عن تحديات التعليم والامتحانات.. وسبعة مقترحات لابد أن تطرقها الوزارة الجديدة
في حين أن الأمية هي أهم مشكلة يواجهها التعليم الأساسي، الا ان جودة التعليم والتقييم هي مشكلة رئيسية أخرى يواجهها التعليم في العراق. إن القول بأن نظام التعليم في العراق محفوف بالتحديات الكبيرة لن يكون دقيقا. بدلاً من ذلك، من الضروري أن نكون صريحين وأن نقول إن العراق يواجه أزمة تعليمية خانقة. كنت قد كتبت سابقا مقالة عن دور نظام التعليم في ابقاء العراق في المستنقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المتزايد وتطرقت فيه الى المشاكل المرتبطة بنظام التعليم كالفساد الإداري، وانعدام الكفاءة والافتقار إلى الموارد الكافية، والسياسات التربوية والتعليمية الخاطئة، ونظام الجودة الضعيف، وسوء المرافق التعليمية، ونقص كفاءة المدرس، والمناهج القديمة وغير الملائمة للتعلم الحقيقي (المدى، عدد 5056)*. خلصت الدراسة الى ان هناك حاجة ملحة للاصلاح ولهذا الغرض قدمت عدة مقترحات مهمة والتي يمكن اعتبارها حجر الاساس للمقترحات التي تتضمنها الدراسة الحالية ومكملة لها، لذا من المهم الاطلاع على تلك المقالة للتوصل الى صورة متكاملة لحجم التحديات والمخاطر التي تواجه التعليم في العراق.
مقترحات تطوير العملية التعليمية
تعكس الارقام والحقائق قضيتين مركزيتين في قلب الأزمة التعليمية في العراق: أولاً، النظام التعليمي الحالي لا يلبي حاجة طلابنا الى التعليم. ثانيا، انعدام الثقة في نظام التعليم عند الاباء والمدرسين والتربويين، مع الأخذ في الاعتبار أن الواقع يشير إلى أن معظم الطلاب يفتقرون إلى فهم اساسي في اللغات والرياضيات.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ الاستنتاج بنبرة يأس. هناك أمل في أن النظام يمكن أن يتحسن إذا تم اتخاذ تدابير معينة. في هذا الصدد، أود أن أقدم سبع مقترحات كأضافة لما تم طرحه سابقا من مقترحات لابد ان يطرقها الاصلاح، وهي على النحو التالي:
المقترح الاول: دعم التدريس والتعلم
برأي، إن الخطوة الأولى نحو بناء نظام تعليمي أفضل في العراق تتم من خلال توفير المستلزمات المادية والمعنوية للمدرسة والجامعة. يمكن تحقيق ذلك في المقام الأول من خلال اتباع منهج شامل وطني جديد يبنى على اساس خطة استراتيجية للتعليم (المدرسي والجامعي) وتطوير المناهج الدراسية بناءً عليه. يجب أن يكون المنهج الدراسي مجهزا لتحقيق مخرجات التعلم للطلاب واهداف التعلم، والتي تحدد بوضوح ما يجب أن يكون عليه الطالب في كل موضوع معين. وبالتالي، فإن المنهج سيكون بمثابة دليل لكل من الطلاب والمعلمين لتحديد المواد التي يجب عليهم تغطيتها كجزء من تعلمهم، ويمنع الاعتماد على كتاب مدرسي واحد. ويمكن لهذا المنهج من تحقيق تحسين مستمر لجودة الخدمات التعليمية، من خلال توفير مفردات معاصرة، وتكنولوجيا ملائمة، وأنشطة تربوية فنية ورياضية، ومعلمين كفوئين، وادارة فعالة في كل مدرسة، وفرص للتنمية المهنية لكل معلم و إداري ليتقدم ويتميز.
المقترح الثاني: ضمان جودة الامتحانات
لضمان جودة الامتحانات، من الضروري إجراء عملية ضمان الجودة لتطويرها. يجب أن تضمن هذه العملية التوافق الكامل مع المنهج الدراسي، وتضمن الإنصاف وتحسينها أثناء عملية التطوير. يجب تطوير العمليات لضمان أن الامتحان يقيس قدرة الطالب بما يتجاوز المعرفة المبنية على الحفظ والاستذكار مثل فهم المفاهيم وتطبيقها وتركيبها وتقييمها وحل المشكلات، وهذا ما سيؤدي الى تقييم عادل لاداء الطالب في كل مستويات التعلم. التكرار لنفس الأسئلة على مر السنين عمل سيئ يتيح مساحة للطالب لتدوين إجابات التعلم، لذلك، يجب التقليل من هذه الممارسة وهذا بدوره سيقلل من ظاهرة منح نسبة كبيرة من الطلاب بصورة غير عادلة درجات كاملة. علاوة على ذلك، من الضروري التأكد من وجود عدالة لجميع الطلاب في بناء الامتحانات، مما يعني مراعاة الخلفيات والظروف المتنوعة التي يواجهها الطلاب.
المقترح الثالث: التأكد من جودة بيانات التقييم
مثلما توجد حاجة لضمان الجودة في بناء الامتحان، هناك حاجة أيضا لضمان جودة بيانات التقييم للحصول على تقييم موثوق به وصحيح وعادل أيضا. يتم تحقيق ذلك بشكل أساسي من خلال تحليل سايكومتري شامل ينظر في استجابة كل عنصر من عناصر الفحص لتعزيز عملية ضمان الجودة. لهذا الغرض، يجب وضع قواعد للتقييم أو مخطط معياري لمنح الدرجات لكل ورقة امتحان لتقليل تأثير التحيزات الشخصية من جانب الممتحنين وضمان وحدة مستوى الفهم حول كيفية منح الدرجات بغض النظر عمن يقوم بعملية التصحيح. يجب أيضا إجراء تحليل شامل بعد الامتحان لتحديد مسار الدرجات لضمان العدل في التقييم بين المحافظات او المناطق او المدارس قبل نشر النتائج.
المقترح الرابع: ضمان العدل والشفافية في إجراء الامتحانات
إن الغش وتسريب أوراق الامتحان يهدد السلوك العادل والشفاف في اي امتحان لذا يجب ايقافها بكل ما يمكن من اجراءات وادوات. ويمكن استخدام التكنولوجيا لمكافحتها. على سبيل المثال، يمكن أن تقطع مراقبة الانترنت ومنع دخول الاجهزة الالكترونية في قاعات الامتحانات شوطا طويلاً نحو منع الغش أو السلوك غير السليم في الامتحانات، وتغرس أيضا شعورا بعدم التسامح مطلقا تجاه أي نوع من الممارسات الفاسدة بما في ذلك سلوك المعلمين غير الاخلاقي في تسهيل الغش الجماعي. هناك حاجة إلى تدريب ودعم المشرفين والمراقبين بشكل صحيح في إجراء الاختبارات، مما يسمح للأفراد الأكثر خبرة بالإشراف على سلوكهم. لا تخلق مثل هذه الممارسات الجيدة ثقة المجتمع فحسب، بل تمنح المصداقية أيضا للشهادات، وتغرس روح المواطنة والنزاهة، ونبذ الغش، وتفهم أسس العدالة من حقوق وواجبات و شعور بالمسؤولية تجاه الوطن والمجتمع.
المقترح الخامس: تحسين جودة التعليم والتعلم
في حين أن دعم التدريس والتعلم ضروري، من المهم أيضا التأكيد على أنه يمكن تكرار كلتا العمليتين وتحسينهما باستمرار. تتمثل إحدى الطرق الرئيسية للقيام بذلك في قيام الهيئات العليا بتقديم ملاحظات منتظمة للمدارس في شكل تحليل شامل ومنهجي للإنجازات والنتائج المدرسية. يمكن لهذه الملاحظات والتعليقات أن تقارن أداء كل مدرسة مع المدارس الاخرى وكذلك لاداء كل مجموعة مدارس في منطقة مع مجموعة مدارس في منطقة اخرى وتقدم تفسيرا لهذه النتائج جنبا إلى جنب مع اقتراحات حول المجالات التي قد تكون فيها المدرسة قادرة على التحسين. بشكل جماعي، يمكن أن تكون البيانات من مدارس متعددة ذات اهمية أيضا الى دوائر التربية الحكومية لأنها توضح الاتجاهات في فهم الطلاب وكذلك أداء المعلم عبر مجموعة واسعة من المدارس.
المقترح السادس: خلق صفوف تفاعلية من خلال دعم المعلمين
نظرا لأن المعلمين يلعبون دورا محوريا في ترجمة المناهج المحددة داخل الصف الدراسي لتحقيق نتائج التعلم، يجب أن يكون هناك دعم مستمر للمعلمين والمدرسين يركز على المحتوى والأساليب التربوية. وهذا يشمل التعلم من خلال الملاحظة الصفية لتحديد المجالات التي يمكن أن يتعلم منها المعلم وتحسين عمله. يساعد التدريس بالطرق التفاعلية إستيعاب الـطلاب للمعلومات الجديدة، خـاصة تلك المواضيع التى يدرسها الطلاب لأول مـرة. كما أنه يخلق نوع من النشاط والتعاون بين الطلاب من جهة وبينهم وبين المعلم من جهة اخرى لذا من المهم التركيز على تطوير صفوف دراسية جذابة وتفاعلية تزيد من اهتمام الطلاب وتشوقهم للتعلم ومشاركتهم في الموضوع، مما يؤثر بشكل مباشر على تعلمهم وأدائهم.
المقترح السابع: اتخاذ قرارات مستنيرة
تعد كمية كبيرة من البيانات المكتسبة من خلال التقييم مصدرا جيدا لإجراء بحث كمي لتطوير رؤى جديدة حول كيفية تعامل الطلاب والمعلمين مع منهج التعلم وتحديد المشاكل الشخصية والجماعية التي يواجهها الطلاب. يمكن استخدام هذه البيانات البحثية القائمة على الأدلة لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن مسائل مثل تحديد الثغرات والتعلم من الأخطاء وتطوير استراتيجيات التدخل او الحلول. علاوة على ذلك، يمكن أن توفر عملية مشاركة نتائج ألابحاث أيضا فرصا تعاونية للهيئات التعليمية للتنسيق والتعلم من بعضها البعض ويتيح فرص افضل للتعاون بين الكليات التربوية والمدارس لغرض الارتقاء باساليب التعلم وبث روح الجدية والمثابرة وتعميق روح الاحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والمجتمع.
في نهاية المطاف، يعتبر العامل الأكثر أهمية نحو تحسين التعليم في العراق هو الجهد التعاوني على مستويات متعددة بين الوزارتين (التربية والتعليم العالي)، والقطاعين الحكومي والاهلي، والهيئات التعليمية المختلفة بضمنها كليات التربية والجامعات. يجب أن يكون هناك اعتراف على المستوى الوطني بأن اصلاح وتحسين التعليم هو مسألة في غاية الاهمية واستثمار طويل المدى، وأن الطريق إلى الأمام سيتطلب قدرا كبيرا من النزاهة والاخلاص والتضحية قبل رؤية الفوائد.