ماذا وراء تهديد وزير خارجية روسيا لأمريكا.. على خلفية المنطقة الكردية

 

  ثلث جغرافية سوريا المحررة من قبل القوات الكردية، أو قوات سوريا الديمقراطية، بعد طرد داعش منها، بمخزونها النفطي البالغ 70% من إجمالي الإنتاج والاحتياطي السوري، إلى جانب غيرها من الموارد المهمة، هي الأن، تحت سيطرة أمريكا بشكل غير مباشر، مثلما بقية المناطق السورية الأخرى تحت سيطرة روسيا أو إيران، وبغض النظر عن اتجاهات الإنتاج الحالية، يتوقع مستقبلا أن تتحكم بها الشركات الأمريكية. ظلت تركيا خارج المعادلة رغم كل ما قامت به من التدخلات، وإلحاحها لإقامة المنطقة الأمنة على حدودها، لذلك أسرعت على خلق الذريعة الكردية، لاحتلال منطقتي جرابلس والباب ووضعها شكلياً تحت سيطرة المعارضة التكفيرية، ومحاولة التوسع بتقطيع أجزاء أخرى تحت حجة تحجيم الدور الكردي في المناطق الحدودية، ولبلوغ غايتها، هدد أردوغان أنه على استعداد لضرب قوات بشار الأسد في حال المواجهة، وقد تعارض التدخل التركي بعكس الروسي مع المصالح الأمريكية وطموحها بالتوسع وبلوغ البحر المتوسط.

  التمدد الأمريكي في المناطق الكردية، بدأ يتضارب والطموح الروسي، خاصة مع ظهور بوادر استراتيجية أمريكية جديدة حول الشرق الأوسط وسوريا بشكل خاص، فلقد تمكنت أمريكا خلال أقل من سنة ليس فقط إعادة التحكم بأطراف من الملف السوري، بل منافسة روسيا بعد أن تمكنت من الإحاطة بكلها في زمن جون كيري وزير خارجية أمريكا السابق. ويظن أنها ستتسارع في تطبيق استراتيجيتها إذا تمكن دونالد ترمب من تهدئة هجمة الديمقراطيين عليه من الداخل، المتصاعدة على خلفية فضيحة الانتخابات الرئاسية.

 روسيا وأمريكا، إما أنهما يسمحان لأدواتهما التصرف حسب أهوائهم ضمن الإطار المخطط، أو أنهم يوجهونهم ويتركون زمام الأمور، وما يجري الأن في عفرين لا تخرج من نطاق تلك الحلقة المسموحة، فلا الطلب الكردي الأخير من سلطة بشار الأسد بدخول منطقة عفرين، ولا رفضهم السابق، ولا التدخل التركي، ولا عدم إذعان أردوغان لطلب ريكس تيلرسون الأخير بوقف الهجوم، تم خارج تكتيكيهما. وحول المسألة الأخيرة، سربت معلومات، أنه رفضها لعدم تجاوب الأمريكيين لمطالبه المعروفة، والتي يكررها على الإعلام، كما ويرجح البعض أن روسيا كان وراء موقفه المتشدد، ولعدة غايات، بعدما كانت روسيا وأمريكا ومعهم بعض الدول الأوربية يغضان الطرف عن تجاوزات أردوغان العديدة، ومنها الإشكالية التي أفتعلها حول عفرين والقضية الكردية، إلى جانب ترويج بعض المعلقين السياسيين أن أردوغان تكفل بمهمة القضاء على المنظمات التكفيرية السورية، تحت خديعة دعمهم، وهي الطامة التي لا تود المعارضة السورية الشريفة تصديقها، ولا السياسية والعسكرية الإسلامية الراديكالية تقبلها، وبالتالي يسقطون في فخ وراء أخر، كالمنصوب لهم ضمن عفرين، بعدما أغروهم، وجعلوا هنا من الكرد طعما، متناسين ما يحصل لهم في إدلب وحلب سابقا واليوم في الغوطة الشرقية.

  الولايات المتحدة الأمريكية تدرك تماما أن خسارة الكرد لعفرين بداية انهيار استراتيجيتها في سوريا، وتعلم روسيا بدورها هذه الحقيقة، وتخطط على أساسها، ولذلك يقول الأمريكيون أن روسيا كانت وراء التشدد التركي في المباحثات الأخيرة وتأجيلها إلى منتصف الشهر القادم، وبها وضعوا أمريكا أمام معضلة إما قبول الشروط التركية، وليست هذه هي غاية روسيا، أو الخروج من المنطقة بالتدرج وتبدأ من عفرين، أو من مدينة منبج، وبالتالي تعود القوات الكردية إلى الحلف الروسي، وهذا ما لن تعترض عليه تركيا، لانهم سيتحركون تحت مراقبتها، والدعم العسكري سيكون محدودا، والنظام الإداري المتوقع إقامته في المنطقة الكردية، ستكون على المقاس الروسي، ولن تتجاوز الإدارة الذاتية.

  الكرد لا خيار لهم ضمن مجريات الأحداث، أو لنقل التحركات الدبلوماسية الدولية، ونعني روسيا وأمريكا، إلا الإذعان وتقبل الأجندات وتنفيذ الأوامر، فالقوى الإقليمية والدولية تجري المباحثات حول القضية الكردية بغياب الكرد أصحاب القضية، وهذه تعكس حقيقة مؤلمة، وهي أننا نحن الكرد لانزال دون سوية التعامل معنا كأسياد لقرارنا أو مالكين لأرضنا، وليس لنا قدرة التأثير على مجريات الأحداث عند عزلنا.

  فعلى الأغلب الدخول في حوارات مع سلطة بشار الأسد على نقاط معينة، ليست نتيجة اللحظة، بل مبنية على اتفاقيات دولية سابقة، تتحكم بها روسيا، وتم بقرار روسي غير مباشر، حتى ولو كانت تخفيها بدهشتها من موقف السلطة، فالمكالمات الهاتفية بين أردوغان وبوتين منذ البارحة تؤكد على الدور الروسي في العملية. ومن جهة أخرى لا يستبعد أن تكون مساعدة غير مباشرة لأرد وغان لإنقاذه من المستنقع، وحفظ ماء الوجه. ومثلها مكالمته لرئيس إيران روحاني، وكانت قضية الاتفاقية الكردية والسلطة محور الحديث. وللتغطية على الفشل التركي، واحتمال تراجعها، قال روحاني أن إيران " تتفهم المخاوف التركية في عفرين، لكن هذا لا يعطيها الحق في احتلال أراضي سورية" يستنتج أن تركيا أمام خيارين: إما السير في عمليتها العسكرية، ومواجهة سلطة بشار الأسد، أي عمليا روسيا، بعد أن سمحت لها روسيا بالهجوم، ولربما ضغط أمريكي مستقبلا. أو حفظ ماء الوجه والتراجع تحت حجة أن المنطقة أصبحت تحت سلطة بشار الأسد أو تحت المراقبة الروسية، وعلى الأغلب وفي الحالتين ستصعد من قصفها الإجرامي في الأيام القادمة، أكثر من المعتاد لتظهر ذاتها المنتصرة والقوية، وفي معظمها الشعب الكردي في عفرين سيكونون الضحية أمام مجازر أردوغان وأذرعه من المعارضة السورية التكفيرية.  

 وعلى الأغلب من على هذه الأرضية يرى المراقبون السياسيون صحة الموقف الكردي الأخير حول عفرين، بقبولهم التدخل العسكري السوري، وعلى أثرها يظهر السؤال: هل للأمريكيين دور في اتخاذ الكرد هذا الموقف؟ كتكتيك لخلق الشرخ بين روسيا وتركيا في حال تعرضت قوات بشار الأسد لقصف تركي، أو من الجيش السوري الحر. أم أنه تم تحت الضغط الروسي، عن طريق الهجوم التركي؟ وبغياب الإسناد الأمريكي العسكري والسياسي، أو التقصير المتعمد فيه أملين بإعادة تركيا إلى سابق عهدها، وإلا فلا يتوقع أن تتجرأ سلطة بشار الأسد القيام بهذه العملية ومواجهة القوات التركية بدون سند روسي أو إيراني، علما أن المواجهة العسكرية بينهما خط أحمر من قبل روسيا. وفي الحالتين هل سيخسر الأمريكيون مركزهم قبل أن يخسر الكرد؟ وبما أننا نحن الكرد في كل الأحوال قوى مشتتة وتابعة، فلا خوف من تغيير المواقف التي قد تؤدي إلى أقل ما يمكن من الخسائر، رغم أن هذا الكلام يحمل الكثير من الألم والأسى.

 وتتمة لخلط الأوراق، كمحاولة للتفرد بالقضية السورية، ومن ضمنها القضية الكردية، ومجريات الأحداث في عفرين، جاء التهديد الروسي على لسان وزير خارجيتها في 19 من هذا الشهر، أي البارحة، في مؤتمر نادي فالدي للحوار (روسيا في الشرق الأوسط ...) مرافقا مع الاتفاقية التي غطت وسائل الإعلام، بين أل ي ب ك وسلطة بشار الأسد حول عفرين، قائلاً " ومرة أخرى أناشد زملائي الأمريكيين، وأقول لهم لا تلعبوا بالنار، ولا تقيسوا خطواتكم بناءً على البيئة السياسية الأنية، بل على المدى الطويل لمصالح الشعب السوري وغيرهم من الشعوب ضمنهم الكرد وقضيتهم في العراق وسوريا والدول الأخرى في المنطقة..." مؤكداً على أنها تعمل على تقسيم سوريا. في الواقع التهديد الدبلوماسي، جاء إما لتمويه الإعلام أنه ليس لهم ضلع بما يجري بين الطرفين حول عفرين. أو على خلفية ما تعرضت له القوات الموالية لها في شمال دير الزور وراح ضحيتها قرابة مئتي فرد، وهناك من يقول أن العدد أكثر، بينهم مجموعة من الروس المرتزقة. أو كما يرجحه أغلبية المراقبين، وهو الهدف البعيد، كان لتحريك استراتيجية الفصل بين الكرد والأمريكيين وإخراجهم من سوريا.