التقي بكثير من اصحاب القرار.. ويتم في الاعلام والاجتماعات تداول اسمي، مع غيري، لهذا المنصب.. وكتبت مراراً بالخروج من المنافسة والترشيح، ليس نكوصاً او تردداً او عجزاً او زهداً، بل لتقدير اراه .. ومنعاً من اي لبس، ولكي لا ابدو جاحداً، او معرقلاً، اؤكد اعتذاري عن المنافسة، لتقديري (بافتراض حصولي على القبول الان) فإنني سريعاً ما سأفقده، واواجه باغلبيات لن تسمح بمجموعها توفير الدعم اللازم لاحقاً.
بهذه المقدمة البسيطة افتتح الدكتور عادل عبد المهدي عاموده الصباحي بتاريخ 23/5/2018 بمقالة موسومة "رئاسة الوزراء ... اشكركم فالشروط غير متوفرة" ليعلن من خلالها عدم اندفاعه وراء التكليف لهذا المنصب لمجموعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها والتي قد تكون بمثابة صخرة عظيمة تتحطم امامها سفينة الإصلاح المنشود .
اني لا اريد لهذه المقالة ان تكون باب للمدح والتملق ، وانما اذكر من خلالها ان الرجل بإدراكه لعمق الخلل الاقتصادي والسياسي في العراق فأنه محاسب على افعاله اكثر مما يحاسب من كان قبله ، وليس من يعلم كمن لا يعلم ، ولان الرجل كما عهد عنه بأنه مدرك لخفايا السياسة وعارف بمعرقلات النمو الاقتصادي فقد اخذ الكثير من المهتمين بالاقتصاد والسياسة مقالته بمحمل الجد بوصفها ورقة لخصت المشاكل التي قد تواجه أي عملية اصلاح اقتصادي قادمة ، وقد يكون من المنصف له ان تكون هذه النقاط هي الأسس التي يجب من خلالها ان يقيم اداءه القادم ، حيث لخص هذه المشاكل ب 8 نقاط رئيسية يجد انها قد تشكل عوامل معرقلة تتسبب في عدم اكماله لمشواره في هذا المنصب مستقبلاً .
ان النقاط التي أشار اليها الدكتور عادل عبد المهدي في مقالته وضحت وبينت الخطر الحقيقي على أي عملية إصلاح اقتصادية وسياسية في العراق ، وقد يلاحظ الكثيرين مهارة الرجل في ادراكه لهذه المشاكل وقدرته على تشخيصها بشكل حقيقي ، فقد بدأ هذه النقاط بتشخيص المشكلة الريعية للاقتصاد العراقي وما تشكله من عائق اما باقي قطاعات الإنتاج ، كما أشار الى معارضة القوى السياسية للنهج الإصلاح الاقتصادي لما اعتادوا عليه من عقلية الدولة الريعية كما وصفهم ، وتناول قضية الفصل بين السلطات وقيام المؤسسات الدستورية ، ومشكلة الفساد الإداري ، ودعم التشكيلات العسكرية الساندة ، كما أشار الى العلاقات الدولية المبنية على أسس المنطق لا على أساس التبعية .
ان الدكتور عادل عبد المهدي بقبوله في نهاية الامر لمنصب رئيس الوزراء فأنه ملزم بان يضع الحلول الحقيقية والموضوعية للمشاكل التي خطها ووصفا بقلمه ، وقد يكون من الانصاف ان تكون هذه النقاط الثمانية هي الحد الفاصل بين النجاح والفشل في أدائه الاقتصادي والسياسي ، وان يكون مقياس النجاح هو مدى نجاحه في تخليص البلاد من هذه المعرقلات الثمانية .
ان تاريخ السيد عادل عبد المهدي مليء بالبحوث والدراسات الاقتصادية التي كانت السمة الرئيسية لمسيرته المهنية حيث عرف عنه بانه رجل تناول الاقتصاد من وجهة اكاديمية عريقة ، وقد اصدر الرجل كتاباً يحمل عنوان الثوابت والمتغيرات في الاقتصاد الإسلامي كان بمثابة أطروحة دكتورا طبعها على شكل كتاب تناول من خلاله اثر الدين الاسلامي في اهم قضايا الاقتصاد وتحدث من خلال هذا الكتاب عن الثوابت والمتغيرات في المجتمعات الإسلامية ، وكأي أطروحة تبحث عن تنفيذ فأن الاطروحة الاقتصادية للسيد رئيس الوزراء بدأت تدخل حيز التنفيذ بقبوله بمنصب رئاسة الوزراء باعتبار المشكلة العراقية مشكلة اقتصادية والرجل متخصص بالاقتصاد وكما قيل قديماً فأهل مكة ادرى بشعابها ، وهنا يترقب الشارع العراقي كم من ثوابت النظرية الاقتصادية للسيد عادل عبد المهدي سيبقى ثابتاً وكم منها سيتغير تحت وطأة الضغط السياسي .