تعد القوة العسكرية الركيزة الاساسية لبناء أي كيان سياسي مهما كان الاختلاف في المسميات و ذلك لحمايتها من التهديدات الخارجية و المؤامرات الداخلية ، و من جانب آخر لتطبيق الافكار التوسعية التي يمتلكها ذلك الكيان على حساب المناطق الاخرى , لذا فأن قوة الدولة تكمن في قوتها العسكرية بالعدد و العدة و ذلك لأن فكرة الاحتلال و الاستيلاء و تحقيق الاطماع لزم الانسان منذ وجوده ، و ان بروز فكرة الامن القومي كمصطلح في بداية القرن المنصرم ارتبط بشكل وثيق بمدى امتلاك الدول للقوة العسكرية و درجة تدريبها و نوع الاسلحة و دخولها في تحالفات عسكرية وبعدها توسعت لتشمل جوانب اخرى مثل الامن الاقتصادى والاجتماعى و الثقافي والسياسي و..... الخ , و كثيراً ما كانت الدول تقترب من اشعال فتيل حروب دامية لولا خوفها من دمار المنطقة و خرابها و لكن في مرات عديدة خرجت من اطار سيطرتها و لجأت الدول الى استخدام القوة العسكرية معلنة حرب شرسة باعتبارها الشكل النهائي للعلاقات فيما بينها لحل القضايا العالقة و كانت تنتهي هذه الحروب بتغير في ديموغرافية تلك المنطقة و تخلف وراءها الدمار و الامراض و التشرد و مشاكل الثأر و الانتقام و الاهم من ذلك تغير في خارطة المنطقة فكانت نتيجة الحربين العالميين في القرن الماضي ظهور كيانات سياسية جديدة بعد اختفاء السابق منها و ان الدول المنتصرة في الحروب تحافظ على نفوذها بانشاء المعسكرات لقواتها داخل الاراضي التي تحتلها لكي تستطيع فرض سياستها و حماية مصالحها .
ان منطقة الشرق الاوسط كانت موضعاً للصراعات منذ القدم بين القوى المتصارعة لذا فأن التغيير في الحدود و الانظمة السياسية الحاكمة سمة بارزة لهذه المنطقة بل و اكثرها شيوعاً .
فعلى سبيل المثال لا الحصر عند احتلال بريطانيا للعراق عام 1917 و من اجل بسط نفوذها لجأت الى عسكرة المنطقة بأنشاء معسكرات عديدة في الجنوب و الشمال و الوسط في سبيل حماية الكيان الذي انشأه بعد انهيار (الرجل المريض) الدولة العثمانية و كذلك فعلت امريكا عند حرب تحرير العراق عام 2003 حيث بنت معسكرات لقواتها في مناطق عديدة و لكنها اضطرت الى سحبها عام 2011 مدركة بخطورة قرارها و انها تركت وراءها اثار جمة ، و بعد ظهور داعش كجماعة ارهابية على انقاض الجماعات الارهابية السابقة و لكنها بزي و تخطيط مختلف حيث اعاد الانسان الى العهود القديمة دون اعمار و تاريخ و رفاهية و سيطرتها على اراض واسعة في العراق و سوريا لأسباب مختلفة و متعددة دخلت امريكا الى العراق تحت غطاء التحالف الدولي لمحاربة داعش لتحقيق الغرض السابق من دخولها بعسكرة المنطقة و حماية مصالحها وأعادة رسم المنطقة .
ان فكرة عسكرة المنطقة تتفاقم يوماً بعد آخر فبعد ان كان مقتصراً على الدول الكبرى حيث بدأت الدول الاقل وزناً في التأثير على العلاقات و السياسة الدولية تحذوا حذوها و تنشر قواتها العسكرية في العديد من المناطق في سبيل اطماعها التوسعية مثل ايران و تركيا و السعودية , حيث باتت المنطقة شبه عسكرية فلا يكاد يخلو دولة من وجود معسكرات لدول اخرى سواء بالاتفاق او الاضطرار او ان الحاجة تقتضي ذلك .
و ان الدول تتسابق وتتصارع فيما بينها ويظهر ذلك بشكل واضح بين كل من امريكا و روسيا في العراق وسوريا ، وان وجود هذه المعسكرات تجعل الابواب مفتوحة امام اشعال فتيل الحروب بصورة مباشرة او بالوكالة و ان هذه الدول تدافع بشكل مستميت عن وجودها العسكري في تلك المناطق باعتبارها جزءاً مهماً من استراتيجيتها العسكرية و الامنية ضد التهديدات الخارجية و الداخلية و لنها لا تجني للمنطقة سوى الدمار و الخراب و مزيد من حقن دماء الاطفال و النساء و التشرد ، و ان بناء المعسكرات كانت و لاتزال بداية لاعادة رسم المنطقة و تقسيمها وفق منطق القوة الحاكم , لذا فان التاريخ دائماً في تجدد و السؤال الذي يفرض نفسه هل ان العسكرة الحالية سيكون بداية لتأسيس دولة او كيان كوردستاني مستقل او يذوق الكورد مرارة ماذاقوه من قبل و يقعون فريسة للمصالح و الاتفاقات السرية خلف الجدران ، هذا ما سيكشفه الايام القادمة .... و لكن الامل و التفاءل يرسمان على جبينهم هذه المرة لقدرتهم على قراءة احداث المنطقة وفق ما يروق لهم و بذلوا المزيد من الجهود في استثمار هذه الفرصة كما انهم قد خرجوا من العزلة السابقة نحو آفاق رهبة و نجحوا في جذب انظار العالم المتمدن و اثبتوا جدارتهم في محاربة الارهاب و حماية الامن العالمي .