تشير تقارير غربية إلى وجود صراع مصالح في السودان بين الصين وروسيا، وأن مصالح البلدين الحليفين تبدو متضاربة في هذا البلد، حيث تسعى الصين لتعزيز نفوذها في قارة إفريقيا من بوابة المصالح الجيوسياسية والاستثمارات والاقتصاد والتجارة، بينما ترتكز روسيا التي تمتلك علاقات قديمة قوية مع السودان في عهد البشير، وترتكز حالياً على نشاط مجموعة "فاغنر" العسكرية، التي تمتلك وجوداً واضحاً في العديد من الدول الإفريقية وتطرح نفسها في دول أخرى كبديل للنفوذ الفرنسي التقليدي، سواء في إطار تحالفات تقليدية أو على صعيد التعاون مع هذه الدول لمواجهة تنظيمات الإرهاب التي تنتشر بكثافة في مناطق عدة بالقارة. كما تمتلك روسيا علاقات قوية مع طرفي الصراع السوداني، حيث التقى وزير الخارجية سيرغي لافروف كل من البرهان وحميدتي خلال جولته الإفريقية التي قام بها في فبراير الماضي، وهناك تقارير عن تعاون في مجال التعدين والتنقيب عن الذهب، وخطط لانشاء قاعدة بحرية روسية على سواحل البحر الأحمر.
السودان دولة مهمة للغاية في إطار صراع الهيمنة والنفوذ على الساحتين الإقليمية والدولية، والصين هي الشريك التجاري الثاني لها، وهناك طموحات إستراتيجية كبرى للمثلث الأمريكي ـ الصيني ـ الروسي في هذا البلد العربي. ولاشك أن الصراع الدائر في السودان يمثل فرصة مثالية للولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في إفريقيا في إطار صراع الهيمنة مع منافسيها الاستراتيجيين، حيث قامت الولايات المتحدة بدور فاعل في إتفاق الهدنة الأخير، وتتواصل بشكل مكثف مع طرفي الأزمة، البرهان وحميدتي، وستعمل بالتأكيد على تأمين وضمان مصالحها وتقليص قدرة روسيا تحديداً على التغلغل في إفريقيا عبر البوابة السودانية.
الصين قد تبدو في موقف المراقب في المرحلة الراهنة، حيث تتابع بكين بحذر تأثير مايحدث عن مبادرة "الحزام والطريق" التي تشمل جميع الدول الإفريقية تقريباً، كما أن قارة إفريقيا باتت ساحة تنافس مهمة للغاية في إطار سعي الصين لتعزيز مكانتها دولياً، حيث تنشط بكين في تمويل مشروعات الطاقة والاستثمارات في الكثير من الدول الإفريقية، وهناك تقديرات بحثية أمريكية تشير إلى الاستثمارات الصينية في مجال البنية التحتية للطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى قد زادت بنحو عشرة أضعاف خلال العقد الماضي ووصلت إلى حوالي 15 مليار دولار، فضلاً عن تعاقدات أبرمتها شركات صينية مع 15 دولة إفريقية لتوريد الطاقة الكهربائية، مقابل تعاقدات لشركات أمريكية مع ثلاث دول إفريقية فقط. وتشير تقديرات مؤسسة «ذا أتلانتيك كاونسل" الأمريكية إلى أن استثمارات الصين في إفريقيا تقدر بنحو 54 مليار دولار، وهو رقم يفوق إجمالي استثمارات البنك الدولي التي تقدر بنحو 34 مليار دولار.
بلاشك أن الوضع في السودان يمثل اختباراً مهماً جديداً للدبلوماسية العربية، وتحديداً لكل من المملكة العربية السعودية و الإمارات بالتعاون والتنسيق مع مصر، حيث تتشارك هذه الأطراف الثلاث في العمل من أجل تبريد وتسوية الأزمات العربية في السنوات الأخيرة، وقد يكون من المهم لهذه الدول الثلاث الإسراع بتطويق الأزمة السودانية قبل تفاقمها، وقبل ان تضاف إلى سلسلة الأزمات العربية المزمنة، لاسيما أن الوضع الأمني في السودان يمتلك تأثيراً جيوسياسياً مباشراً على كل من مصر والمملكة العربية السعودية، التي تحتاج إلى ضمان امن الملاحة في البحر الأحمر، وعدم وجود صراع عسكري على الضفة المقابلة لها، في وقت تبذل فيه المملكة جهوداً دبلوماسية كبيرة لانهاء الأزمة اليمنية، ونجحت في تهدئة التوترات مع إيران، واتجهت إلى فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع سوريا، وبالتالي فإن الرياض قد يكون لها مصلحة كبرى في احتواء الصراع السوداني قبل استفحاله، ولاسيما بما تمتلك من علاقات قوية مع اطراف إقليمية ودولية فاعلة مثل مصر والإمارات وتركيا والولايات المتحدة والصين وروسيا.