في فيلم (Love Actually) للمخرج ريتشارد كورتيس، يُنكّل رئيس الوزراء البريطاني "مثّل دوره هيو غرانت" بالرئيس الأمريكي "مثّل دوره بيلي بوب ثورنتون" في مؤتمر صحفي، بعد أن شاهده يتحرش بسكرتيرته الشخصية. ويعلن أمام عدسات المراسلين "بريطانيا أعظم من أمريكا، ولديها من التاريخ والثقافة والفن والشعر وكرة القدم، ما لا تمتلكه الولايات المتحدة" ويشير الى الرئيس الأمريكي في زيارته إلى لندن قائلا "إن الصديق الذي يتحرش بنا لم يعد صديقا لنا".
تثير تلك الكوميديا الرومانسية الوطنية غير المسبوقة في التاريخ السياسي بين البلدين صياح وتصفيق الصحفيين، فيما تظهر علامات الهزيمة على وجه الرئيس الأمريكي!
من المفيد جدا تذكير رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بهذا المشهد من الفيلم "لا اشك بانه شاهده أكثر من مرة" بعدما زعم أن زيارته الى الولايات المتحدة من أجل حماية أسلوب حياة البريطانيين، الذي صار الواحد منهم يفكر أكثر من مرة عند شراء لتر من الحليب الذي لا تتخلى عنه طقوس منازل البريطانيين في شرب الشاي.
لقاء سوناك مع الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض كان بهدف بناء تحالف اقتصادي لمساعدة بريطانيا على التغلب على عزلتها الناجمة عن بريكست، والذي أصبح كابوسًا يؤرقها. ويمكن اعتبار هذا اللقاء كمثال للفشل الذي خلقته سياسة حزب المحافظين في البلاد، والتي أدت إلى ندم سياسي شامل.
فبريطانيا لا يمكنها أن تتخلى عن هويتها الأوروبية وتصبح دولة أمريكية. كما أنها لا يمكن أن تدعي أنها قوة عالمية إذا لم تكن لاعبًا في ساحة الأحداث الأوروبية.
هذه حقيقة يدركها سوناك وبوريس جونسون قائد مركبة بريكست الذي أسقطها في النهر وغادر، تاركاً الشعب يعوم على الضفاف هرباً من الغرق.
كما أنه من غير المرجح، أن يكون بايدن أكثر ليونة في حماية أسلوب معيشة البريطانيين، مع اقتراب عام انتخابي حاسم في الولايات المتحدة.
الصفقة التجارية مع الولايات المتحدة التي اعتبرها سوناك وأعضاء من حزب المحافظين المشككين في الاتحاد الأوروبي، من أكبر الجوائز الاقتصادية لمغادرة الاتحاد الأوروبي. للهروب من مشاعر الندم. غير أن الواقع لن يتغير كثيراً، مع كل البريق الذي لقاه رئيس الوزراء البريطاني في البيت الأبيض وأضفى عليه مسحة من التميز، أو كلمات بهذا المعنى أشبه بحيلة سياسية تاريخية تمارسها الإدارة الأمريكية مع حلفائها المقربين.
الخبراء المتسللون إلى "ويستمنستر" وراسموا استراتيجيات "10 داونينغ ستريت" يشتهرون بميلهم غير المتوازن نحو السياسة الأمريكية. يبدي معظمهم اهتمامًا غير صحي بالشؤون الأمريكية، مشبعًا بنوع من هوس الأطفال بألعاب الفيديو. بينما يظهرون تعاليًا تجاه أوروبا التي ستبقى حاضنة بريطانيا التاريخيًة والجغرافية.
وهذا ما منح ريشي سوناك موعدًا رخيصًا من جو بايدن، وفق الكاتب في صحيفة الغارديان ومؤلف كتاب "السياسة: دليل الناجين" رافائيل بير، فيمكن لرئيس الولايات المتحدة أن يمنح المجاملات الدبلوماسية العادية، بينما لا يتنازل عن أي شيء ذي مضمون إستراتيجي، غير بعض الحماس المشترك بين البلدين.
كانت مهمة سوناك إلى واشنطن خالية من أي تكهنات غير واقعية حول صفقة التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ذلك هو هاجس كهنة المحافظين المدافعين عن بريكست. وهو بمثابة طريق مفترض للتجارة عبر الأطلسي، مقابل كل الخسائر التي دفعتها المملكة المتحدة بعد مغادرة السوق الأوروبية الموحدة.
لم يحصل أي شي يعوض تلك الخسائر، مع كل الوعود الفارغة للمشككين في الاتحاد الأوروبي، الذين غذى جنون العظمة لديهم فكرة خضوع لندن لبروكسل، بينما يبدون تواضعهم المزيف عندما تصبح لندن هامشًا سياسيًا واقتصاديا لواشنطن. بعد أن رسموا خرائط مغامراتهم الغامضة في أعالي البحار للتجارة الدولية.
زيارة العرض الإعلامي المميز الذي لقاه سوناك في البيت الأبيض، تسلط الضوء على الخطأ الفادح المتمثل في الانسحاب من الكتلة الأوروبية حيث كان لبريطانيا، من خلال تجميع الموارد مع الشركاء الأوروبيين، فرصة لمواكبة الأمريكيين.
فإذا كانت المنافسة الاقتصادية في السنوات المقبلة ستكون سباق تسلح للدعم الصناعي، فستتفوق بروكسل وواشنطن على المملكة المتحدة، التي ستبدو الخاسر الأكبر أمام كلا الطرفين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وبطبيعة الحال، هذا المؤشر لا يعني الاستهانة بنفوذ المملكة المتحدة وثقلها في اقتصاد مجموعة السبع، مع ترسانة نووية ومقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن على الضفة الأخرى أن كهنة بريكست قد الحقوا الضرر بشعبهم في سقطة تاريخية، بينما كل وعودهم عن التجارة عبر البحار مع الولايات المتحدة لم تجن بريطانيا منها غير المزيد من نسب التضخم وموسم إضرابات مستمرة في قطاعات حيوية من النقل حتى الصحة والتعليم، وأموال قليلة بيد الطبقة الوسطى في نهاية كل شهر، ومواد غذائية مرتفعة الأسعار يوم بعد آخر، بيد أن صداقة سوناك مع بايدن الجديدة وبريق التلميع الذي لقيه في البيت الأبيض لن يغير كثيرا من الواقع الاقتصادي المتردي للمواطن البريطاني. بعد أن جعل حزب المحافظين بريطانيا أصغر بكثير وهي خارج الإتحاد الأوروبي.