرات إلى مناطق جنوبية ووسطى من العراق. وبعد اتفاقية 11 آذار التاريخية لعام 1970 بين قيادة الثورة الكوردية والحكومة العراقية، تم نقله الى المديرية العامة للدراسة الكوردية وعمل في قسم المناهج والبرامج الدراسية.

في عام 1975، عين في "المجمع العلمي المعلومات الكوردي" في بغداد وتولى منصب الأمين العام، ولعب دوراً مهماً في تنظيم أعمال اللجان التابعة له، كما ترجم العديد من الكتب القيّمة من لغات مثل التركية، الأذرية، والعربية إلى اللغة الكوردية.

وعندما قام نظام البعث عام 1979 بدمج "المجمع العلمي الكوردي" والحاقه بـ"المجمع العلمي العراقي – الهيئة الكوردية"، استمر شُكر مصطفى بالعمل في المجمع، وواصل خدماته الجليلة في مجال اللغة والتاريخ والأدب الكوردي، من خلال الكتابة والترجمة من لغات أخرى. استمر في نشاطه الثقافي حتى عام 1996، حينما أُجبر على التقاعد، ثم عاد إلى اقليم كوردستان عام 1997، حيث عُيِّن سكرتيرا للمجمع العلمي الكوردستاني في أربيل. وبعد تأسيس المجمع رسميا عام 1998، قدّم خدمات جليلة في مجال اللغة والتاريخ الكوردي إلى أن وافته المنية في 18 سبتمبر 2003 في مدينة أربيل إثر مرض قلبي، ودُفن هناك.

أعماله

كان شُكر مصطفى كاتبا متمكنا ومترجما بارعا، أغنى المكتبة الكوردية بسلسلة من الكتب القيّمة في مجالات الترجمة والتأليف، منها:

باللغة الكوردية:

-قلعة دمدم: تأليف عرب شمو، نقلها إلى الكوردية باللهجة السورانية، ونشرت عام 1975 في المجمع العلمي الكوردي.

-مجموعة نصوص من الفولكلور الكوردي: جمعها الدكتور قناتي كوردو، وقام بتعديلها حسب الاملاء الكوردي الحديث، نشرت عام 1976.

الأغاني والأساطير التاريخية الكوردية: جمعها أورديخاني جليل، كتبها بالاملاء الكوردي الحديث، وطُبعت عام 1978.

كوَر أوغلو: تأليف يشار كمال، مترجمة من التركية إلى الكوردية، صدرت عام 1979.

أسطورة الشيخ بدر الدين ابن القاضي سمعان: تأليف ناظم حكمت، مترجمة من التركية إلى الكوردية، نشرت عام 1981.

تَنَكَة: تأليف يشار كمال، مترجمة من التركية إلى الكوردية، طبعت عام 1981 في بغداد.

كاريتا: تأليف يشار كمال، مترجمة من التركية إلى الكوردية، طبعت عام 1982 في بغداد.

أسطورة جبل أغري: تأليف يشار كمال، مترجمة من التركية إلى الكوردية، صدرت عام 1986.

الأرض من حديد والسماء من نحاس: تأليف يشار كمال، مترجمة من التركية إلى الكوردية، طبعت عام 1989 في بغداد.

وله عدد من الاعمال المترجمة الى اللغة العربية مثل:

-شعر الشاعر الکوردي عبدللە گوران، تأليف حسين عليشانوف، ترجمة من الاذرية الى العربية بالمشاركة مع الاستاذ جميل روزبياني، طبعة بغداد عام 1975.

-مذکرات مامون بیک بن بیکەبیک، ترجمة من التركية الى العربية بالمشاركة مع جميل روزبياني.

-تاریخ الإمارة البابانیة، تأليف حسين ناظم بيك، مع الاستاذ محمد الملا كريم، طبعة عام 2001.