يشغل بال الكثيرين من متابعي الشأن العراقي لمرحلة ما بعد داعش كيفية تجاوز تلك المرحلة من خلال خطط تنموية على عدة صعد، الاجتماعية والثقافية والتعليمية. ولابد من الاعتراف بحقيقة الشرخ الاجتماعي والثقافي والفكري الذي أحدثته تلك المرحلة ، وطرق معالجته على أسس علمية بعيدة عن العواطف والشعارات والاجتهادات الفردية والعشوائية والانتقائية ، فلم تكن سيطرت داعش على الموصل والفلوجة والأنبار وصلاح الدين وبقية المناطق بالأمر العابر ولم تكن السيطرة عسكرية فقط ، لذا يجب ان لا ينظر الى عمليات التحرير بنظرة عسكرية بحته تتوقف عند توقف هدير المجنزرات والدبابات وأصوات الرصاص وقصف الطائرات ، فعملية التحرير لها عدة مراحل. اولها العملية العسكرية ثم تتبعها مراحل لاحقة ،وهي التأهيل وإعادة الحياة وصناعتها من جديد. وعلينا ان ننشأ مراكز استباقية للمرحلة القادمة . لاننا نحارب فكرا ً وأيديولوجيا لها منهجيتها ومؤسساتها ومنظروها وجهازها الاعلامي والدعائي الضخم، هذا الفكر المستند على تحريف المقدس وتأويل النص لا يمكن القضاء عليه من خلال السلاح فقط ، وهنا تكمن خطورة المرحلة القادمة وضخامتها .
وعلينا ان نجتث الظروف التي أنجبت حواضن الفكر المتطرف بالتزامن مع كسب ود العشائر دون الاعتماد عليها في عمليات الحماية او التدخل بالسياسة ، شريطة ان تبقى العشيرة وحدة اجتماعية محترمة وهي تنظم القيم الاجتماعية الخاصة بها و المتعارف عليها. وان نحييد دور رجال الدين .
قد ينتهي دور المقاتلين بحدود انتهاء المعارك ولكن سيبدأ دور الفنانين والمثقفين والاعلام ومؤسسات المجتمع المدني ، لبث الحياة وصياغة مفاهيم جديدة دون ان تتصادم مع العادات والتقاليد الاجتماعية بشكل مباشر ، فعلى سبيل المثال يجب ان ننشط حركة المسرح الجماهيري ،وعلى غرار التجربة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية التي قام بها برتولد برخت الذي مزج بين السخرية الكوميدية والتحريض على المفاهيم الخاطئة، ومزج بين الوعظ والتسلية، ويجب ان لا نقلب المعادلة ونقدم الأخلاق على الطعام ، اي الأعمار يجب ان يكون قبل أو بموازات الفن والثقافة . كما يجب ان نعد برامج وخطط لتشغيل العاطلين عن العمل وانتشال العوائل الفقيرة من واقعها المأساوي ، والقيام بتأسيس نوادي رياضية واجتماعية لاستيعاب الشباب بدل الاعتماد على المساجد وتكرار التجربة السابقة ، وذلك لا يتم من خلال مراقبة المساجد بل من خلال عدم دعم المساجد والمؤسسات الدينية رسميا ً كما يحصل الان في الفلوجة ، وان كان خطابها مهادن اليوم لكن سيخلق فيما بعد أزمة فكرية اذا سيطر المتشددون عليها . وربما يتكرر الخطأ ويقع المجتمع بـ المحذور ، ولكي لا يفهم قولي هذا عل انه خطاب معادي للدين او ضد المساجد اوضح التالي : ،هي اني مع المساجد ككيان روحي مجاله بث الاخلاق والقيم والمٌثل السماوية البعيدة عن الكراهية والتحريض المذهبي، وان يكون دعمها شعبياً وليس رسمياً كما يحصل اليوم في الفلوجة التي عادت الدولة الى دعم المساجد ومراقبتها.
ولعل من اهم الخطوات التي يجب ان تقوم به الدولة في المرحلة القادمة هي برامج الأطفال بالاعتماد على مناهج وفق رؤية جديدة ، سواء كانت تعليمية او تثقيفية.
كما يجب معالجة طوابير الأرامل واليتامى جراء العمليات العسكرية واعمال العنف التي خلفتها فترة سيطرة داعش على المدن ، فليس لدينا احصائيات وبيانيات دقيقة لعدد الضحايا. لكن يجب على الدولة ان تقوم بهذه الخطوة .
تبقى واحدة من المشاكل الكبيرة والعقبات الضخمة التي ستواجه اعادة التأهيل هي المغرر بهم او المشاركين مع داعش لأسباب عديدة ولديهم الرغبة بالعودة الى الحياة الطبيعية. فلابد من اعداد خارطة طريق لاستيعابهم وتأهيلهم من جديد، مع إصدار قانون تجريم الطائفية وهو من القوانين التي يجب على البرلمان العراقي إقرارها ويجب ان تكون ملزمة للجميع.
هناك مقولة يرددها اهالي المناطق التي سيطر عليها داعش وهي أن الأمريكان تبنوا الكورد وإيران تبنت الشيعة والسنة بقوا مشردين هذا احساس منتشر في الشارع السني. لذا يجب ان يحل محله شعور خيمة الدولة ومظلتها.
ربما سيعترض البعض على عدم قدرة الدولة بالقيام بهذا الدور الكبير وذلك للعقبات التي تعترضها في مسرح التنفيذ
من الناحية المادية واللوجستية خصوصا والعراق يمر بظروف اقتصادية صعبة ، والجواب على هذا الاعتراض يكون بالتعاون مع الدول الصديقة الإقليمية والعربية وبقية دول و إقناع الامم المتحدة بتنبني المشروع وعرض فكرة اعادة التأهيل بطريقة مدروسة ، لان هناك قناعة عالمية ان الفكر المتطرف يهدد العالم بأسره وليس العراق فحسب ، لذا هناك مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي.